مقالات سياسية

نجاة البرهان من الفتيل

إبراهيم حمودة

هتف العديد من الأصدقاء هنا بأن لقمان أحمد أدخل البرهان في فتيل بالحوار الذي أجراه معه، الأمر الذي أعتقد أنه لم يحدث، و بغض النظر عن مفهوم الفتيل ذات نفسه الذي قد لا يصلح كأداة “كيل” في هذا السياق.

احترامي الأكيد، للأستاذ لقمان أحمد كصحفي من طراز متميز، ولكن نظرتي للقاء الذي أخذ اسم “حوار البناء الوطني” تضعه في خانة أقرب لشغل العلاقات العامة. مصدر البريق الوحيد في الحوار، حسب رأيي، الندية التي أجرى بها لقمان الحوار، وهو أمر غير معتاد في لقاءات الصحفيين بأصحاب المناصب القيادية في الدولة خلال عقود الإنقاذ البائسة، وفي هذا السياق مع رئيس المجلس السيادي.

علما بأن مفردة الندية نفسها مراوغة ومضللة، فالصحفي حين يحاور يأخذ هيئة السلطة العليا الكاملة لصاحبة الجلالة، التي تضع المسئول في خانة الماثل أمام محكمة الحقيقة.

ثانيا ربما كان الأمر سيكون مختلفا لو أجرى اللقاء صحفي آخر غير مدير التلفزيون شخصيا، لأنه منصب قيادي يضع صاحبه في خانة الشريك في منظومة جهاز الدولة. وتلفزيون السودان يحتاج العديد من السنوات كي يتخلص من عقلية التبعية للدولة، كما أن الشركاء لا يحملون في العادة على بعضهم بشدة دون أسباب قاهرة.

سأضع هنا بعض النقاط حول اللقاء:
1- اللغة العالية والتهذيب الرفيع الذي تحدث به الأستاذ لقمان، سرق الاهتمام من محتوى الحوار، ومهد الطريق للبرهان لاستخدام التعميمات التي يحبها القادة والتي لا تفضي إلى أي إجابة حقيقة مثل ” سنعمل، ونؤكد ونحذر.. الخ”.

ويكاد المرء يتعاطف مع البرهان لمجرد كونه أفلح في الإجابة بلغة فصحى وجمل مفهومة بغض النظر عن محتوى كلامه. بهذا تصبح أي محاولة لأسئلة اعتراضية وكأنها خروج عن هذا التهذيب..
بمعنى آخر يبدو اللقاء بالصور التي سار عليها وكأنه كان يركز على عامل العلاقة، بالاستخدام المتكرر لمفردات التفخيم في المخاطبة، الأمر الذي أدى للانتقاص من التركيز على عامل المحتوى.
أعرف أن أي صحفي آخر يمكن أن يجري هذا اللقاء بطريقته الخاصة، لذا لزم توضيح أنني لا أقترح أسئلة بعينها أو أنتقد أداء الأستاذ لقمان بقدر حديثي عن المسائل العامة المحيطة بالحوار.

2- حديث البرهان حول بناء الديمقراطية جاء معمما وتحكمه نظرة النفق بافتراض أن الديمقراطية ستفضي لانتخابات وهو أمر اجرائي لا يرقى لمستوى القضية، في الوقت الذي أهمل فيه الحديث عن المهددات الحقيقية لعملية الانتقال الديمقراطي كلها، ولا عجب في ذلك، فالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية وحكام الولايات العسكريين هم من يعطلون أي محاولة للتخلص من تركة نظام الإنقاذ وتصفيته والأمثلة على ذلك كثيرة لا تتعب من يبحث عنها.

3- الحديث عن المكون المدني والعسكري حديث يكاد يكون محفوظا، وخلاصته أن المكونين يعملان في تناغم ويتشاوران باستمرار وهم أيضا في حالة وئام على المستوى الشخصي.. وهنا مصدر العلة. أي مجموعة تعمل مع بعضها مثل مجلس الوزراء ومجلس السيادة، وتحكمها علاقة عمل منظورة الأمد، تعمل عليها وتحكمها ديناميات تكوين الفريق.. وهي ديناميات تعمل على تحديد طبيعة التواصل داخل المجموعة هل هي مفتوحة أم مغلقة؟ تركز على المحتوى أم العلاقة؟؟

وواضح هنا أن الحديث المكرر عن العلاقة بين المكونين، لا يدور حول جهازين من أجهزة الحكم يحكمها ميثاق دستوري، ولكن حول أشخاص يستلطفون بعضهم أو فرضت الظروف عليهم كذلك. الهارموني الذي يتم الحديث عنه تكذبه مظاهر التخريب المتعمد من قبل العسكر والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى الحاملة للسلاح لعملية الانتقال للدولة المدنية الكاملة وتحقيق اهداف الثورة، وصدور المصفوفة الأخيرة هو نتاج لمثل علاقة التناغم المتخيلة التي تتغاضى عن الفيل داخل الغرفة.

4- هناك أسئلة تصنف ضمن أسئلة الاستئناس تطرح في البداية حتى يأخذ الضيف راحته، ولكن حين يتم الحديث حول عملية السلام فليست هنالك هدية أكبر للبرهان مثل سؤال: ” هل تعتقد أن السلام آت؟؟”.. وهو سؤال يفتح الباب أمام سيولة الخطابة وملاعبة العواطف بتأكيدات الاستعدادية والجاهزية والايمان العميق بالسلام، دون التطرق للإشكالات الحقيقية، وتسمية مناطق الخلاف بكل وضوح والمطوب لحلها ومسئولية كل طرف..

5- الحديث حول ما يحتفظ به البرهان من ذكريات حول ميدان الاعتصام والثوار.. فيه نوع من المجاملة وكلنا يعلم أن الشراكة الحالية فرضها الأمر الواقع، وأن ما قدر يظهر من معلومات حول ملابسات فض الاعتصام في مقبل الشهور أو السنوات قد يلقي بضوء جديد حول دور البرهان ورفاقه العسكر، حديثه عن ذكرياته هنا فرصة غير مستحقة في نظري.

6- الإشارة إلى أن اسم البرهان سيكتب في دفتر الثورة .. تصلح للاستخدام في حوار مع ديكتاتور عتيد ممسك بزمام الأمور، أو لديكتاتور في طور النمو.. و دعواتي ألا تغريه مثل هذه الإشارات في المستقبل.
إبراهيم حمودة – فيسبوك

‫5 تعليقات

  1. كنا في انتظار لقاء غير تقليدي وجرئ … ما حصل هو تحصيل حاصل …. ما تخلينا نغير رايينا فيك يا لقمان

  2. تحليل احترافي أحييك، المفروض الحوارات تكون بشفافية وصراحة بغض النظر عن منصب الشخص المحاور كما نشاهد في العالم الحر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..