عثمان خالد مضوي: الإسلاميون لم يكن لهم وجود يذكر في حقبة استقلال السودان
مشكلة الحركة الإسلامية الحالية في الواجهة التي تعمل بها

أنا موجود ولست منسياً وما زلت حركة إسلامية.. ولكن أين هم الإسلاميون الآن؟!
غادرت السودان قبل يومين من انقلاب نميري وعدت بعد تسع سنوات
حوار: عبد الرؤوف طه ــ تصوير: محمد نور محكر
يعتبر من الرعيل الأول للحركة الإسلامية السودانية، وظل لصيقاً بها منذ سنوات التأسيس الأولى وذلك ما جعله خبيراً بكل مراحل تكوينها والتحديات التي واجهتها، وكان ومازال يعتز بتجربته في الاتجاه الإسلامي في السودان، ويرفض بشدة وصفه بـ”المنسي”.
ذلك هو عثمان خالد مضوي، الذي يصح من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر آخرين أن نطلق عليه توصيف “ذاكرة الإسلاميين التي لا تصدأ”، فالرجل يبدو عارفًا وملماً بخبايا الحركة الإسلامية وتاريخها، بصورة لا تتوفر لكثيرين سواء من مجايليه أو الذين سبقوه أو لحقوا به في الحركة.. (الصيحة) قلّبت معه صفحات من تاريخه فكان هذا الذي بين أيديكم.
ــ أصبحت منسياً وسط الإسلاميين ويكاد لا يتذكرك أحد؟
منسي من منو بالضبط
ــ من الإسلاميين بصورة عامة؟
أين هم الإسلاميون الآن.. على العموم أنا موجود.
ـ هل ما زلت حركة إسلامية؟
الحركة الإسلامية ليست ملكاً لأحد ولا ملكاً لجيل من الأجيال، وهي باقية بفكرها إلى أن يرث الله الأرض.
ــ الحركة الإسلامية أصبحت بعيدة عن معاش الناس؟
الحركة الإسلامية محاولة لرد الناس لأصول دينهم.
ولكنها محاطة بعدد من التحديات.
هي تجابه تحديات داخلية وخارجية، ولكن بما يتوفر لها من إمكانيات تسعى لفعل شيء وسط هذا الصراع.
ــ الدكتور حسن مكي قال لا توجد حركة إسلامية في الوقت الحالي؟
لا أود الرد على ما يقوله الآخرون، ولكن الحركة الإسلامية لها مشاكلها الخاصة .
ــ مشاكلها الخاصة مثل ماذا؟
شخصيًا لا أود الخوض في هذا الموضوع .
ــ لماذا؟
هذا شأن داخلي يخص الحركة الإسلامية، والمراقبون السياسيون يمكنهم التوصل إلى أن الحركة الإسلامية تمر بمرحلة ضمور أو تراجع.
متي كان اخر عهد لك بالحركة الاسلامية؟
أنا مازلت في الحركة الإسلامية، وهي ليست انتماء موقتاً، بل هي تجربة حياة، ونسأل الله أن نلقى الله على المبادئ التي عاهدنا من أجلها بعض الإخوان.
ــ هل تشارك في اجتماعات ومناشط الحركة التنظيمية؟
نحن نلتقي كمجموعة من الأشخاص.
ــ هل ما زالت الحركة هي الحركة؟
لا أستطيع القول إنها على شكلها السابق.
ـ إذن.. أين المشكلة؟
الساحة السياسية تتصدرها الواجهات السياسية للحركة الإسلامية .
ــ الحركة الإسلامية لها واجهة سياسية واحدة؟
نعم هو المؤتمر الوطني، ولكن في السابق كانت هنالك عدة واجهات منها الجبهة الإسلامية القومية، ومن قبلها جبهة الميثاق وجبهة الدستور.
ــ أين الفرق بين هذه الواجهات والمؤتمر الوطني؟
المشكلة أن الواجهة الحالية هي الحكم، والحكم له مشاكله الخاصة ويجذب آخرين.
ــ الواجهة الحالية تحولت لوعاء جامع يضم المسلم والمسيحي؟
هذه ليست مشكلة، حتى جبهة الميثاق كان بها مسلمون وغير مسلمين، وحتى عهد الجبهة الإسلامية كانت الأبواب مفتوحة للجميع.
ــ بمعنى لا مانع في أن يضم كيانٌ إسلامي غير مسلمين؟
في سبيل العمل السياسي يمكن أن يضم مسلمين وغير مسلمين فيما يتعلق بالهموم المشتركة.
