
بالبساطةِ ذاتها ، ونقاء المشاعر كانَ الحديث يدور .. فجأةً صارَ وجهه أزرق ، بل صارَ أسوداً كالفحم ، عيناهُ تطفحان بالدمع ، وتحمرَّان كالدم ،أصابِعُه تشنَّجت ، وارتجفت .. خُيِّل إليَّ للحظة أنَّهُ سيقع ميِّتاً .لكنه تماسك ، ثُمَّ استجمع كُلَّ قُواه ، وبدأَ يروي مأساته ..
عم يحي, دارفوري بيحكي إنو لما هجموا على قريتهم ، وتصاعدت النيران من تحت ،ونزلت من فوق ، وهو عنده خمسة أطفال .. ف شال اتنين والمرة شالت اتنين .. والنار خلاص وصلتهم .. خلوا الطفل الخامس للنار ..ولكن ما كادوا يبتعدون خطوات حتى انفجرت طلقة في صدغ الطفل..ومرقوا بالأربعة .. يتنفَّسون الموت المتجمد ..
الشهيد هزاع انتاشته رصاصة في جمجمته ، وأمه جنبه ، وتطايَر مُخُّه في ثيابها ..
هل رأَيْتُم عينين كأنَّهُما قد ذُرَّ عليهما الرماد ، وقد امتلأتا حُزْناً عُضالاً مُمِيتاً ، حتى ليصعب عليك أن تنظر إليهما .?.!.. هكذا كانت عينا النقابي عكاشة عبد الرحمن وهو يحدثنا أنه كان في الزنزانة المُجاورة لزنزانة علي فضل .. ويحكي لما دَقُّوا مسمار في رأس علي ، إنو صرخ صرخة اهتزَّت ليها الأرض وجدران الزنازين كلها ، كأنّما ضربها زلزال ..لدرجة غاب المعتقلين عن وعيهم ، ودخلوا في غيبوبة هستيرية ..
فيا أيَّاً تكوني , علياء أو ست النساء ..هذا غَيْضٌ من فَيْض , والدُكِ مجرم وحرامي ، عضو وقيادي في عصابة مجرمة .. في طقطقة النار بقاعِ جَهَنَّم ..كتلة من النذالة والوساخة والفجور .. سفالة إنسانية كم زحفت فأبكت الأرواح وأدْمَت القلوب .. تزوَّج أُمَّكِ بالحرام ، وأطعمكِ وسقاكِ وغذَّاكِ وربَّاكِ بدماءِ المظاليم ،ودموع الأبرياء .. ولذلك , فالشئ من معدنه لا يُسْتَغْرَب .. إذا كُنْتِ هكذا أشدَّ برودةً من الثلج ، وأكثر جفافاً من الطوب .. وستصرُخِين ..
شكري عبد القيوم
[email protected]
شعب حاقد
في 1964 كانت قدي من سكان منزلنا . كانت تسير تعبة في السردارية وطرقت الباب وتصادف وجود المبراطورة بالقرب من الباب . ارادت قدي شربة ماء الا ان الامبراطورة احست انها مرهقة فقد كانت في بداية حملها .دعتها لدخول المنزل كما يحدث في السودان قديما . ولم تخرج قدي من المنزل وصارت اختنا التي ابكتني يوما في الطريق العام . فبعد سنين براغ وستة سنوات عندما كنت في في قائمة الجنرال على صديق السوداء له الرحمة . وكان قد هدد باخذي من براغ الى سجن كوبر مباشرة . السبب كان مطالبتي بنظام فدرالي للجنوب اوتقرير مصير , كما اعترضت في اجتماع الطلاب في مسكن روزفولتوفا بعد ضرب الجزيرة ابا وود نوباوي الخ . وكان المتحدث الزعيم التجاني الطيب ومن الشيوعيين شقيقي الشنقيطي . تسللت الى السويد بدون فيزة ولا ازال في السويد .
