مقالات سياسية

يا أهل الدراما، و مراسلي الفضائيات.. رفقاً بصورة بلدكم

د. مبارك مجذوب الشريف

من محاسن ثورة الاتصالات الحديثة أنها منحتنا الفرصة لإبراز شخصيتنا للآخرين، لن اقول شخصيتنا المتفردة أو المتميزة وما الي ذلك من هذه الصفات؛ فكل قوم في هذا العالم الفسيح لا يرون في انفسهم إلا التفرد والتميز، والموضوع ليس اكثر من صفة بشرية تلازم البشر حيثما وجدوا، فهناك من يرى انه شعب الله المختار وهناك من يحدثك عن حضارة عمرها سبعة آلاف سنة، والاغريق كانوا يرون أنهم أهل الحضارة وباقي الشعوب (برابرة). وهكذا، وقد يكون التميز في مجال ما بحق، واحيانا مجرد وهم كبير.

ثورة الاتصالات وتعدد منصات الارسال والاستقبال الفكرية والاجتماعية والفنية  جعلتنا على اتصال مباشر مع الجمهور المستهدف، وقللت هذه الثورة من أهمية ذلك الوسيط الذي سيطر على الإعلام العربي فترة طويلة وهو الإعلام المصري، ولكن من باب الإنصاف ومع مآخذنا العديدة عليه إلا أن هذا الوسيط ساهم في صنع بعض نجومنا، فلولا رجاء النقاش ما عرف الناس الطيب صالح، ولولا الإذاعات المصرية ما عرف الناس سيد خليفة، ولولا أم كلثوم ربما لن يسمع العالم العربي بشاعر اسمه الهادي آدم.

الآن وقد اصبحنا في الواجهة المباشرة هل سنحسن استغلال هذه الأدوات الجديدة؟ أم أننا سنلقي اللوم على الآخرين من باب العجز والقصور!

قد يكون من المبكر الحكم على مدى الاستفادة من هذا (التحرر الإعلامي) إن صح التعبير، ومحاولاتنا استغلاله لإبراز شخصيتنا (المتميزة والمتفردة) أن صح التعبير ايضاً. واستطيع القول ولكن عبر نافذة غير موثوق بها وهي نافذة الانطباعات الشخصية، والتي لا تستند لأي مسح علمي او دراسة محكمة، والمبنية على التجوال في صفحات اليوتيوب والتويتر، وما يصل من رسائل في الواتساب، ومتابعات الفيس بوك، ان استقبال الجمهور المستهدف لما ننتجه وهو الجمهور العربي بحكم أننا ننتمى له ثقافياً بعامل اللغة ليس عدوانيا،. فهو يستقبل ما ننتج بترحاب معقول. 

  إذن هناك فرصة متاحة سنكون نحن ابطالها لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة عن السودان وعن المواطن السوداني وعبر بث (مباشر) دون وسيط ويمكن من خلال هذه الفرصة ابراز صورة جيدة نقدمها نحن عنا، بكل مكوناتنا، وبكل ثقافتنا للآخرين.

 هذه الفرصة المتاحة يمكن استثمارها أيضاً في صد بعض الهجمات التي تتطوع بعض الوجوه الفنية أو الإعلامية العربية غير المنضبطة بالقيام بها من حين لآخر دون مبرر معقول ضد المواطن السوداني، وتحمل في معظم الحالات عنوانا يتيماً وهو اتهامه بالكسل، وفي حالات أخرى توجيه السهام للون البشرة، وقد تكفل بعض الناشطين الإعلاميين السودانيين وعبر اجتهادات فردية، بحمل لواء الدفاع عن المواطن السوداني وثقافته؛ وشهدنا لهم جولات موفقة ارغمت الخصم على تقديم الاعتذار ورفع الراية البيضاء. وهي هجمات نتوقع انحسارها مستقبلاً، متى ما ادرك هؤلاء الخصوم ان هناك الكثير من الأنياب الحادة والأظافر ستكون بانتظارهم، وان الأمور ليست بتلك البساطة التي سولت بها لهم نفوسهم، وأن بمقدور الطرف المعتدى عليه كيل الصاع صاعين لهم ولغيرهم.

لكن بالمقابل هناك من بني جلدتنا من يصر على تقديم صورة بائسة لبلاده ودون ان يتسلح بالوعي الكافي المطلوب لتقديم الصورة المعقولة، فيتصيد مناطق القبح ويفر من مناطق الجمال. وسنقدم هنا بعض النماذج، ومن ذلك ما يفعله بعض مراسلي القنوات الفضائية والفريق العامل معهم، فمنهم من لا يكترث لخلفية الصورة؛ فنجده قد نصب لواء كاميرته وشحذ سيف الحديث، وتكون المفاجأة أن هذا التقرير المصور بُث من ضفاف خور للصرف الصحي، وأن الخور المسكين الذي هوجم في عقر داره؛ ربما لم يُصَرِّف أي شيء منذ ذلك اليوم الذي رفعنا فيه راية استقلالنا. وإذا ابتعدنا عن الخيران وما تحويه؛ وجدنا مراسلاً آخر راق له ارسال تقريره متجاهلاً أن كوماً من القمامة يقبع خلفه…قد يقول قائل هذا هو الواقع فلم الفرار منه؟ والجواب ولم الإصرار على القبح وتجاهل مكامن الجمال؟

