فرفرة مذبوح (بيان مك نموذجا)!!

بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية يجب التاكيد علي معاملة هذا البيان كصرخة اسلاموية يائسة، لشرذمة تنتحل صفة الجعليين. وقبل ذلك يجب معاملة كل مجرم او فاسد علي جرمه وفساده وليس علي قبيلته او منطقته او عرقه او عقيدته. وذلك لقطع الطريق علي الوقوع في فخ القبلية والعرقية والمناطقية، الذي تنصبه وتستثمر فيه الظلامية الاسلاموية.
اخرجت ما تسمي اللجنة المركزية لابناء الجعليين (مك) بيانا ينضح تهديدا ووعيدا وفخرا وتيها، ويعود بك مباشرة لمعلقة عمرو بن كلثوم في عصر الجاهلية الاولي. ولو ان عمرو واهله رغم ظروف عصرهم، لم يلغوا في دماء واموال وحرمات اعداءهم، كما ولغ من يسميهم البيان بابناءهم المسجونين، في دماء واموال وحرمات السودانيين!
والبيان بالطبع ينضح مغالطات لاعادة سيناريو دور الضحية، في تصوير وضعية هؤلاء المسجونين في سجون النظام الجديد! وذلك لانه من ناحية، قد يغييب حقيقة جرائم وفساد هؤلاء المسجونين المعلومة للقاصي والداني! ومن ناحية، لقطع الطريق علي فتح ملفات بقية المجرمين والفسدة، الذين يمرحون طلقاء خارج السجون، وينعمون بما نهبوه من مال عام، وما اقترفوه من جرائم يشيب لها الولدان دون محاسبة. اي كل المقصود من هذه الزوبعة، حرف القضية عن محاكمة نظام بكافة رموزه ومشاركيه، الذين طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد، الي مجرد تعدٍ علي حقوق متهمين دون محاكمة. من علمانيين حاقدين وحكومة تتستر علي فشلها في اداء مهامها. ولكن ما لم يفطن اليه كتبة البيان، ان هذا البيان يشكل دليل ادانة لكتبته قبل غيرهم. وذلك لعدة اسباب منها:
اولا، كالعادة تصدرت البيان مجموعة من الآيات القرآنية. وهذا التصدير بالطبع ليس عملية اعتباطية خصوصا عندما يصدر عن الاسلامويين. وذلك بسبب اعتقاد فاسد اورد بلادنا موارد الهلاك، وهو ان مجرد رفع شعار الاسلام، يشكل مبرر كافٍ لعدالة قضيتهم، بل ومصادرة كافة حقوق الغير. والحالة هذه، الدين يلعب دور الآلية النفسية/العصابية التي تستحل كل الافعال والاقوال. ولذلك لا يشعر الاسلامويون بحجم التناقض بين الآيات والشعارات الدينية التي يرفعونها، ولكنهم في ذات الوقت يعملون بهمة ضدها و يصرون علي انتهاكها! ولذا عندما يفرطون في الظلم يتحدثون عن ان الله لا يحب الظلم والظالمين، وعندما يتورطون في السرقة والنهب، يتحدثون عن، ان الاسلام ينهي عن اكل اموال الناس بالباطل! وباختصار يعاد انتاج الدين وشعاراته ومقولاته لتتناسب ومصالح الاسلامويين الدينيوية! وذلك ليس لان الاسلامويين سيئين فقط، ولكن لقابلية الدين نفسه لاعادة الانتاج. وهو ما يجعلنا نتمسك بقضية ابعاد الدين من الفضاء العام، كفضاء مشترك لكل المواطنين. واهمية تحرير الفضاء العام من سطوة الدين، تتعدي ذلك، لوضع المسؤولية علي عاتق الفاعلين في الشان العام، وهذا بدوره يضبط هذه الافعال ويمنع تجاوزها. وهذا الامر نفسه ينطبق علي الايديولوجيات او العقائد الوضعية.