كنت اقود العربة في امدرمان وفجأة سمعت قدي تصرخ وهي تجري وتنادي اخوي شوقي… اخوي اخوي شوقي . ولا بد انها قد قنعت من رجوعي . وعندما نزلت من السيارة كانت دموعها تجري وتحتضنني وكانها لا تريد ان تطلقني ولم اتمالك دموعي . كان الشارع ينظر باستغراب في البداية ثم الابتسام . كانت قد صارت فراشة في المدرسة ولها طفلان . ناهد او ترحاس وتعني بخيتة بلغة التقراي والفارس مالك الذي عاد من بريطانيا فيما بعد وبنى منزلا رائعا لوالدته كانت تقول فخوره بيت ب ،، سراميكو ،، كما يقول الايطاليين والاثيوبيين . وعندما كان ابن اختي ايراهيم محمد صالح في لندن كان يسكن مع رفيق طفولته مالك .
كنت اذكر اختي قدي كثيرا وانا في تشيكوسلوفاكية . فعندما اصلحت نطق قدي في البيت قالت لي ساخرة …. محل انت ماشي ده حيضحكوا عليك ذي قدي لمن تتكلم . لكم تذكرت اختي قدي وانا اتعلم الشيكية والسويدية .
كان هنالك الكثير والكثير من الساكنين والعابرين في منزلنا . وكانت اختى قدي تقول … الالله بريدو نضيفة بتريدو . اذكر احد الاشقاء الخمسة كانت في المدرسة الوسطى كان يتكلم مع الامبراطورة . فقالت له اهلك ما رسلوك علشان تسف الصعوط . انت لسة في الابتدائي . كان يقول لي انه يقرص السفة في الفصل وحتى الاساتذة لا يلاحظون عندما يتكلم ولكن الامبراطورة كانت تلاحظ كل شي . ولم يكن رأيها في الناس يخيب . كانت تحب اخي عبد المجيد محمد سعيد العباسي الذي كان في عمري وصفيي لانه كان شجاعا ودغريا منذ بواكر طفولته لا يعرف اللف والدوران . لم نكن نفترق . انقطعت زياراته بعد الثانوية . وبينما هو بعد سنين عديده في السوق امسكت نضيفة بيده بقوة وقالت له … يا عبد المجيد البيت بيتك ما تنقطع منه ….. واعتذر عبد المجيد بأنه كان يمر بالمنزل ولكن يختشي بسبب انقطاعه الطويل . عاد عبد المجيد وفرح الاهل برجوعه خاصة شقيقاتي . وهو مثل والدة الشاعر الفحل الشيخ محمد سعيد العباس كبير النفس والهمة .
المثل السوداني يقول في عيالك ليك داني . بمعنى ان الانسان يكون اقرب الى بعض اطفاله . من المقربين الى نضيفة كان اخي شيخ البطانة حمودة ابوسن الذي غادرنا قبل شهور . وحتى بعد ان صار من كبار رجال الاعمال كان يعود الى المنزل للونسة مع نضيفة . وفي بعض الاحيان يأتي ويطلب فقط كسرة بي موية وزيت ويرفض كل الطعام . له شقيقة اسمها الهام كان يحضر لمنزل الهام بدري في لندن او باريس خاصة عندما كان يمارض والده الوزير في 1980 .
عندما عدت في اول اجازة في 1966 كان خالي ابن عم والدتي حسن محمد صالح ابتر من بورسودان والذي صار من مديري مصنع النسيج وابن الخال الباقر ابتر الذي عمل بوزارة المالية بعد تخرجه من جامعة الخرطوم ، من كادوقلي وابن الخال صلاح محمد احمد من لقاوة الذي صار من مليونيرات السودان ومجموعة من القادمين الجدد واهل العباسية لا يتوقفون من دخول المنزل منذ الصباح الباكر كانت نضيفة تدير كل شئ . المنزل كان اقرب الى نزل او هوتيل وكما قال الخال حسن الذي صار احد مديري مصنع النسيج في بحري كل شئ في ايد نضيفة حتى مفتاح الخزنة . وكانت حاسمة ولا تتردد من المواجهة . احد سكان المنزل قال متبرما لنضيفة …. ليه لمن شنقيطي يكون عندو ضيوف الاكل بيكون عزومة . الجواب كان سشنقيطي بيسلمني ماهيتو انت سلمني ماهيتك شوف حتاكل كيف .