ــ عفواً.. تنظيم يضم مسلمين وغير مسلميين ما هي المرجعية التي يحتكمون إليها؟
في فترة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، كان اليهود والنصارى أكثر من المسلمين، وكانت هنالك عهود مشتركة، وكان هنالك تداخل فيما بينهم وكان اليهود يتقاضون إلى أحكام المسلميين في كثير من المرات وبالتالي لا توجد إشكالية في وجود تعدد أديان.
ــ لكن لا توجد قواسم مشتركة بينهم؟
القواسم المشتركة هي القوانين التي تنظم الحقوق والواجبات والحق ليس له لون معين، والحق حق ويجب أن تقيم الحق حتى على نفسك .
ــ البعض يقول إن المؤتمر الوطني أكبر من الحركة الإسلامية بعدة مرات؟
ــ ربما يقصدون حجم العضوية.
ــ ولكن الوطني واجهة للافتة كبيرة اسمها الحركة الإسلامية؟
الانتماء داخل المؤتمر الوطني انتماء فضفاض.
ــ بمعنى؟
بمعنى انتماء ليست به واجبات كبيرة.
ــ هل تقصد أن هناك واجبات للانتماء للحركة الإسلامية؟
الانتماء للحركة الإسلامية في الماضي كانت له شروط محددة وشروط للالتزام.
ــ التزام بأي شيء؟
التزام بقيم الإسلام وبشروط العضوية مثل دفع الاشتراك .
ــ قادة الوطني يقولون إن به التزامات أيضاً؟
ليس التزاماً مثل التزام الحركة، بل المهم الولاء السياسي والقبول بالأطروحات السياسية التي يقدمها المؤتمر الوطني وهو خطاب لكل الناس المسلم وغير المسلم، ولا يقوم على خطاب عرقي أو جهوي، ولكن الآن ظهرت بعض الأحزاب تحمل لافتات جهوية وقبلية وأخذت طابعاً مسلحاً.
ــ إلى أي شيء تعزو ظهور أمراض الجهوية والقبلية في المسرح السياسي؟
السودان يؤثر ويتأثر بما حوله، وحولنا كانت هنالك دول مولعة بتوفير السلاح والدعم المالي لأي حركة مسلحة تظهر على السطح.
ــ ليبيا نموذجاً أليس كذلك؟
نعم ليبيا، ومعروف أن القذافي قدم دعمًا كبيراً جداً لعدد من الحركات الأفريقية ومن ضمنها حركات دارفور.
ــ القذافي دعم حتى الجبهة الوطنية لإسقاط نميري وأنت كنت أحد قادتها؟
نعم.. في فترة من الفترات كان القذافي يدعم الجبهة الوطنية التي كانت تقاتل الرئيس الأسبق جعفر نميري.
ــ ما رأيك في تسجيل الحركة الإسلامية حاليًا كمنظمة طوعية؟
ليست لدى فكره حول هذا الأمر، لكن على العموم الحركة الإسلامية كانت موجودة قبل استقلال السودان، ساهمت في فترة ما قبل الاستقلال وبعده في مسألة الهوية وصناعة الدستور.
ــ كثير من المؤرخين والسياسيين قالوا إن مرحلة الاستقلال خلت من الإسلاميين؟
صحيح، الإسلاميون في السودان ليس لديهم وجود يذكر حينذاك.
ــ كانوا عبارة عن مجموعة من الطلبة الصفوة؟
الإسلامييون على قلتهم استطاعوا التأثير على الآخرين.
ــ تأثير بأي مفهوم؟
مثلاً مسودة الدستور الإسلامي في العام 1968م مرت داخل البرلمان في القراءة الأولى والثانية قبل انقلاب نميري.
ــ هل كان هنالك وجود للإسلاميين في البرلمان حينها؟
ــ كان قليل جداً.
ــ كم كان عددهم؟
ما بين ثلاثة أو أربعة أشخاص وقبل إجازة مسودة الدستور الإسلامي حدث انقلاب جعفر نميري الذي كان من أهم أسبابه قطع الطريق أمام إجازة ورقة الدستور الإسلامي الصفراء كما أشاروا بذلك.
ــ ذكرت أن عضوية الإسلاميين في البرلمان كانت قليلة جداً ومع ذلك مرروا ورقة الدستور الإسلامي؟
كان لديهم تأثير كبير واستطاعوا مخاطبة عضوية الأحزاب مثل الأمة والاتحادي الديمقراطي وحزب الشعب واقتنعت القواعد بأطروحتها المتعلقة بالدستور الإسلامي.