    والنموذج الثاني ما تسهم قبيلة اهل الدراما عندنا؛ رغم اجتهاداتها؛ في ترسيخ تلك الصورة النمطية الكسولة الشائعة عنا، فأبطالها يحبون الاتكاء على الأسرة، ونشتط في القول بأنه يكاد لا يخلو عمل مصور من مشهد رجل (منسدح) على سرير أو عنقريب، يتبادل الحديث مع منسدح آخر مثله، وكأن شعبنا الأبي لا يجيد الحوار إلا من جوف سرير، ويمكن مقارنة ذلك بالدراما المصرية، فالأعمال الدرامية المصرية لا تصور مشهداً على سرير إلا أن يكون الشخص مريضاً او مصاباً بكسر أو نائماً أو كان المشهد غرامياً، والمشاهد تٌظهر المريض أو النائم وقد احتل السرير بأكمله ولا مجال في هذه الدراما للمتكئين، ولا مجال ايضاً ولا عزاء للمخدات عندهم ولا يحتفون بها كما نفعل؛ ولا تظهر في مشاهدهم إلا عندما تحتضنها فتاة (فاقدة حنان)، لم تجد من تناجيه ومن تبثه همومها سوى المخدة.

ولا تكتفي الدراما السودانية بمشاهد (الانسداح) السريري، بل اتجهت لظلال النيم، أو حيثما كان هناك ظل، تنقل لنا مشاهد قوم مسترخين، وكأن هؤلاء القوم قد استرخوا (تحت ظلال الزيزفون) في المانيا، ومخرجو هذا الدراما يعتقدون انهم يقدمون الواقع، بينما هم يخلطون بين العمل التوثيقي وبين العمل الدرامي، ويتجاهلون واجب تقديم نفسك للآخرين بصورة مناسبة، ويتناسون أن هؤلاء الآخرين يكونون فكرتهم عنك وعن بلدك بما تقدمه يداك لهم؛ وبما تصوره لهم من لقطات، ومن ثم تتجمع مفردات صورتك النمطية في ذاكرتهم ووعيهم ولاوعيهم من خلال هذه المشاهد، فإن كان القلم في يدك فلم تكتب نفسك شقي؟

 ونموذج ثالث لنقطة ضعف هو ما يقوم به بعض مسؤولينا عندما تجري القنوات العربية المشهورة لقاءاً أو حواراً مع أحدهم، أو يستضاف لإبداء رأيه وتقييمه لقضية ما، فهذا الُمستضاف (يسل روحك) بعدم اجادته لفن الكلام والحديث المرتب؛ فتجده (يتعتع) ويتلعثم وهو يحاول امتطاء صهوة الفصحى فيزل، مع إجادته للكتابة الفصيحة بلغة سليمة، وهي مشكلة اتمنى ايجاد حل لها بإحياء ما درس من الجمعيات الأدبية في المدارس، وقد كان لفن الخطابة قدح معلى فيها. وكان للخطيب السوداني صولات وجولات في اروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمؤتمرات واللقاءات العربية، وما زمن المحجوب ومبارك زروق وغيرهم ببعيد.

والحل السهل والذي يمكن اللجوء إليه اضطراراً في لقاءات القنوات الفضائية هو خلط العامية بالفصحى، وهو الذي يلجأ إليه المصريون وغيرهم من العرب، ويمكن ملاحظة ان معظم المتحدثين المصريين سواء كانوا مسؤولين او مثقفين او فنانين لا يتكلفون التحدث بالفصحى ولا يركب وعرها منهم إلا من يأنس في نفسه الكفاءة، فينطلق لسانهم بهذه العامية المخلوطة بالفصحى بصورة سلسة تجعل مقدم البرنامج في حالة تأهب وعينه على عقرب الثواني لإيقاف تدفق الكلام. فتقفز لذهنك مقارنة بين سيارة تسير في طريق مسفلت معبد؛ ولوري قديم تزمجر ماكينته في طريق ترابي.

ختاما ما تقدم من نماذج هي مجرد انطباعات شخصية كما اسلفنا، يعوزها التدقيق، وقد يختلف معي البعض فيها وقد يتفق فيها معي آخرون، لكنها تشير إلى أهمية وجود الجهد المنظم لإبراز الوجه المشرق لبلادنا بعيدا عن السذاجة والغفلة، واستغلال ما اتاحته التكنولوجيا من وسائل اتصال، فنقدم بذلك ما لدينا من حضارة وفن وأدب وعادات اجتماعية بصورة جميلة، ونحن الذين كنا نشكو لعقود من الظلم الواقع علينا بتجاهل حضارتنا وثقافتنا من قبل الآخرين. نحن الآن والعالم وجهاً لوجه ودون وسطاء فماذا نحن فاعلون؟

د. مبارك مجذوب الشريف
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. شكرا على هذه الانتباهة المهمة بخصوص تقديم وطننا السودان بصورة أفضل خاصة أننا منذ عام في قلب الأضواء بسبب ثورة ديسمبر المجيدة وأعتقد أن الأضواء لن تنحسر عنا قريبا بعد جايحة كورونا التي جعلت البلدان تنكفيء على تفسها وهي تبحث عن الغذاء… وقد راينا هذه الايام بعض جيران السودان بدأوا في استيراد منتجاته بعد سنين طويلة من التجاهل …اصح يا ترس ..أنت في مواجهة الكاميرا…

  2. تلفزيون السودان وكأنه تلفزيون داعش كل المذيعات محجبات. الغريبة أنهن ينزعن الحجاب فور خروجهن من الاستديو.

  3. صدقت والله والبفقع المرارة الانسداحة فى الكراسي للمسؤلين وضيوف البرامج التلفزيونية اثناء اللقاء على الاقل مفروض يشدوا حيلهم شوية واقعدوا صاح على الكراسي لحظة الكميرا والتصوير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..