مقالات سياسية

عذرًا، معلمي جنوب دارفور

نور الدين بريمة

(قُم للمعلّم وفّهِ التبْجيلا ،، كادَ المُعلمُ أن يكونَ رسولا … اعْلمتَ اشْرفَ أو اجلّ من الذّي ،، يبْني ويُنشئ أنفسًا وعُقولًا).

أستأذن أمير الشعراء، أحمد شوقي، وهو في مرقده السرمدي، أن أسْتهلّ كتابي اليوم، وما أجمله من إسْتهلالٍ أدبي بِذاكيْن البيْتيْن من الشِعْر، في ديوانه التُّحْفة:  (موسوعة الشعر العربي).

نَجزل شُكرنا له ولكل شُعرائنا ومعلّمينا، ومفكرينا، ولكل من أعطوا وآثرُوا على ذوَاتهم، وشُكرا كذلك للذين ربُّوا فينا قيم التدبّر والتعقّل، ويمتد شُكرنا لمن ظلوا يَعلُون من قيم الفضيلة، يساهمون بها في رتْق ما إنْفتَق من نسيج، وقضاء حوائج الناس، ومعالجة مشكلاتهم، دون منٍّ، أو رياءٍ، أو أذى.

ستظل تلك المعاني والقيم قِلادة شرفٍ على جبين الوطنيين المناضلين الشُرفاء، ولن تزيدنا إلا مِنعةً وقوة، نعبُر بها وعثاء الطريق، ونصنع منها بَلسمًا شافيًا لضيق الحياة وضنكها.

لم لا والمعلمون هم مِلْحُ الحياة، وصُنّاع مَجْدِها؟!، نرفع لهم الهامات والأكف، تحيةً وسلامًا، ثم إجلالًا وإكبارًا، ونقول: إنه ليس بالسهل سادتي الكِرام مُجازاتِكم إلا بالقدر الذي يحفظ إرادتكم وماء وجهكم .. إحترامًا وتقديرًا.

لنعمل جميعًا من أجل تحقيق الرفاه للناس أجمعين، سيما العاملون في القطاعين العام والخاص، بمن فيهم العاملون في التعليم، وتحقيق أهداف الثورة لهم جميعًا.

لست هنا بصدد الحديث، عن مَنْ الذي قدّم نضالًا أكثر من غيره، أو مَن هو الأحقّ بسَبْق شرف الثورة؟، لأنني أؤمن أنّ كل قطاعات الشعب لها إسهاماتها النضالية والثورية، وقدمت ما قدمت .. من التضحيات، وفقدت ما فقدت .. من الدماء والدموع، والكبد الرطب.

أعزائي معلمي ومربيي بلادي، لكم التحية والتجلة، لأنكم تدركون أن الشعب، يحفظ لكم تضحياتكم الجسام، ولا يَنكُرها إلا مُكابر، وحقًا صدق (اللي قال): ما ضاع حق وراءه مطالب، لكنّا نَلفِتُ الإنتباه، ونشير إلى أن ما بدر من بعض حاملي معاول الإستنارة، في جنوب دارفور، لعمري هو أشبه بالسلوك الكيزاني، أكثر من كونه سلوكًا ثوريًا، لأن الثورة علمتنا أن الناس سواسية في الحقوق، ولا تمييز بينهم، وألا نمُنّ على بعضنا، مهما كان ذلك.

بيْد أن الكيزان لا يحترمون الإنسانية والآدميّة، وظلوا يُمايزون بينها، ويفتتونها على أسس: الكم، والجهة، والعِرْق، والنوع، واللون، وبالطبع فإن طريقة: أنتم الأعلون شأنًا، والأكثرون عددًا، والأفضلون نقاءً، هي التي قسّمت العباد إربًا إربًا، وبالتالي ما زالت تلك المعاني السالبة، هي صاحبة الريادة في نيل الحقوق، دون سِواها.