ــ ما هو السر وراء إقناع الأحزاب بمسودة الدستور الإسلامي 1968م؟
المجتمع كان متديناً، ونحن لم نأتِ بجديد بل خاطبنا الناس.
ــ بمعنى أن البيئة ساعدتكم في التأثير على المجتمع؟
من حسن حظنا أن البيئة كانت إسلامية، ونحن لم نأتِ بجديد كما فعل الشيوعيون الذين أتوا بالفكر الماركسي القائم فلسفيًا على الماركسية التي تعتبر فلسفة مادية بحتة لا تؤمن بالله.
ــ إذن المجتمع السوداني المتدين ساهم في بلورة ونجاح أفكار الحركة الإسلامية؟
كنا نخاطب أناساً أكثر منا تدينًا، ويصلُّون كل أوقاتهم، بالتالي لم نجد عناءً كبيراً في إقناعهم بأفكارنا.
ــ نعود لمسودة الدستور الإسلامي؟
كانت هنالك لجنة فنية من قبل البرلمان مكونة من خمسة أشخاص للنظر في المسودة كان لدينا تمثيل جيد داخل اللجنة الفنية.
ــ هل كان يوجد ممثلون للحركة داخل اللجنة الفنية؟
كان هنالك شخصان ينتميان إلينا داخل اللجنة.
ــ هل تذكر أسماء الشخصين؟
أحدهما كان الترابي، ولكن لا أتذكر اسم الشخص الآخر .
ــ من هم ممثلو الجبهة الإسلامية في البرلمان عام 1968م؟
أذكر منهم حسن الترابي ومحمد يوسف محمد، بعضهم دخل البرلمان بدعم من قبائلهم في الدوائر التي ترشحوا فيها.
ــ كيف مرّت مذكرة الدستور الإسلامي عبر البرلمان رغم أنكم أقلية؟
مرّت بأصوات حزب الأمة والاتحاديين.
ــ هل كان لكم تحالف مسبق مع أحزاب الأمة والاتحاديين؟
لايوجد تحالف.
ــ كانت لكم مقدرة عالية في التأثير على الآخرين؟
استطاعت الحركة الإسلامية رغم صفويتها أن تؤثر على الساحة السياسية.
ــ متى بدأت فكرة الدستور الإسلامي؟
في عام 1956م، بعد استقلال السودان، وكنا تحت لافتة جبهة الدستور الإسلامي التي تضم السلفيين والإسلاميين والسجاجيد الصوفية.
ــ حدثنا عن قيادة جبهة الدستور الإسلامي؟
كان الأمين العام هو عمر بخيت العوض.
ــ إلى أي حد استمرت جبهة الدستور؟
حتى انقلاب إبراهيم عبود 1958م.
ــ أين كنت حينما أتى انقلاب مايو؟
غادرت السودان قبل يومين من الانقلاب، وتم اعتقال عدد من الإسلاميين بعد الانقلاب.
ــ هل غادرت السودان بأمر تنظيمي؟
كنت في مأمورية من وزارة العدل التي كنت أعمل بها مستشارا ً.
ــ متى عدت للسودان؟
لم أعُد، وانخرطت في الجبهة الوطنية وعُدت للسودان بعد تسع سنوات، وكان يجب أن أعود بعد شهر من خروجي.
ــ فكنتم النواة الأولى للجبهة الوطنية؟
نعم، شكّلنا الجبهة الوطنية لإسقاط نميري ونظامه الشيوعي.
ــ هل اتضحت لكم من البداية أن مايو حمراء؟
كان واضحاً جداً بدليل الزج ببعض الإسلاميين في السودان بالإضافة لتشكيل مجلس الوزراء الذي ضم وجوهاً يسارية معروفة.
ــ لم تحدثنا عن مسيرتك الشخصية مع الحركة الإسلامية؟
انضممت للحركة الإسلامية وعمري 15 عاماً وقتها كنت أدرس في الصف الثاني بحنتوب الثانوية.
ــ حنتوب كانت تعج بالحراك السياسي؟
درستُ عاماً كاملاً بحنتوب وكنت لا أعلم بوجود إسلاميين أو شيوعيين كنت ملتزماً أكاديمياً.
ــ هل كان لك توجه سياسي مسبق قبل انضمامك للحركة الإسلامية؟
ــ كنتُ ملتزماً دينياً وأقيم كل صلواتي.
ــ كيف تم تجنيدك للحركة الإسلامية؟
في الصف الثاني، حدث حادث أخلاقي حينما قام أحد الطلاب بالهجوم على زميلة، وكنت في أحد العنابر ومعي مجموعة من الطلاب نتناقش حول الحادث، في أثناء الحوار بيننا قلت لهم (البلد دي ما حتمشي لقدام إلا بنشأة حركة إسلامية).
