مقالات وآراء

رمضان لصناعة السكر الأهلي في قرى السودان

صناعة السكر من أقدم وأسهل الصناعات بأقل المعدات ويمكن لمن لا يعرف فك الخط أن يتقنها. ببساطة هي تبخير الماء من عصير سكر القصب بواسطة الحرارة وجمع عجين السكر البني وتقطيعه الي مكعبات وتجفيفه في الشمس.

يرجع تاريخ صناعة السكر الأهلية الى عام 300 قبل الميلاد فى الهند، وتوفر هذه الصناعة الآن فرص عمل واسعة فى المناطق الريفية وتساهم بصورة كبيرة فى الإقتصاد المحلى. هذا المقال يحاول المساهمة مع شباب الثورة في الجامعات والمهتمين بريادة الأعمال والراغبين في حل مشكلات المجتمع الريفي وفق الفكر المستقبلي الطموح. ينبغي علينا طرح سؤالين أساسيين: الأول، كيف لبلد يزرع قصب السكر علي طول نهري النيل ويتاجر في القصب وعصير القصب في الأسواق المحلية ولا ينتج سكر أهلي؟ والثاني، لماذا لم تفكر كلية زراعة واحدة من تدريب طلابها علي صناعة السكر بالمختبرات وتدريب الأهالي وفق برامج خدمة المجتمع؟

الإجابة علي السؤال الثاني محبطة، لأن الجامعات السودانية ما زالت تسير علي خطي غردون في انتاج موظفين (أفندية) وليس مفكرين أو مبتكرين أو رياديين لحل مشاكل المجتمع والدولة بتقنيات وسيطة متوفرة في كل أنحاء العالم. الإجابة علي السؤال الأول الأهم، تفرض علينا شرح طريقة صناعة السكر الأهلية السائدة في آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض الدول الإسلامية الآسيوية التي لا تعتبر أن رمضان شهر ندرة سكر بل أنه شهر يوفر فرص إقتصادية للنساء والأسر لزيادة الدخل من بيع السكر البني الصحي.

طريقة صناعة السكر الأهلي: بعد حصاد القصب ونظافته من الأوراق يتم عصره بواسطة مطاحن يدوية سهلة التصنيع. يوضع العصير فى خزان (طشت) لترسيب بقايا التراب أو الطين و التخلص من أي شوائب. يسكب العصير النظيف في وعاء ضحل (صاج) ثم يوضع فوق نار توقد ببقايا قصب السكر الجاف لتقليل تكلفة الإنتاج. أثناء غليان العصير يتم تحريكه بإستمرار بمغارف ضحلة كبيرة لمنع الإلتصاق بقاع المغلى ولإزالة الزبد والشوائب التى تطفو على السطح. تستمر هذه العملية لساعات حتى يتبخر معظم الماء ويتحول السائل الي عجين متماسك. ينقل العجين الي مغلاة ثانية لمزيد من التركيز إلى أن يتحول إلى طبقة سميكة ذات لون بني ذهبي. ينشر العجين المركز على ألواح مسطحة لتبريده ثم يقطع لمكعبات أو يوضع فى قوالب ذات احجام مختلفة حسب وزن البيع النهائى.

قد يتسائل القارئ إذا كانت صناعة السكر بهذه السهولة لماذا لم يتبناها السودان من قبل؟ إرتبطت صناعة السكر فى العقل الجمعي السوداني بالمصانع الضخمة التي لا تقوي عليها الا شركات متعددة الجنسيات مثل كنانة. لكن هدفنا هنا طرح مبادرة صناعة السكر الأهلية ليتبناها من يشاء من شباب الثورة وعلي وجه الخصوص الفئات التالية: (1) طلاب الكليات الزراعية الذين يمكنهم بقليل من الإبتكار والجهد والمال شراء القصب وإنتاج السكر الأهلي بسهولة فى المختبرات. (2) طلاب الهندسة لصناعة مطاحن القصب اليدوية فى مختبرات الجامعة وتدريب الحرفيين على صناعتها في ورش المنطقة الصناعية. (3) المبتكرون والرياديون في الصناعات المجتمعية بانشاء مصانع صغيرة في مناطق الإنتاج. (4) الأسر التي بها أطفال يسيطر حب الإستطلاع و الإبتكار على عقولهم، وذلك بدعمهم لإنتاج السكر بالمنزل بإستخدام معدات الطبخ. (5) جيل الثورة من جميع الطلاب والباحثين والمفكرين والمبدعين والقادرين علي تبني هذه المبادرة. (6) شباب المقاومة في مناطق زراعة قصب السكر لإنشاء جمعيات تعاونية لصناعة السكر مع المزارعين حتى تساهم في إقتصاد الأسرة وحل الندرة والضائقة المتكررة عاماً تلو الآخر.

