مقالات وآراء

وإنتقل الى جوار ربه

لم تكن هنالك اي مشاعر واضحة مجرد عيون شاخصة تحدق بطريقةً مخيفة الى تلك الجثة الهامدة التي لطالما جلست معها في سفرةً واحدة ونامت معها في سرير واحد.. مشاعر مبهمةً وتفاصيل كثيرةً وروايات عادت لتخطر في بالها وذكريات مؤثرة ظلت تتخبط في تلك اللحظة…. هو الموت الذي لطالما هدم لذات وفرق جماعات هو الموت الذي يفتك بمشاعر الأحياء … عرفت (ياسمين) أنها ستفارق شريك حياته (أحمد) فالمشهد الذي كان يراودها في الحلم والذي تكرر كان يوحي لذلك…

وكم من أحلام كثيرة تحققت.. مرّت سنوات العمر سريعاً وأنطفت الشمعة العاشرة من زواجهما وبرغم أنهما لم يكونا متفاهمين تماماً الإ أن المودة كان تحفهما بين الحين والآخر…. وكان إحتياج كلاهما للآخر هو سبب بقائهم سوياً بل وهناك ظروف أقوى أجبرتهما على البقاء سوياً مثل الأولاد وإستقرارها فكانت علاقاتهما مجرد تضحيةً في سبيل راحة أولادهما… كبر الصغار ولم يدركوا بعد لماذا كل هذا الجفاء الذي يعصف بأسرةً تعيش في مكان واحد وبرغم حبهما الشديد لوالديهم الإ أن والديهما لم يحبوا بعضهما ينتشل الغضب أجمل أيام العمر وحتى ظروف المعيشة كانت لا تسمح بالهدوء كبروا الأولاد كبرت حاجياتهم أكثر وأكثر وتمر الأيام ولا شئ يتغير الا الوقت والتاريخ ..

و تعيد الذكريات لقائهم الذي كان أشبه بالخيال حينما خرجت (ياسمين ) منهارة من قاعة الإمتحان النهائي وهي التي لم تجتاز ولا نصفه بسبب مامرت به قبل يوم من الأمتحان وهو وفاة والدتها….
كان مشهد لقائهما أول مرةً مريب حينما كان يجلس أحمد بجوار الكفتريا ينتظر صديقه أستاذ المادة التي كانت تمتحنها (ياسمين) ؛ لم يستطع (أحمد) التغاضي عن دموعها او تجاهل صوتها الشجي وهو توصف حالتها لصديقتها محاولة الأخيرة تهدئتها؛ حتى ترك فنجان قهوته والذي يرتجيه من مده طويله….
وقف خلفها يسمع صراخها وهي تدعي على أستاذ المادة الذي لم يراعي ظرفها برغم تفوقها و أن كان مبدأه الأول والأخير هو أن المتفوق يكون متفوق في جميع مايمر به.

من ظروف. ومثل ظرف الوفاة هذا لا يعني عنده شئ… وهو يسمع بل ويحاول جاهداً للتحدث معها وتهدئتها ولكن دون جدوى لم يجد كلمةً مناسبة تخرج لمثل هذا الموقف سوى حسبي الله من هذا الأستاذ الظالم .. اوقفت ياسمين نحيبها في صدمةً لتعرف مصدر الصوت.. وفي اللحظة التي كانت أشبه بالحلم رفعت رأسها للأعلى حتى هو أنصدم من جمال عيناها.. (سبحان المعبود) على تلك العيون.. نسيت في لحظة مالذي يبكيها فسألته وهي تبكي من أنت؟ فقال لها :أنا شخص لم تهن عليه دموعك وحرقتك … مالذي يبكيك كل هذا البكاء؟ و يكأن ياسمين تنتظر هذا السؤال من مده للتساقط مثل المطر وتهتز مثل الرياح لتهدأ بعدها وتتوقف عن الحديث والبكاء والصراخ… مر الوقت سريعاً ونسى أحمد ماقدم له نسى صديقه وفنجان قهوته.