ثانيا، تحدث البيان عن انهم لا يرضون الضيم لانفسهم او لغيرهم! لكن السؤال الذي يفرض نفسه والحال هذه، ما معني الضيم لديهم؟ وماذا يسمون من وصل الي السلطة عبر انقلاب، وصادر الدولة واستباح مواردها وجعل اعزة اهلها اذلة؟ واين كان كتبة البيان طوال الثلاثة عقود الاخيرة، التي لم يشهد لها التاريخ مثيل في النهب والسلب والانتهاكات لكافة حقوق المواطنين، لدرجة وصلت للتعذيب الوحشي في اقبية جهاز الامن، والابادة الجماعية في الاطراف؟ واين كان هؤلاء عندما تحولت حرب الجنوب لحرب دينية، تبيح للاسلاميين استخدام كافة الوسائل والمبررات، للانتصار علي اخواننا في جنوب السودان؟
ثالثا، البيان يكرر مفردة الظلم وعاقبة الظالمين، وكأن كثرة البكاء والعويل لها القدرة علي قلب الحقائق، وتحويل الجناة الي ضحيا والضحايا الي جناة. وعموما هذا ليس بغريب علي هذا البيان، لان ذلك ديدن الاسلامويين بعد خروجهم من السلطة. حيث يتحولون بقدرة قادر او بين غمضة عين وانتباهتها، الي منظرين سياسيين وخبراء اقتصاديين ومصلحين اجتماعيين ورجال اعمال وطنيين واعلاميين ناصحين، بل عندما تسمع لاحدهم، تشعر وكأنك امام مناضل عتيد، قضي عمره يكابد جحيم الهجرة او مر الاعتقال، وهو يعارض حكومة الانقاذ. وهذه واحدة من عيوب الاسلامويين الذين يدمنون الهروب من تحمل مسؤولية اقوالهم وافعالهم، بالقاءها علي الغير! وهذا بالطبع سلوك لا يدل علي الجبن ونقص المروءة فقط، ولكنه يشكل ايضا حيلة مفضوحة للتهرب من المساءلة، التي تنتظرهما علي كافة المستويات، الجنائية والسياسية والقيمية؟
رابعا، ما ينضح به البيان من تهديد مبطن، كسمة لجاهلية البيان بصفة عامة، يعكس حالة الافلاس التي يعيشها الاسلامويون، وهم يخضعون لاوهام اعادة انتاج سياسة الابتزاز التي برعوا فيها، ليصل بهم الحال مرحلة التهديد الاجوف، الذي يستعيض عن العجز بكثرة الصراخ او جهاد الحلاقيم الكبيرة ودبابين اللغة الجاهلية.
خامسا، اما حكاية البكاء علي النساء، والضرب علي هذا الوتر الحساس، فهو يشير لكم التناقض واللجوء لكل الوسائل بما فيها الضرب تحت الحزام، لتمرير قضيتهم الخاسرة. كما ان مظلمة اي طرف وان كانت حقيقية ولها جذورها التاريخية، لا تبيح له التورط في الجرم او الفساد. وهذا غير ان النساء في بلادنا واحتمال في بلاد غيرنا، لم يتعرضن للاذلال واهانة الكرامة، كما تعرضن لها في عصر الانقاذ الظلامي! الذي فصل لهن قوانين خاصة، تترصد اجسادهن وتتشكك في اخلاقهن! وليس مصادفة والحالة هذه، ان تقاد الالاف منهن لساحة المحاكم سنويا، ويشهر بهن وباسرهن، وهذا ناهيك عن كم الابتزاز الذي يتعرضن له، وتجني من خلفه الثروات القذرة. و من زواية اخري، هل نساء المؤتمرالوطني او الجعليات اذا سرقن او أُشتبه فيهن يتركن، علي عكس نساء الهوامش والعلمانيات اللاتي يستباحن مثلا؟ وعموما هكذا وعي او بالاصح قصور في الوعي، يعكس كم الغرور والتعالي وكأن نساءهم ورجالهم وابناءهم، لهم اوضاع خاصة داخل الدولة. وهذا ليس بغريب علي منظومة خاوية ترفع شعارات مقدسة، لتخفي انحرافات نفسية وتشوهات وجدانية وشره غريب لتلبية مطالب خليط من الشهوات الجنسية والتسلطية والغرائز البدائية.
