العلاقات السودانية الأمريكية: هراوات كثر ولا جزرة واحدة!! (2-2)

السفير أحمد عبد الوهاب جبارة الله:

يقيني أن الدرس من مؤتمر إستانبول، هو مجسد في عنوان هذا المقال. فالحكومة الأمريكية لم يعد في مخزون سياستها الخارجية جزرات لحكومة السودان ولم يبقَ لها إلا هراوات وعصي.!! وعلينا أن نتعظ بدروس من التاريخ البعيد والقريب، بأن مثل هذه الأوضاع قد يكون فيها تكاليف باهظة للطرف الذي تنقصه إمكانيات الاستمرار في الاحتكاك بطرف آخر يملك هذه الإمكانيات. والرأي عندي وعند الكثير من الدارسين لنظم العقوبات والمقاطعة الدولية، أن الخاسر الأول والأخير من هذه الممارسات، ليسوا هم حكام الدول التي تخضع لتلك العقوبات، فهؤلاء لهم من السبل ما يدبرونه للهروب من وطأة تلك الإجراءات، ولكن تصبح حياة الشعوب قاسية وعيشها شظفًا وحرمانًا. وقد حدث ذلك في يوغسلافيا السابقة، وحدث في العراق وزمبابوي وميانمار وحتى في ليبيا أيام معمر القذافي والتي انعزلت عن العالم برغم ما تملكه من ثروات نفطية هائلة!!!

ثالثًا: لا تقتصر الأزمة بين الخرطوم وواشنطن عليهما فقط، ولكن لها أيضًا تفاعلات وتقاطعات مع ما يجري في مجلس الأمن الدولي في إطار الأمم المتحدة. وكلنا يعلم أن سائر القرارات وبيانات الرئاسة الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص السودان، كانت وستظل بمبادرات من الحكومة الأمريكية، سواء كان ذلك مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. فالأمم المتحدة لديها يدها الطولى في تشكيلة قوات اليوناميد في دار فور ،وهي قوة كبيرة وهامة بكل المقاييس. وعليه ستظل الولايات المتحدة حريصة على تجديد ولاية تلك القوات ووجودها في إطار مجلس الأمن، لأن في ذلك صلة عضوية بمبررات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان. ليس هذا وحده، بل تأتي فوق ذلك مسألة التوتر المتزايد في العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان. ولنفكر، أكثر من مرة، فيما صدر من تصريح عن الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرًا، عندما قال: “أصبح الوضع خطيرًا للغاية بين السودان وجنوب السودان” وتحدث عن “انهيار الثقة بين جنوب السودان والسودان بما يعوق تقديم المساعدات الإنسانية للفارين من الصراع ” وأضاف أن البيانات العدائية الصادرة عن الطرفين، تزيد من احتمالات المواجهة العسكرية بينهما !! ومدعاة التأمل في هذا الكلام، ترتبط بسؤال نطرحه وستجيب عنه الأيام القادمة، وهو: هل هناك قرارات آتية من مجلس الأمن تتعلق بالوضع بين دولتي جنوب السودان وشمال السودان ؟ ومثل هذه القرارات، هل ستكون فيها إجراءات للمزيد من قوات حفظ السلام، والمزيد من الوقوع في حبائل الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة ومحاذيره ؟ ليس لدينا ما نستند إليه في استشفاف الإجابة عن هذا السؤال، وسنرى ما ستسفر عنه الأيام ولكن دون طويل انتظار أو كثير عناء.

غير أن المهم في كل ذلك أن أيادي أصحاب الهراوات تظل ممدودة في خلفية مجلس الأمن، وبغض النظر عن تصنيف غيرهم لما يفعلون في مبنى الأمم المتحدة الذي يطل على نهر “الإيست ريفر” في نيويورك.

