مقالات سياسية

المالية .. والأصلاح بالتجزئة ! 

عبدالمنعم عثمان 

مقدمة: أغلب بلاد الدنيا تنشئ وزارة منفردة للتخطيط . ذلك لأن النظر الاستراتيجى لأمور التطور ، أصبح لازما للتقدم . بلدان أوروبا وامريكا وكذلك بعض البلدان الأسيوية والأفريقية تضع خططا لعشرات السنين . وبرغم مانفهمه من دمج المالية والتخطيط فى وزارة الدكتور حمدوك لسببين ظاهرين ، الا وهما الفترة الأنتقالية المحددة بسنوات قليلة وقلة الأمكانيات الحالية للبلاد التى نهبت على مدى ثلاثين سنه بصورة لاتعقل ، الا اننا،لنفس السبب ، نرى ضرورة وضع خطة محكمة للخروج من المازق الكيزانى  ، ولوضع الاسس لسودان المستقبل المعافى من الدائرة الشريرة . 

الأصلاح بالتجزئة أو “القطاعى ” : 

للأسباب اعلاه عين وزير المالية الحالى لوزارة ضمت المالية والتخطيط . لم يحدث ذلك لملاحة الأسم ، وانما لضرورة التخطيط حتى على هذا المدى القصير وللاسباب التى ذكرنا . لابد من خطة لتفكيك مانسج خلال تلك السنوات العجاف فى هذه الوزارة الرئيسة بأكثر مما هو ضرورى فى اماكن أخرى تعمل جاهدة لهذا الغرض الأساسى . ولكن وزارة المالية أبطأت بشكل يدعو للريبة حتى فى ازالة الماسكين بزمام الأمور فيها ، وعندما بدأت عينت من هو “أكوز” ،اذا صح التعبير ، مكان من هو كوز ! 

ثم ظلت وزارة المالية تتمسك بامرين أحلاهما مر : ازالة الدعم واللجوء الي الخارج كحل ، ان لم يكن وحيدا فهو الأكثر تفضيلا لمشكلة عجز الميزانية . هذا اسلوب أقل مايمكن ان  يوصف به انه لايختلف عما كان يتفذ قبل الثوره وقد اتضح خطله ولانقول خطأه .وقد برهنت علي ذلك قرارات لجنة ازالة التمكين وتنفيذ بعض مقترحات اللجنة الأقتصادية للحرية والتغيير . فقد جلبت قرارات الأولى مايقدر بمليارات الدولارات وستوفر الثانية كذلك عملات صعبة وسهلة من خلال مقترحات جمركية وضرائبية لانظنها كانت تخفى على المعرفة الأقتصادية العالية للسيد الدكتور ومن أزيحوا اخيرا من مناصب عالية بالوزارة . 

والحقيقة ان الأغرب من كل ذلك هو ماذكره رئيس مجلس السيادة بخصوص الشركات الضخمة التى تقع تحت ملكية القوات المسلحة بغير وجه حق ، والتى بحت بها اصوات اقتصاديين وغيرهم كمؤسسات يجب ان تكون تحت ادارة وزارة المالية ، خصوصا وان الوضع الأقتصادي كان لابد ان يلفت نظر من يبحث عن مزيد من العائدات للدولة لمثلها، بل وان ” يفتش خشم البقرة ” بحثا . لكن السيد الوزير ظل يوجه نظره للخارج ، وقد ظل الخارج يصرف من حديث الدعم مايملأ خزائن افريقيا بالكامل !وآخر ماسمعناه من الجانب الأمريكى الذى يمثل راس الرمح لمايسمى بالمجتمع الدولى رايين متناقضين لمتحدثين رسميين . فيبنما جاء فى اتصال وزير الخارجية وتصريح السيد رئيس مجلس السيادة الأنتقالى ، ان موعد ازالة اسم السودان من اللائحة “مقطوعة الطارى !” قد اصبح وشيكا ، سمعنا من مبعوث امريكا الدائم للسودان : ان تلك الأزالة لاتزال تتطلب اجراءات تتخذها الحكومة السودانية الحالية! 