كيف بالله عليكم أن ترضوا بالذلّة والمسكنة، وتبُوؤُوا بغضبٍ من الشعب!، وأنتم تُمثلون الطليعة، فكان الأجدر لكم إدارة قضية السكر، وما أدراك ما السكر!، بأفقٍ أوسع، وبصيرةٍ ألمع، وتُعبّروا عنها بقدر وعيكم وبصيرتكم، وتدعوا حقًّا إلى القيم والمعاني.

(سكر سكر .. أحلى نغم في منظر) .. السكر مهما كانت حلاوة طعمه وأهميته في الحياة، ينبغي ألا يَعمينا عن القيم، فالسكر الذي لا تتجاوز كميته الأربعين الفًا من الجوالات، زنة الخمسين كيلو، للولاية، ليس بالكافي، لولايةٍ، نسَمتُها السُكانية تقارب الخمسة مليون، وهذا هو الظلم نفسه والأشد مضاضة، من ذوي القربى، نُحمّلُه للقائمين على أمر السكر بالمركز، الذين لم يراعو عدالة التوزيع، وأن تكون الكثافة السكانية معيارًا في ذلك.

ومن حقّ معلمينا وكل قطاعاة شعبنا، أن تطالب بهذا الحق وبالكمية الكافية، حتي تتحقق العدالة، بيننا جميعًا، بمن فينا العاملون في الدولة، والذين يصل عددهم في الولاية، الثماني وعشرون ألفًا ونيف، في الوقت الذي تصل فيه محليات الولاية إلى الواحد وعشرون.

وما يُؤسف له حقًّا، أن تلك الطليعة من المعلمين، أرادت أن تستأثر على منسوبيها السكر، عندما دفعت بخطابها لإدارة التجارة والتموين بوزارة المالية الولائية، طالبت فيه بجوال سكر لكل معلم، وأعلنت عن رفضها التام للقسمة التي إرتأتها حكومة الولاية، بمقدار: نصف جوال لكل عامل، على أن يتم توزيع ما تبقى من السكر لكل المحليات، وفقًا لكثافتها السكانية، وليس حِكرًا على العاملين فقط، دون سواهم، أو دون النظر إلى بقية شرائح المجتمع المكتوية بنيران الغلاء المعيشي، وقطعًا إنها حُجة منطقية لمن أراد أن يعتبر .. من أولي النهى والألباب.

تعاطت بنرجسيّة قلّ أن تُوصف، ونسيت أنها – أيْ طليعة المعلمين- التي علمتنا الإيثار على النفس ولو كان بها خصاصة، أن تنتبه لذلك، وكان من الأولى لها أن تكون هي الطليعة مظهرًا ومعنى وسلوكًا- أي أن- تتقدم صفوف الإيثار، بل ويمكن لها أن تذهب أكثر من ذلك، لتتنازل عن حصتها للغير، إن هي حقًا تنشد القيم، وتود دفع الظلم عن الضعفاء والمسحوقين.

نسأل ببراءة .. أليس من باب أولى أن تجعل تلك الثلة ما علمتنا إيّاه .. سُلوكًا يمشي بينها، قبل مطالبتنا بتطبيقه، لنُحِيلها إذًا إلى شاعر الأدب، ابُو أسود الدّؤلي الذي حذّرنا من مغبة العار، قائلًا: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله ،، عارٌ عليك إذا فعلت عظيم … أتأتي بالدواء وأنت أولى بالدواء ،، وتعالج المرضى وأنت سقيم)، لذلك من باب أولى أن نعالج الأنفس السقيمة بالشح، والواجب وقوفنا مع الذين ليست لهم القدرة على نزع الحقوق، وتعزيز قيمة إزكاء روح التكافل، وضرورة التفكير خارج إطار الصندوق، من خلال تعاطينا مع قضايا العباد بالرويّة والتُؤدة.

لكن الناظر إلى الطريقة التي أدارت بها الطليعة ملف السكر، يُنبؤُ عن إنكفائها على نفسها، دون النظر إلى ذوي العوز والمحتاجين، في الأسر والأهل، من بقية رهط القوم، وهذا ما لم نكن نتوقعه من إخوة أعزاء، ما زلنا نتعشم فيهم الخير الكثير.

 نور الدين بريمة
[email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..