يبقى بعد ذلك أن أثير نقطتين لهما أهمية قصوى في حسابات العلاقات السودانية الأمريكية. إحداهما تتعلق بالخلط المستمر عند ساستنا وحتى عند المنوط بهم أمر السياسة الخارجية السودانية، بين الإدارة الأمريكية وبين الكونغرس الأمريكي. وقد أذهلني خبر تناقلته وسائل الإعلام السودانية يتحدث عن احتجاج دبلوماسي سوداني لدى الحكومة الأمريكية بخصوص تحركات ومبررات النائب فرانك وولف لتشديد العقوبات المفروضة على السودان. فالنظام الأمريكي فيه تميز بين السلطة التشريعية(الكونغرس) والسلطة التنفيذية (الإدارة) وتظل الأولى هي سلطة التشريع والرقابة، ولا يمكن للسلطة التنفيذية أن تسيرها كما تشاء، كما هو الحال عندنا في السودان وفي كثير من بلدان المنطقة. والأجدر بكل من يرى في الكونغرس ما يقلقه أن يتعامل مع تلك المؤسسة، وليس مع غيرها. وإن هو فشل في التعامل معها لأسباب تتعلق بخلاف جذري حول السياسات، كما هو الحال بين السودان والولايات المتحدة، فإن اللجوء لغيرها لن يجدي فتيلاً ولن يفيد.

أما النقطة الأخيرة، فهي تتعلق بما ظلت تردده الكثير من وسائط الإعلام حول إنكار الإدارة الأمريكية بأنها تسعى لتغيير نظام الحكم في السودان. ومن ذلك ما صرح به بعض المسؤولين الأمريكيين، في الآونة الأخيرة. ويبدو أن تلك التصريحات قد شجعت بعض حكامنا على الإصرار المستمر على طريقة في الحكم أثبتت فشلها الذريع بعد تجارب مريرة خاضها السودان خلال العشرين عامًا الماضية. ولكن ما بات يراه المرء من شواهد واستقراءات تتصل بالتصرفات الأمريكية في الآونة الأخيرة، لا يؤيد فرضية ذلك الطرح الناكر للسعي لتغيير النظام في السودان. ومن تراكمات التجارب والخبرات الدولية، فإن هذه الشواهد تشكل مقدمات لنتائج منطقية، حتى وإن نفتها التصريحات بين الحين والآخر. ولعلي أخلص من كل هذا، أنه يجب علينا في السودان أن نغير سياساتنا وممارساتنا ليس لإرضاء الولايات المتحدة ولكن لإرضاء شعب السودان، وهو صاحب السيادة على هذه الأرض، وهو الأحق بحكم عصري ومدني وديمقراطي، يعتد بحقوق المواطنة وينأى عن الخطل العنصري والإثني، ويعمل على تمكين كل الشعب من موارده، وينبذ الفساد المالي والإداري الذي أثقل كاهله وظل يهدده بالمزيد من التمزق والشتات والضياع.

الراية

تعليق واحد

  1. حكومه النقاذ حددت اعداءها واصدقاءها وبناءاً على تلك المحددات ترسم سياساتها الداخليه والخارجيه.
    فالانقاذ اما ان تكون معها او تصنف في خانه الضد.
    فقد قسمت النقاذ الجميع لثلاثه شعب لا رابع لهم هم:-
    المطالبون بالديمغراطيه وحريه الشعب مع حقوق كامله كأناس وهؤلاء اكبر مهددي الانقاذ وسياسه التعامل معهم بالقهر والتعالي ويمثلهم قوه الاستناره والوعي من الشعب السوداني.
    عامه الشعب من الرججرجه والدهماء وهؤلاء لا يأبه لهم ولكن يستفاد منهم لأغراض تكبير الكوم كما انهم وقود جيده لمغامرات الانقاذ الحربيه.
    الذين يقولون ولا يفعلون او انهم يؤشرون يمين و ينعطفوا شمال لأغراض الخطاب الاعلامي ومثالهم امريكا والكثيرين من الانتهازيين بالداخل فهؤلاء من يجب مفاوتضهم لأغراض التسويات..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..