منذ بداية طفولتنا يصر والدي على اكلنا مع الخدم والسائق . وعندما احتجت احدى النساء على اكل اولاد المفتش مع الخدم والسائق . نادانا ابراهيم بدري في المساء وقال لنا ان الانسان الذي يعمل ويكدح هو خير من الآخرين . ولا يخرج دود من اصابع الخدم ولهذا يجب ان لا نترفع من الاكل معهم .
شجاعة نضيفة كانت خرافية ولم يكن هذا محصورا في الجلوس مع المساجين ونساء العباسية ومنهن من تشد العرقي او الفامزوت الخ ويحضرن الى منزلنا بطريقة راتبة ولكن مواجهة اعتى البشر . الاخ ع . كان مهابا في الحي وكان جزارا يذبح كيري . في الصباح يخبط على الشباك ويسلم نضيف اللحوم وكان يسمع اقسى الكلام مثل ما بتخجل دي لحمة كيري ، وبعد ده كلها عصب وعضام وقد تعيد اللحمة اكثر من مرة . والجزار كان مشهورا بشراسته يكتفي بالاعتذار . الاخ صباحي كان مثل كل الجزارين لا يعترف بالتعريفة . عندما كان يسلم اللحمة لنضيفة اعطته الفلوس اخرج رجل بطاقته واتهم الاخ صباحي ببيع اللحمة خارج التعريفة . فقالت له نضيفة باع لى بالتعريفة . وعندما سألها ما هي التعريقة ؟ لم تعرف وقالت ان الفلوس دين قديم وستدفع فلوس اليوم فيما بعد . وانصرف رجل الامن مغلوبا على امره . وقال الاخ صباحي …… لكن لمن نضيفة جاتني راجعة قلتا يا ريت لو خلتني لي بتاع الامن .
العازف الذي كان يعزف مع اخي الفنان ابراهيم عوض طيب الله ثراه قام بقتل المهندس ب . بمساعدة عازف آخر . ووضعه في الزقاق امام بابنا في الليل وفي الصباح لاحظت نظيفة ان رقاد الرجل بالملابس المهندمة قد طال . وعندما اقتربت منه اكتشفت انه مقتول واعينه قد تعرضت لتخزيق . وببساطة نادت على زوج اختي القاضي محمد صالح عبد اللطيف الذي قال مباشرة ان من قتل ذلك الشخص سيشنق لان الطعنة ليست مرة واحدة كما حدث مع جارنا الجزار الآخر الذي حكم عليه محمد صالح ب 12 سنة سجنا . ونفذ حكم الاعدام في العازف .
المنزل كان يمتلئ بالبشر ومن العادة ان يكون من يحضر للغداء ما بين العشرة والعشرين . وفي المساء يمتلئ الحوش بالمريخاب اصدقاء ايمان بدري لمناقشة الكرة او لاقناع لاعب لكي يتنازل عن بعض المبلغ الذي يطلبه ، او لمشاهدة التلفزيون وانتظار العشاء . فكانت لنضيفة قدرة صغيرةللفول وصاج كبير للطعمية . وترتفع الاصوات في بعض الاحيان بالصراخ والتشنج في نقاشات رياضية وسياسية .
كانت بعض اجتماعات الحزب الشيوعي تدار في منزلنا وفي بعض الاحيان يأتي الكبار ومنهم الاستاذ نقد طيب الله ثراه . اذكر ان المناضل الفيلسوف الخاتم عدلان قد قال لي انه يعرف منزلنا جيدا لانه قد سكن عندنا لفترات . ولم يكن سيل الشيوعيين ينقطع . ولاحظت انه في المرات التي تظهر نضيفة في ثوبها الابيض وهي في طريقها الى خارج المنزل ان كل الاصوات تتوقف عند مرورها . وحتى في الزيارات التفقدية القصيرة كان البعض يكون مشدودا وكأن ناظر المدرسة في المرور فقد تقرع لاختفاء كبابي الشاي التي قد تتدحرج تحت الاسرة او صينية الغداء قد تأخر ارجاعها . وقد تتواجد ثلاثة من حفاظات الماء البارد وبعضها قد قضى الليل في الحوش الخ .
