الدولة سيكون لها دور مختلف بعد انتهاء جائحة الكرونا في العالم!

مما قرأته خلال فترة الحظر الإجباري الحالية أنه وفي ذروة الحرب الأهلية الانجليزية (1642-1651) هرب الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز ناجيا بجلده من ويلاتها ودمويتها، بهروبه الشهير إلي مملكة فرنسا. وكان الفيلسوف الإنجليزي همّه وشاغله الفلسفي الأكبر هو سلامته الشخصية.
وقد ذكر ذلك في كتاباته في منفاه الاختياري من أن الحياة في طبيعتها «انفرادية وفقيرة وبغيضة وبهيمية وقصيرة»؛ لأن الناس دوما ما يتقاتلون من غير سبب. لذا فهو يري أن على المواطنين التخلي طوعا عن حرياتهم لحاكم يستطيع توفير الحماية لهم. واعتمدت شرعية الدولة على تحقيقها شروط ذلك العقد، والحفاظ على سلامة مواطنيها، وقد كانت تلك الفكرة ثورية في وقت كان ملوك في انجلترا مثل تشارلز الثاني يتولون السلطة على أساس الحق والتفويض الإلهي. وقد سطر توماس هوبز العلاقة بين الانسان والدولة في كتابه “الوحش Leviathan” وهو يرمز بكلمة الوحش هنا نحو الدولة وقدرتها علي حماية المواطنين والدفع عن مصالحهم. لو كان توماس هوبز لا يزال حياً بيننا اليوم لكان قد شعر بأنه على صواب، فالخوف يخيّم على العالم أجمع، ومن أجل حماية أنفسنا من هذا الفيروس المريع تنازلنا طواعية لهذا الوحش الأسطوري وهو الدولة عن حقوقنا الأساسية، بما فيها حرية مغادرة المنزل والبقاء فيه مكبلين أكثر من 15 ساعة يوميا.
لقد منح الوباء الحالي للحكومات الأهمية مرة أخرى، حيث باتت الرعاية الصحية الجيدة، والمسؤولون الأكْفاء، والأوضاع المالية السليمة مهمة، أي أن الحكومة الصالحة تعني ما يفصل بين الحياة والموت الآن. راينا في غمرة هذا الوباء كيف اهتزت الدول الرأسمالية المعتمدة علي آلية الاسواق والاقتصادي الليبرالي فقد اهتزت أمام هذا الوباء كما حدث في امريكا وايطاليا واسبانيا وحتي بريطانيا ووجدنا هذه الدول تعجز عن توفير الكمامات واجهزة التنفس والأسرة لمرضاها ولحماية أطباءها ، بينما دول استبدادية أو شبه استبدادية مثل الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية استطاعت إنقاذ الكثير من حياة مواطنيها من الوباء. كما أن بعض دول غرب أوربا والتي للدولة فيها حضور كبير أو ما يسي دول الرفاه مثل الدنمارك والمانيا تعاملت مع الفيروس بشكل أفضل من الدول الغربية الليبرالية الأخرى وتعاملت مع الوباء وانقذت الأرواح من براثن الفيروس.
السؤال الجيوسياسي المهم الذي يواجه العالم حالياً هو: هل يستطيع العالم وخاصة الغرب الذي قلل من أهمية الدولة تحت النظام الليبرالي المعتمد علي آلية الأسواق والاقتصاد الحر يمكنه تجاوز هذا التحدي كما فعل في تحديات سابقة، وإعادة التفكير في النظرية التي تقوم عليها الحكومة وقطاعها العام وأهميتهما، أم أنه سيخفق ويترك للصين الاستبدادية فرصة استعادة قيادة العالم مستعينة بما كتبه فيلسوف قيادة الدولة توماس هوبز قبل أربعمائة عام!
د. محمد سيد أحمد ساتي