هذا فى الوقت الذى جاءت فيه لجنة ازالة التمكين من الداخل بالبلايين للمالية من عمليتين او ثلاث، فى استرداد يمكن ويجب ان يطال الاف الحالات المماثلة . فقد لاحظت ، بالعين المجردة واثناء تتطوافى بالعاصمة المثلثة لمدة شهرين تقريبا ودون ان يكون لدى سيارة خاصة ، الاف من المبانى الضخمة غير المكتملة .وكنت اسال كل من اقابل عن تفسير لهذه الظاهرة الملفته لنظر من كان خارج السودان لفترة طويلة ، دون اجابة شافية . غير ان أحد سائقى الأمجاد ، وكان بالصدفة يعمل فى مجال التشييد أعطانى معلومة لم تكن مستغربة ، وكانت فى نفس الوقت تؤشر الى ماكان يحدث واثبتته اجراءات لجنة الأزالة حتى تاريخه . قال ، انه عمل فى بناء عمارة من عشرة طوابق وفى مساحة بلغت 2500 متر ، ولأن البناء لم يكن النشاط الرئيس لصاحبها فقد توقف عند الأعمدة الخرصانية وتركها على هذا الحال منذ عشر سنوات . وزاد ان لصاحبها مساحة مماثلة عليها نفس البناء غير المكتمل . ثم زادنى من الشعر بيتا بالقول ان صاحب العمارتين غير المكتملتين كان شريكا  وغطاء لعبدالله البشير ! 

وهكذا اذا كونت اللجنة فريقا لمتابعة هذه المبانى غير المكتملة ، فلابد انهم واجدينها من نفس الفصيلة العبداللاهية العبدالباسطية الودادية . وهذه ايضا ، كمثال ، ستضيف مئات المليارات لوزارة المالية وهى تلهث وراء الدعم الذى لايأتى لأسباب سياسية زادها فيروس الكورونا بله ! 

دليل آخر على ان المالية لاترى القريب ، ماجاد به السيد رئيس مجلس السيادة فى اللقاء التلفزيونى مدافعا عن المكون العسكرى حيال ما ذكره محاوره من ان الناس يتساءلون عن المؤسسات المليارية التابعه للقوات الأمنية ، والتى لم تقدم العون للحكومة فى جهادها لأصلاح الوضع الاقتصادي . حيث كانت الأجابة انهم منذ يناير الماضى طلبوا من وزرة المالية تقييم أوضاع تلك المؤسسات بهدف النظر فى مايمكن ان تقدمه لدعم الأقتصاد . وزاد ان الأمر لايزال قائما بل شمل بعض المؤسسات التى دعيت وزارة الصناعة والتجارة للاستفادة منها فى نفس الأتجاه ، ضاربا المثل بالمسلخ الذى حضر افتتاحه وزير الصناعة والتجارة . وزاد ، ان الصناعات الحربية قد لاتحتاج لأضافة أكثر من 30% لتنتج انتاجا مدنيا ، وان المسلخ يمكن ان يساعد فى انجاز أتجاه البلاد الى الأستفادة من القيمة المضافة التى سيتيحها تصنيع كل مايصدر خاما فى الوقت الحالى ! فتصور ان هذا الحديث يصدر من المكون العسكرى فى الفترة الأنتقالية ، ثم لا يتلقفه المكون الأقتصادى المدنى الذى كان من المؤمل ان يبتدره لاان يسكت عن تنفيذه طوال الشهور التى مضت منذ ان ابتدره المكون العسكرى . ويعود السبب الى النظر “بالقطاعى ” من جهة يشير عنوانها الى النظرة الاستراتيجية الى الأمور ، بجانب انها تعمل فى فترة تتطلب مثل هذه النظرة مضاعفة لأنقاذ مايمكن انقاذه من براثن فترة ” الأنقاذ “! 