بعد رجوع شقيقي مختار من لندن صار يجمع مجموعته من المسلمين . واحتلوا الصالون الضخم . ولم يعد مسموحا لنا وللآخرين بالتواجد في الصالون ولهم اكلهم الخاص ولا يرد بعضهم التحية .كما سمعنا في وجهنا باننا
من باع الآخرة بالدنيا ولهذا لايصح الاكل معنا او الكلام معنا .
تجمع البقية من السكان والزوار في الغرفتين المعدتين للضيوف والبرندة . لم يكن في الامكان الشكوي فمختار آخر العنقود حبيب نضيفة الاول . اذكر ان نضيفة تخلفت من الاجازة التي كانت في باريس لندن او السويد . وبالرغم من الحافي رفضت لان مختار كان يعاني من الازمة . واذكر انها حسمتنا بسبب تمدد مختار وجماعته قائلة ….. انتو زمان كلكم عندكم حيران . اشارة لاصدقائنا الكثيرين . وتمدد مختار الذي يعرفه العالم اليوم بشيخ مختار ، يتجنب كبار الكيزان مناظرته . لقد تركت نضيفة بصماتها علينا جميعا ولكن تأثيرها على مختار كان الاكبر .لقد كانت امه الحقيقية .
اثناء السكن في شارع تشسترفيلد رقم عشرة في قلب الحي الانجليزي الفاخر ميفير ، كانت تتواجد امرأة انجليزية متشردة امام محطة المترو قرين بارك . كانت نضيفة تـأخذ لها الطعام ثلاثة مرات في اليوم ومشروب الشوكولاتة الساخنة بالحليب . وعندما يأخذها البوليس بعيدا من الحى الفاخر كانت نضيفة تذهب بحثا عنها في الاحياء المجاورة . وقد تذهب الى هايد بارك وقد تعود متعبة بعد ساعات من البحث . في امدرمان كان تزود الشماسة كل صباح بقدح من الالمنيوم وتجمع كل ما بقي من غداء المنزلين وتكون وليمة للشماسة . عندما انتقلت نضيفة الى نمرة اتنين فرح الشماسة الذين انتقلوا الى الخرطوم بظهور حبوبة نضيفة .
في احد الايام ارسلت نضيفة لاحضار جالونا من زيت السمسم . وعندما استفسرت والدتي لانها قد ارسلت لجالون قبل ايام ، كان الرد انها قد صنعت كركارا . واستغربت والدتي لانها لم ترى كركارا . عرفت ان نضيفة قد قامت بتعبئة الزيت في برطمانيات لنزيلات مستشفي التجاني الماحي ومن يرافقهن . ففي الشتاء تتشقق الاقدام والايدي بسبب الوضوء او الغسل في العراء وهن ينمن في البرندات اوفي حوش المستشفي . ولنا التصاق بالمستشفي منذ الخمسينات ففيه ماتت احب عماتنا والتي تركت شرخا في حياتنا منذ بداية الطفولة لانها رافقتنا في كل انحاء السودان من مريدي الى سنكات الابيض وسنجة عبد الله الخ . عندما المستشفى كان تابعا للارسالية الامريكية . نضيفة كانت تحضر المرافقات للاستحمام وتأتي بمن يغسل ثيابهن . ويرتحن من عناء النوم على الارض . او لشراب القهوة والنوم على الاسرة . كانت تهتم بنزلاء قبة الشيخ دفع الله وعددهم كبير . كان الجميع يقولون عنها ،، جبارة الخاطر،، احد الزملاء في براغ كان نزيلاا في مستشفى التجاني الماحي . وكانت نضيفة تلبي طلباته لانه ينادي يا نضيفة يا نضيفة عبر الحائط . الشمالي ويطلب من المارة طرق الباب المواجه .