وفي الختام، نأمل بأن تكون التنمية المستدامة التى تقودها المعرفة والبحوث التطبيقية والميدانية من أولويات فترة الحكم القادمة. لا تحتاج التقنية الوسيطة الي رأس مال كبير وهي أول خطوة للصناعات التحويلية وزيادة القيمة المضافة للزراعة، وجعل حياة القري والبوادي جاذبة للذين يعيشون علي هامش المدن. القرويون المهجرون إقتصادياً أو أمنياَ أصبحوا أفقر فقراء المدن، لكنهم لم يفقدوا أبداَ الحلم في الرجوع لديارهم إذا توفرت لهم خدمات ومستويات حياة مثلما في المدن. والدليل علي ذلك عندما أشتد خطر وباء كورونا بالعاصمة رأيناهم يقفزون في البصات واللواري ويدفع بعضهم جل ما أدخر للهروب الي قراهم وبواديهم التي تستقبلهم بالأحضان دون سؤال عن شهادة سكن أو رقم وطني أو بطاقة شخصية.

يمكن مشاهدة صناعة السكر الأهلية فى الهند وفي المختبر في رابطي يوتيوب ادناه …

 

د. أحمد هاشم/ باحث وأكاديمي مهتم بقضايا التنمية الريفية وفكر المستقبل
www.drahmedhashim.com

‫3 تعليقات

  1. مشكلة البلاد،في القوانين والتصاديق والجبايات،وتغول السلطات والجنرالات .مثلا ،التعدين الاهلي ،في البداية كان العائد مجز،مما دفع الشباب للمجازفة، وركوب الصعب،ولما بردت وأصبح الربح مضمون،هجمت الدولة بترسانتها واستولت علي اميز المناطق وباعت،ومنعت، وسورت،وخصصت.بالنسبة للسكر البني كان موجود في الدكاكين بعبوات كبيرة في التسعينات،ولم يجد القبول،وكذلك الصابون، طريقة صناعة الصابون كانت تدرس في المتوسطة ،الحل في تطوير السكك الحديدية، والاستثمار في الطاقة الشمسية،وتشجيع صغار المنتجين والمشاريع الصغيرة،لابد من توجيه الاستثمارللاطراف، لخلق منتج ينافس في السوق المحلي والعالمي .

  2. هذا ما يعرف بالسكر الجقرى ولا يحتاج لكليات الهندسة لإبتكار او اختراع آلات عصر القصب لانها موجودة فى ألة عصير القصب فى محلات العصائر وهى تفى بالغرض او بخصوص التبخير فهو يمكن فى حلة قوز كبيرة او صاج كبير مثل صاج اللحمة المعروف استخدامه فى الخلاوى والحوليات والذى يحرك بالكوريق ، عموما هى صناعة رائجة فى باكستان والهند والبرازيل وفى السودان ادخلها باكستانى فى منطقة شندى ، عموما هى مناسبة فى الريف السودانى لما يتميز به وجود حيشان كبيرة واراضى زراعية حول البيوت مما يجعل أنتاج السكر الجقرى سهل وكما ان صناعته ممتعة ولا تحتاج إلى عناء كثير ويمكن ان يحقق الإكتفاء الذاتى لاهلنا بكل قرى السودان خصوصا فى موسم إنتاج قصب السكر ، ولكن يبقى السؤال هنا هل تكلفة السكر الجقرى ستكون اعلى من تكلفة السكر المصنع فى مصانع السكر حيث ان ربطة قصب السكر قد تنتج إثنين كيلو سكر جقرى او أقل.

  3. رمضان كريم تصوم وتفطر علي خير يا دكتور علي المعلومات الجيدة التي حصيلتها مال في الجيب ويا حبذا لو أرشدتنا أيضا لطريقة مماثلة للتخلص من النفايات في الشوارع وجزاكم الله خيرا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..