سادسا، محاولة البيان تصوير المسألة وكأنها صراع بين المجرمين القابعين في السجون، وحكومة حمدوك وقوي التغيير. يمثل حيلة صغيرة وتزوير مردود عليه، لانه يصور المسألة وكان المكون المدني هو صاحب القول الفصل، وهذا غير صحيح! لانه لو صح ذلك لما احتجنا لهذا البيان اصلا، ولتمت المحاكمة لهؤلاء المجرمين ولغيرهم منذ ايام الثورة الاولي. وذلك ليس بسبب ارجاع الحق لاصحابه ورد الاعتبار للدولة وبقية الشعب، كخط فاصل لنجاح الثورة، ولكن ايضا لحماية الثورة من غدر الدول العميقة، وهو ما تاكد مع مرور الايام. ولكننا نعلم ان الثورة فرض عليها ان لا تكمل دورتها لتصبح بدرا! لانه لو تم ذلك، لكان فيه ضربة لتوازنات سياسية واقتصادية واجتماعية متوارثة داخليا، وتقديم نموذج ديمقراطي جاذب اقليميا. وليس مصادفة ان جزء من عداء الثورة، وجد مدخله في تاخير تكوين مفوضية اصلاح القضاء، لتنقيح وتعديل القوانين لتستوعب جرائم بهذا القدر من الضخامة، ولقطع الطريق امام تكرارها، والاهم لبعث الارادة في الهيئة القضائية للقيام بمهامها المنوطة بها. وكذلك في تاخير هذه المحاكمات، والاسوأ الانشغال بها او تجزئتها لمحاكمة بعض الافراد والقضايا، عوضا عن المحاكمة الشاملة، بقدر الخراب الشامل الذي خلفه الاسلامويون، هو نفسه دليل علي ان الثورة ليس بخير، ان لم نقل ان هنالك من يسعي لعقد صفقات مع الكيزان من خلف الكواليس لحاجة في نفسه؟! وعموما لو كان هنالك من يحق له الشكوي من تاخير المحاكمات، لكان هم ضحيا هذا النظام الجائر لمدة ثلاث عقود، وما اكثرهم وما اشد حرقة حشاهم.
سابعا، اما اذا كان الغرض من هذا البيان ذر الرماد في العيون، لتصوير ان من داخل السجون ابرياء بدليل العجز عن محاكمتهم، او ان التشفي والانتقام هو شعار المرحلة، وليس شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة. فهذا كله لن ينطلي علي احد، لانه من ناحية، من هم داخل السجون ليس مجرمون فقط، بل هم يتحملون وزر تحطيم وطن وتشتيت وافقار واذلال اهله ورهن مستقبله للمجهول. ومن ناحية، من اجل انجاز شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة دفع الثوار ثمن غالٍ، وليس هنالك مبرر للتخلي عنها، إلا لمن يقايضها من اجل مصالح خاصة، سواء حزبية او مناطقية او منصبية. ومن ناحية، الاسلامويون اخذوا فرصتهم كاملة، وكانت عاقبتهم الخسران وسوء المصير! وعليه، اي دفاع عنهم حتي ولو من اسرهم، لن يخدمهم في شئ، بقدر ما ينتقص من قدر ومصداقية من يدافع عنهم. ومن ناحية، الدفاع عن فسدة مثل هؤلاء، يحمل شبهة دفاع عن شبكات مصالح طفيلية واجرامية، تتغذي من خراب الوطن وفقر مواطنيه.
ثامنا، اما الاعتذار في نهاية البيان عن لغته العنيفة فهذا من باب (الاضينة دقو واتعذرلو)، او هو من باب التقية لما قد يحدث ما لا يحمد عقباه، او كخط رجعة من عينة لم نقصد ما فهم منه! والسبب في ان هذا الاعتذار مجرد تضليل، ان البيان كنص ومعني قائم علي الارهاب، واذا اخرجنا منه كم التهديد والفخر والشعور باحساس من هو فوق الدولة والقانون، لم يتبقَ منه شئ. لكل ذلك هذا البيان يندرج ضمن مخططات الفلول التي اصبحت تتصاعد فيها لغة العنف، وتتخذ اسلوب التحدي، بقدر كم التراخي الذي تواجه به.
واخيرا، صحيح ان السودان يمر بظروف حساسة ويحتاج لتكاتف ابناءه، ولكن ما العمل مع من تسوءه جهود الاصلاح، وتسعده تعقد الازمات وبما فيها جائحة كوورنا، والاغرب من ذلك، هو من تسبب في كل هذا الخراب؟! والحال كذلك ليس امامنا الا ترديد لازمة الدكتور مرتضي الغالي (متعه الله بالصحة والعافية) التي يختم بها مقالاته، الله لا كسب الانقاذ. ودمتم في وطن يسعنا جميعا رغم انف الكيزان.
تنويه
رابط البيان (https://www.alnilin.com/13125
abdullahaliabdullah1424@gmail