ابن خالي الباقر ابتر كان يحب العزف والموسيقي والغناء في احد الايام كانوا في قعدة واتت كشة تسلق البعضالاسوار الى الشارع . الباقر تسلق سورا وانتهى في منزل اسرة وحسبوه لصا ولم يشفع له قوله انه طالب في جامعة الخرطوم . ولكن عندما قال لهم يا جماعة انا نضيفة عمتي . اخلوا سبيله وتوقف الضرب . واعتذروا له . من لم يعرف نضيفة ؟
نضيفة كانت تجوب السوق ويعرفها الجميع وبتعاملون معها باحترام كبير ومودة . وفي النهاية تنادي على صديقي العربجي فضل المولى والذي صار حماريا في نهاية عمره . وتقول له عندي نص ربع كبكبي عند فلان عندي دخن حلبة وفول عند فلان عندي لحم شرموط عند فلان وديهم البيت . وقد يكون الامر شوال عيش صفيحة زيت سمن الخ
اشهر جزاري امد رمان كان محجوب حمد الذي من اصدقاءه البروفسر على المك عبد الخالق محجوب والكثير من المثقفين ويجلسون امام دكانه في المساء في نهاية شارع الاربعين على خطوات من البريد العام وهو اول جزار في امدرمان يصنع اللحوم بمكاكينات حديثة وبرادات . كانت السيدة حرم الامين زوجة محافظ مشروع الجزيرة في الوقت الذي كان مرتب المحافظ 485 جنيه سوداني وله مخصصات سيارات ومرتب رئيس الوزراء 150 جنيها . كانت السيدة تغضب عندما تعرف من من ارسلتهم ، ان لحمة الفلتو التي اوصت عليها اعطيت لشخص آخر . وعندما ذهبت الى الاخ محجوب حمد غاضبة سألت …. منو البشتري الفليتو ومنو المابتقدروا تقولوا ليه الفلتو محجوز . وعندما كان الرد … نضيفة . كان ردها لا كان كدي مافي كلام .
في احد الايام كنت في زيارة للسودان وصحبتني نينا ومن صارت والدة الدكتورة نضيفة . وكانت نينا في ضحك وونسة مع شقيقاتي واخبرتها اكثر من مرة بالاستعداد لاني سآخذ البريطاني الميجر هيو ماكينا الذي كان يعمل معي من الفندق للذهاب الى المكتب في الامتداد وسيكون في انتظارنا وفد ، ورفعت صوتي . الا ان نضيفة نادتني ووبختني قائلة . تعال هني .. من وين اتعلمت تكورك في مرة ؟ اول ما تطلع من هني تعتذر للبت دي . وتاني اوعك ترفع صوتك على مرة . عندما اعتذرت قالت والدة نضيفة ضاحكة . انها لم تكن تعرف ان هنالك من يخيفني . عندما اطلقت اسم نضيفة على ابنتي . كانت والدتها سعيدة بالاسم . واتي عقد من الذهب ارسلته نضيفة يحمل اسم نضيفة لا يزال يتلألأ على جيد دكتورة نضيفة . ويثير هذا حفيضة بعض بناتي .
عندما كانت شقيقتي الدكتورة ليمياء بدري تستعد مع صديقاتها للجلوس لامتحان الدخول الى الجامعة قررت مع فردتها ام سلمة الصادق المهدي ان يعتكفن في منزلنا للمذاكرة . وكن اثنيعشر فتاة . ولم يعترض اهلهن لانهن يعرفن انهن تحت اشراف الامبراطورة نضيفة التي شكلت حياة بنات واحفاد شقيقاتي ومنهم من صاروا اطباء او طبيبات .
قال لي صديقي الوجيه معتصم قرشي ان زوجته ابنة الجنرال المرهوب عوض عبد الرحمن صغير كان لا يسمح لهن بالخروج الا بعد التأكد من وجهتهن . وعنما تكون وجهتهن منزلنا يوافق مباشرة ويطلب من االسائق ايصالهن . قبل سنوات حضر الدكتور امين النور شقيق الشهيد بابكر النور من مقره في لندن . وعندما عرف ان ابنة شقيقته قد اخذتها زميلتها في الجامعة بسيارتها الى منزلهم في نمرة اتنين غضب وطالب بالاتصال واحضارها واحضار البت التي تمتلك سيارة وتعيش في نمرة اتنين . وعند سؤال ابتسام صلاح ابنة شقيقتي عن هويتها واهلها قالت له قاسم بدري خالي . والسؤال كان خالك بي وين ؟؟ وعندما قالت له انا بت الهام ابراهيم بدري . قال لها انتي اخت شوقي وشنقيطي . والتفت الى ابنة اخته وقال لها . امشي واسكني معاها .