وبعد كل هذا التعارف والتواصل مع ياسمين تتفاجئ ياسمين بحضور أستاذ الماده يأتي إلى المكان التي تجلس فيه وهما اللذان تربطهما علاقة عداوة ًقويةً ليتجاهلها مرةً أخرى ويتكلم مع أحمد تفاجأت بسابق المعرفة بينهما وهي التي لم تترك كلمة سيئةً في حق الأخير…. مرَّ الوقت بسلام وأثمرت معرفة أحمد لياسمين بل ولعبت الواسطة دورها في إعادة الإمتحان لها… نجحت ياسمين في المادة بعد عناء ، وأستمرت علاقة أحمد بها فكان يتقابلا في في الأسبوع أكثر من أيامه فنشأت علاقة جميلة بينهما وحب دام لمدة ثلاث سنوات حتى جاء اليوم وطلب يدها من شقيقها الأكبر وتزواجا وسافرا الى أرض المهجر…
بدأت هناك حياة جميلة وهادئة جداً لا يكدرها سوى عدم وجود الأهل وإحساس الغربى الموجع وشتان بين العلاقات الثنائية والتي تشق طريقها بعيداً عن الأهل وبين العلاقات التي تكون وسط الأهل فالأخيرة قد تمر مرور الكرام وتكون أقل من العادية ولكن حينما يمر الوقت بعيداً عن الأهل والأقارب يكون إحساس الطرفين أكثر مسؤولية فكلهما يقوم بدور الأهل من حنان وعطف وهكذا كانا (أحمد وياسمين ) ..
وما أن أنجبت ياسمين وإنتقلت الى مسكنها الجديد حتى تعرفت على جارتها والتي كانت مثل الأفاعي السامة تبث سمومها ،في وجهها البشوش وإبتسامتها الخبيثة حقد ليس له مثيل وحسد مخيف، أول ماألتقت ياسمين بها في باب العمارة كانت تقف بجانب المصعد فسلمت عليها ورحبت بها فردت عليها بالسلام وبمجاملة لطيفةً عزمتها على فنجان من القهوة فأعتذرت منها لضيق الوقت مواعدةً لها بفنجان قهوةً آخر…

ولم تخلف وعدها لها فبعد يومين جاءت إليها كانت ياسمين تتعامل معاها بحذر شديد ليس لأنها تعرفها ولكن لوصية زوجة أخوها لها مرت الأيام أسرع من الصوت وماإن وأكملا (الثنائي الهادئ المحب) عامهما الثاني حتى زادت علاقة الجيران ببعضها وزادت زيارتهما وزادتدخل الجارة في حياة ياسمين حتى أصبح مقلق فهي كانت لا تفوت جلسة قهوة حتى وتلعب دورها الأساسياً بحنكة وخبث ودهاء في خراب عش الزوجية الهادئ لم تنجح الجارة الحاقدة من هدم علاقة جميلة وقوية الإ بعدما لفت نظرها لجمالها ورقيها ونعومتها وأنها من المفروض أن تكون ملكة منعمة وإن زوجها لايعرف قيمتها وماأقبحة من إحساس حينما تحس المرأة بجمالها وأن كثيرة على زوجها وأنها من المفترض أن تكون في غير هذا المكان..

وخطوة تتلوها خطوة أُخرى حتى تغيرت لهجة) (ياسمين) وذلك الأسلوب الأمثل لكل الحوارات بينها وبين (أحمد) تغير تماماً ، أصبح الأمر لافت بصورة غير طبيعة ومع أن أحمد كان يلاحظ هذا التغير المفاجئ الإ أن ضغوط العمل كانت تجبره على السكوت ولتستمر الحياة وتسير المركب كان يصبر ، ورغم هذا كله لم يخطر ببال أحمد أن هنالك من يدخل منزله بغرض هدم هذا المنزل … مرت سنتان ونصف على هذا الحآل مايجمعهما فقط تربية الأبناء ، ولكن كل شيء تغير حتى الغرف ونشأت حياة أخرى مختلفة تماماً؛ لا مأكل ولا حتى سرير وأحد وغرفة واحدة باتت تجمعهما تغير كل شيء وكأنهما لم يكونا يوماً ما عاشقين ولا بينهما علاقة ود ورحمة.

هويدا حسين أحمد
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..