ولكى لانظلم المالية منفردة ، فان وزارة الصناعة والتجارة لاتقل تمسكا بنظرة التجزئة الى الأمور . ولعل مسالة السلع وتوفرها واعادة توزيعها وارتفاع اسعارها الجنونى ، يصلح لأن يكون مثالا نموذجيا لهذه النظرة . فبنظرة شاملة للأمر ، كان من الممكن حله بضربة واحدة فى تقديرى ، وهو شئ لم يفت على فطنة الوزارة ولكنه ذكر بشل عابر : (التعاون) الذي هو الحل ! 

ففي الجانب الأستهلاكي: 

  • التعاون يضع حل المشكلة فى ايدى اصحابها :هم من يجمع رأسمال الجمعية وهم من يديرها وهم من يجلب السلع من مصادرها بسعر الانتاج او الأستيراد. ولعل هذا يوضح فكرة الحل بضربة. ومن ناحية اخرى ، ولآن الجمعيات تتكون فى مجالات السكن المتفاوتة الدخول وربما الاحتياجات والأذواق ، فان مكونيها يكون لديهم الأمكانية لتوفير ماتحتاجه المنطقة المعينه.  

بالطبع عند انتشار الجمعيات التعاونية على أوسع نطاق ممكن ، وهو امر ممكن ، خصوصا لووجد الدعم والمساعدة من الدولة ، فانه سيكون من نتائجها الجانبية انخفاض الاسعار بسبب انتهاء دور الوسطاء ولهم دور اساسى فى ارتفاعها ، اضافة الى منافسة تجار القطاعى الذين سيضطرون الى مجاراة الجمعيات فى اللجوء الى مصادر السلع بشكل مباشر وبالتالى خفض اسعارهم أو الخروج من السوق. 

فى الجانب الأنتاجي: 

أما فى جانب الأنتاج فان الجمعية تلعب دورا كبيرا فى مثل مجتمعنا الذى يعج بصغار المنتجين ، وخصوصا بعد تجربة الثلاثين عاما التى لم تبق غير الكبار جدا ” وبس “! ولم يتبق من الصغار غير الباعة المتجولين وبائعات الشاى الجالسات وحولهن من لاعمل لهم. فاذا تمكن هؤلاء وغيرهم من المزارعين الصغار فى كل انحاء البلاد  وأصحاب الصناعات الصغيرة .. الخ  التجمع فى جمعيات تمتلك رأسمالا جماعيا وعملا جماعيا وتسويق جماعى ، فسيصبح لهم انتاج كبير وذو جودة أعلى واحتمالات تسويق افضل فى المنافسة مع الصناعات الكبيرة. 

هذا الأمر لا يعفي الدولة من دورها ولكنه يضيف اليه عناصر فى غاية الأهمية: 

  • أولها ضرورة انشاء وزارة خاصة بالتعاون ، الذى كما اوضحنا من المثالين السابقين انه يغطى كل الأنشطة الأقتصادية وبالتالى فان حجم العمل يتطلب مؤسسة بهذا الحجم خصوصا فى جوانب التسجيل والمتابعة وتذليل الصعاب مع الجهات الكثيرة التى يرتبط عمل الجمعيات بها ، والتى نتوقع ان يكون تعدادها كبيرا بدرجة لا تستطيع وحدة تابعة لوزارة القيام بها . وبما ان هناك من الآراء ما يذهب الى ان وزارة الصناعة والتجارة بحجمها الحالى الذى ربما اقتضته الظروف الأقتصادية وهو من الأسباب التى جعلت من الوزارة هدفا للنقد ، فان تحميلها عبئ العمل التعاونى سيكون قاصمة الظهر. 
  • ثانيها : ضرورة وجود بنك يتخصص فى التمويل التعاونى . وبما ان مثل هذا البنك سيتعاون مع مؤسسات متعددة الملاك ومسجلة بشكل رسمى لدى الدولة ، فانه سيكون من السهل تقديم قروض بدون ضمانات تقليدية للجمعيات التعاونية. 

عبدالمنعم عثمان
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..