ابتسام صلاح تعيش اليوم في النرويج كانت تقول لي دائما انها تدين بتربيتها ونظرتها الى الدنيا مثل العشرات لنضيفة . ولم يحدث ان رفضت لها نضيف طلبا الا اذا كان غير معقول . ولم تكن تزد عن ،، خلاص ،،ولا تحتاج لاعادة الطلب وينقضي المر .
مهما كان السعر غاليا . ولكن ليس هنالك من تستطيع ان تعصي امرها لان لها فراسة غير طبيعية . يكفي ان تنظر اليهن وتقول ما تشيلي هم الدنيا دي ما بتستاهل . ولا يعرفن كيف تحس وتعرف .
زوجة شقيقي بابكر بدري اتت من السويد وكانت تفكر في تطوير حياة السودانيات . وبعد سنة كانت تعزم على الاكل والمشروب وتخصم عليك الله . وعندما سألتها عن سبب التغيير قالت لى ان حياة السودانيات غنية وجميلة . في البداية كانت لا تقبل بمفراكة نضيقة مع ابنها شهاب الذي كان مصيبة . واقتنعت اخيرا . نضيفة كانت تقول لها …. ابوه زاتو ربيتوا كدة . ماعندنا وكت نقعد نحنس ونشرح للشافع ساعة الغلط والصاح . البيت كان كل الوكت مليان شفع مافي تحنيس مفراكة مفراكتين بيفهم .
قبل سنة رزق شقيقي بابنة . قالت شقيقتي الهام انها ارادت ان تطلب منه اطلاق اسم والدتنا عليها . ولكن تذكرت نصائح نضيفة في عدم التحشر . ولحسن الحظ اطلق على البنت اسم امينة . البرحة كنت اقول لاحد القادمين الجدد بعد ان رددت على الكثير من اسئلته الشخصية . فقلت له انا متعود عالى الرد ولكن ارجوا ان تكثر الاسئلة الشخصية وان لا تتدخل في ما لا يعنيك لان هذا يحرج الآخرين ويسكسبك اعداء . انها تعاليم نضيفة .
منزلنا الذي كان يمتلئ بالرجال والشباب كان يمتلئ بالشابات والسيدات . كانت قهوة وشاي المساء تجمع الكثير من النساء . بعضهن من عملن في الاحفاد منهن ايقونات السودان ،، البلابل،، وبعض المشاهير كن يحضرن لمنزلنا للزيارة بجانب النساء البسيطات .
حواء صارت من سكان منزلنا في التسعينات لانها اتت من دارفور بحثا عن ابنها الغائب . شاهدت منزل الدار مفتوحا بمناسبة زواج شقيقتي لمياء ودخلت فرحبت بها نضيفة وصارت من سكان المنزل . لكي لا تكون عالة على الآخرين كانت حوى تقوم ببيع البامبي المغلي في المدارس . وانضمت اليها شقيقتها وبعد زمن طويل التقت بابنها ورحلت الى ام بده وصرن يحضرن للزيارة . نضيفة كانت من احتضنتها مثل الكثيرين . كما تبنت طفلا يتيما من الجنوب صار اسمه محمود مختار . كان متأثرا بشيخ مختار ولهذا اراد ان يكون اسمه محمود مختار . لا بد انه اليوم رجل ملئ هدومو . رحم الله نضيفة .
عند وفاة والد اخي صديق حيدوب رجل الاعمال الشهير قبل سنة اتصلت به معزيا وتحدثنا عن الايام الجميلة فصديق كان فردة شقيقي خليل بدري ويعد من اخوتنا . وكنت اترك له مذكرات مسجلة . ترك لي تسجيلا يقول فيه انه قد بكى عندما سمع تسجيلاتي وتذكر والدتنا امينة ونضيفة .