ــ ثم ماذا بعد؟
كان هنالك شخصان يتبعان للحركة الإسلامية ضمن المجموعة التي كنت أتناقش معهم.
ــ من هم؟
بابكر الخواض وإبراهيم حسنين.
ــ ما الذي حدث؟
أذكر أنهما قدما لي دعوة لتناول (كباية شاي)، وأذكر أن الجو كان ملبداً بالغيوم، ودار ناقش بيننا وقالوا لي إن الشيوعية يمكن أن تحل مشكلة السودان، وقلت لهم أنا على اختلاف مع الشيوعية لأنها تقوم على الإلحاد وأنا من أسرة دينية، وكل ما لا يتفق مع العقيدة والإيمان بالله أنا ضده.
ــ كنت ضد الشيوعية رغم أنك لم تكن مسيَّساً وقتها؟
نعم، كنت ضدها لأنها تقوم على أفكار لا توافقني، ولكنهم قالوا لي إن الشيوعية يمكن أن تحل مشكلة السودان. وكان حوارهما معي فيه نوع من السرية ولا يريدون أن يكشفوا هويتهم لي، وطلبت تأجيل النقاش معهم لأنني كنت غير ملم بكل تفاصيل الدين.
ــ ماذا جرى بعد حواركم؟
قالوا لي إذا وجدت الإسلاميين بحنتوب هل ستنضم إليهم، قلت لهم نعم، ولكن هم غير موجودين، انفض النقاش وقالا لي سنتصل بك.
ــ ما الذي حدث لاحقاً؟
مرّت فترة زمنية لم يتصل بي شخص، وفي إحدى المرات التقيت بإبراهيم حسنين (وقلت ليهو وين جماعتكم) قال لي بكرة في رحلة سنتقابل هناك، وحدد لي المكان، في الصباح الباكر صليت الصبح، واتجهنا صوب الرهد وهي منطقة بالقرب من النهر القريب من حنتوب.
ــ هل كنت تعرف من معك في الرحلة؟
أول الملاحظات أنهم تحلقوا في دائرة كبيرة وبدأوا في التعارف بعبارة أخوكم في الله فلان الفلاني اندهشت من طريقة التعريف وحينما أتى دوري قلت أخوكم في الله عثمان خالد مضوي، وكان هنالك بعض أصدقائي قلت لهم أنتم إسلاميون لماذا لم تخطروني بذلك، قالوا لي الأمر سري قلت لهم (تطير عيشة السرية) الدعوة الإسلامية يجب ألا تكون سرية. وهذا كان أول ظهور لي في الحركة الإسلامية في العام 1951م.
ــ البداية مع الحركة كانت حنتوب؟
حنتوب كانت في طليعة المدارس واستطاعت أن تثبت أقدام الإسلاميين وتحطيم مؤتمر الطلبة، وهو واجهة شيوعية لتجنيد الطلاب.
ــ بمعنى مؤتمر الطلبة كان غطاء سياسياً لليسار ولم يكن قومياً؟
في شكله العام يقولون عنه إنه يهتم بقضايا الطلبة، ولكن كان واجهة لليسار.
ــ قلت إنه حدث تحطيم لأسطورة مؤتمر الطلبة.. كيف ذلك؟
إخواننا في جامعة الخرطوم بقيادة بابكر كرار وعبد الله زكريا سجلا إلينا زيارة بحنتوب وطرحا علينا فكرة تشكيل اتحاد عام للطلاب السودانيين، وعبد الله زكريا وقتها مسؤول عن مكتب الثانويات للإسلاميين.
ــ هل علم الشيوعيون بالفكرة؟
نعم.. تفاجأ الاتحاد العام، وكانوا غير مستعدين للطرح وطالبوا باتحادات فرعية في الأقاليم ونحن رفضنا الطرح بحجة أن الطلاب يتواجدون بالمدارس طوال العام، ولا يوجدون في الإقاليم إلا في فترة الإجازة .
ــ ماذا حدث؟
عُقد أول مؤتمر للطلاب العام في ديسمبر عام 1954م وطلب منا الإعداد للمؤتمر، وكنت ضمن لجنته، وكان معي موسى المبارك أحمد من جامعة الخرطوم، المؤتمر العام للطلاب السودانيين كان آخر مسمار في نعش مؤتمر الطلبة، وكانت هذه آخر مرحلة قبل دخولنا جامعة الخرطوم.
المصدر: الصيحة