نضيفة كانت تتكلم عن مدرستها في بداية الاربعينات وزميلتها في المدرسة الاستاذة نفيسة احمد الامين التي لا تحتاج لتعريف وكانت مدرستهن فاطمة ابراهيم بدري . ولقد سمعت الاستاذة نفيسة تقول في التلفزيون انها تأثرت بمدرستها فاطمة ابراهيم بدري .
نضيفة عبد الله محمد من الدينكا والدتها فضل الموجود من النوبة . بعد سقوط امدرمان في 1898 صار الاغلبية من الفقراء . اتحدت الاسر بغض النظر عن القبيلة وتكاتفوا ضد مصاعب الدنيا . وعند تركوا امدرمان الى الدويم التحمت اسرتانا . وصار والدي اخ فضل الموجود ، صافيات وفضل المولى في الرضاعة . وكانت والدتهم جميعا فضل الرحام امرأة اشتهرت بقوة الشخصية والشجاعة . وهى التي تكفلت بالاشراف على تربية والدي . عندما اراد العم عبد الله على الرحيل من منزل جدنا يوسف بدري مع زوجته فضل الميجود ابنه فضل الله ونضيفة التي كانت رضيعة رفضت المرأة الحديدية التي يذكرها اهل الدويم . وهذه العادة كانت ولا تزال تمارس في السودان وهى ان يبقى الزوج مع اهل زوجته . وكان الطلاق . والدي الذي كان اداريا وقاضيا كان يعتبر قاسيا وحاسما في قراراته . الا انه كان يعاني من نقاط ضعف عندما يتعلق الامر بفاطمة بدري ونضيفة . كان يعطيهن اكبر المساحات وكن عند حسن ظنه . وانا في العاشرة خرجت في الصباح وانا احمل النبلة بين المسرح الذي كان ارضا فارغة ، الصهريج وابي روف . ولم اعرف ان الدكتور محود حمد نصر وابناءه قد شاهدوني . وكانوا يظنون انني عند جدتي في بيت المال وصاروا يبحثون عني . وعندما حضرت بعد الغداء بفترة طويلة قام والدي بحبسي بدون اكل . ولكن نضيفة احضرت لى قراصة بالسكر والسمن . ولا بد ان والدي قد احس بالتهريب لانها مرت اماه ورائحة القراصة بالسمن لا يمكن تجاهلها . وقام والدي اكراما لنضيفة باطلاق سراحي . لقد كانت نور عينيه .
كانوا يقولون ان نضيقة صورة طبق الاصل في اخلاقها من جدتها فضل الرحام التي كانت قوية الشكيمة شجاعة وكريمة لدرجة كبيرة ، الا انه كان لنضيقة واخي الحبيب فضل الله والذي كان يشقى مه طلبلتي قامة الدينكا . كانت قضل الرحام ترحب بالجميع في الساقية التي تمثل 25 فدانا ، وتعطي بكرم من الثمار والخضار . ولا تزال الارض موجودة في الدويم ومسجلة باسم ابراهيم افندي بدري . ولكن من كان يتلاعب او يحاول السرقة تقول له دايرني اوريك جن اهلى النوبة ؟ ابنتي نضيفة من شاكلة اختي نضيفة . يقولون في السودان الاسم بيجبد عندما ذهبت الي الدويم في 1963 اعطتني نضيفة قائمة بالنساء الذين ساذهب لزيارتهن . وعندما احضر للسودان تقول لي بدون النظر الى وهذا يعني ان الامر ليس للنقاش تمشي لي فلانه تديها كدي وفلانة كدي وفلانا اشتري ليها كدي لانها ما بتشيل قروش . وتطلب مني ان آخذ معي شخصا . ذهبت لمنزل احدى السيدات التي طلبت حضوري بسبب خلافات مع اهل زوجها الذي تربطني باحدهم صداقة ، بخصوص ميراث . وبعد فترة كان الشرر يتطاير من عيني نضيقة لانها كالعادة قد سمعت بذهابي . وارادت ان تعرف كيف ذهبت لمنزل امرأة ارملة لوحدي . لم يشفع لي انها اكبر مني سنا . الجملة الاخيرة كانت . تجيك في بطن بيتك . تعمل كدة تاني بقاطعك فاهم.
قد نواصل عن نضيفة الكبيرة والصغيرة .
شوقي بدري
[email protected]
4
مشاركةFacebookTwitter
الخبر السابق
ردود الفعل البريطانية حول الكورونا: الهلع يصيب الأوساط البريطانية
الخبر التالي
المستشار الاعلامي للسفارة المصرية: “ضربت ليك بالغلط” (١)
قد يعجبك ايضاالمزيد عن المؤلف
بنك فيصل الإسلامي (١)
الهروب من المسؤولية !
مانيس والقوقو..ماذا هناك؟
علاء الدين والمصباح السحري
4 تعليقات
شيخ عبد الغفور شهر واحد منذ
الرئيسةمقالات وآراء
شوقي بدري
شوقي بدري
مقالات وآراء
حميدتي ودق البلد بالولد
On مارس 18, 2020
19
مشاركة
لا ادري ولا اقبل انه كلما يطرقع الاماراتية ، السعوديون وحتى المصريين ، بسبب سد النهضة نعم المصريون باصابعهم يهرع حميدتى الذي يعتبر اليوم قيصر السودان ؟ نحن السودانيون نقول ….. ما بنمشي لى ناسا ما بجونا . …. السيسي ده والاماراتيين والسعودين ليه ما بجوا السودان ؟ مصر تحتاج اليوم حتى لدعم راعي الغنم في السودان . لماذا لا يأتي السيسي ؟ ولماذا يرسل السيسي رئيس مخابراته ؟ المفروض ارسال وزير الخارجية ، وزير الرى او وزير المالية . ارسال البوليس حتى ولو لابس ملكي اشارة تهديد مبطن . طيب لمن البوليس دخل انداية السودان االتي يدخلها ويتفرعن كل من عنده حق العبار . مرسلين منادين نائب رئيس الجمهورية ذي مراسلة الوكالة ليه ؟. اليس هذا هو الوقت المناسب لحل مشكلة حلايب ، شلاتين ونتوع حلفا التي احتلها المصريون بعد سفك دماء السودانيين ؟ بدلا عن كلام حميدتي عن توسطهم بين مصر واثيوبيا ، لماذا لا نناقش احتلال الفشقة . وحقوقنا في سد النهضة ؟
فبل عقدين كتبت ما هو موجود في سودانيز اون لاين مكتبة شوقي بدري تحت عنزان …. المسكوت عنه ناسب 19 يوليو .
افتباس
مادام النيل يجري من الجنوب الي الشمال ستكون هناك اطماع لمصر في السودان. يجب ان لا ننسي ان كل الارض المزروعة في مصر منذ زمن الفراعنة حتي الان لم تبلغ 6 مليون فدان بما في ذلك مشروع توشكي الذي لم يكتمل ودفع فيه الشيخ زايد مبلغ ثلاثمئه مليون دولار في حين ان مشروع الجزيرة وحده يمثل اثنين مليون فدان وهو اكبر مزرعه في العالم تحت ادارة واحدة. والاراضي المصريه قد صارت اقل خصوبه خاصة بعد ان حجز السد العالي الطمي
الذي ياتي من اثيوبيا وقد قال احمد شوقي في وصف النيل
حبشي اللون كجيرته من منبعه وبحيرته صبغ الشطين بسمرته لون كالمسك وكالعنبر
لقد تمسخر المصريون وتتريقوا عندما قال الاثيوبيون لنهم سيبنون سدهم وسيكون اكبر . قال لي صديقي دانيال ادماسي في جامعة لوند في 1970 ان الأمطار تجرف التربة الاثيوبية وتترك الجبال جرداء . االسد الاثيوبي سيوقف جرف الطمي . خذوا الماء وسنحتفظ بتربتنا .
نهاية اقتباس
الاعلام المصري يكذب لانه يتعامل مع شعب تعود على الكذب ولا يستطيع العيش بدون الكذب
حلاتا ياناس بنت عبد الرحيم محمد حسين