اضحكوا ففي الضحك “راحة”

جعفر عباس
عندما كنت مدرسا في “الخرطوم بحري الثانوية”، كان من عادتي عدم السماح بدخول طالب إلى حجرة الدراسة بعد مضي خمس دقائق على بداية الحصة، وذات يوم جاء طالب بعد بداية الحصة بعشرين دقيقة طالبا الإذن بالدخول، فقلت له: نو واي، لأنه تأخر لعشرين دقيقة، فإذا به يصيح: أنا في الحقيقة متأخر 3 ساعات. فقلت له: في الحالة دي ارجع بيتكم، فقال منفعلا: طلعت من بيتنا 5 صباحا وأبوي وصلني بالحمار لغاية خط اللواري، ومن لوري للوري لبصات الحاج يوسف، ومن موقف الحاج يوسف إلى المدرسة كداري. تقول لي “ارجع”؟ أنت ما نصيح؟
وطوال هذا الموال كان الطلاب يجلسون صامتين تماما، ثم تفجرت الأوضاع بانفجاري ضاحكا، ثم انتقلت العدوى الى الطلاب، وتفجرت الضحكات، وخرج المدرسون من بقية الفصول وعلى وجوه بعضهم الاستياء بسبب “الإزعاج” وتحول الاستياء إلى دهشة عندما انتبهوا إلى أنني بندر شاه الجالس في مركز الفوضى، ومايسترو الضحك الهستيري
لم يكن مألوفا أن يتفوه طالب بأي كلمة مسيئة أمام المدرسين، ولهذا كان طالب ما محقا عندما هتف “والليلة”، وهي كما نعلم كلمة تعني في السودان أن هناك عواقب وخيمة لفعل أو قول ما، وضحكت عندما تساءل الطالب عن مدى سلامة قواي العقلية، لأنني أدركت أنني مارست درجة من الغطرسة الإدارية عندما رفضت السماح له بدخول غرفة الدراسة غير مدرك لحجم معاناته كي يصل إلى المدرسة، ولأن عبارة “أنت ما نصيح؟” خرجت من فمه بعفوية أهلنا الطيبين؛ لاحقا سألني زميلي الراحل الاستاذ الصادق سعد، ونحن مجموعة من المدرسين نجلس تحت شجر ظليل في فناء المدرسة، عن سبب قهقهتي المُعدية، فسردت عليه ما حصل فقال: صحيح مجنون –
اضحكوا في هذا الزمن العبوس كي لا تصدأ النفوس، وهناك حديث شريف صحيح يحضنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم على الترويح عن النفس والغير بالضحك والابتسام، فالضحك هو أقصر مسافة بين شخصين، فلو التقيت بشخص لأول مرة، ووجدته فكِهاً ضحوكا، فإنك ستحرص على التعرف عليه، وهكذا فإن النكتة / الطرفة الذكية، وحسن استقبالها، يجعلها جسر مودة، وكان كثير من معارفي في الخرطوم بحري يتعجبون لأن حلاقا في السوق يحمل اسم “أبو الهول”، واسمه الحقيقي محمد ادريس، كان من أقرب الناس الى قلبي، ويقولون “أنت زول مثقف، لماذا تجلس أمام دكان حلاق وتضحك على قارعة الطريق؟”، وكان ردي بما معناه: وهل هناك ما هو أمتع من هذا؟ ثم من خولكم تلبيسي لقبا (مثقف)، يتطلب في تقديركم حرماني من مجالسة أحد أظرف خلق الله؟
ولم يحدث قط ان سمحت لأبو الهول أن يقص شعري، لأن الزبون الواحد كان يجلس عنده لنحو 3 ساعات ليحلق شعره زيرو/ صلعة، فلأن أبو الهول كان يعرف جميع سكان بحري تقريبا وهم يحبونه، فقد كان يربط الزبون بفوطة الحلاقة (ليضمن أنه لن يفرفر)، ثم يخرج الى الشارع: وينك يا أبو السيد.. أنا ما طالبك قروش.. ليه قاطع وشك مننا.. يا خالتي زينب ما تجي أقص ليك شعيراتك الطايرات ديل بدل ما يخلنك تشبهي صقر الجديان، والأطرف من كل ذلك أن أبو الهول الحلاق لم يكن يستخدم المشط أو يقص شعره إلا نحو مرتين في السنة
يللا خلونا نخصص اليوم للضحك الراقي فهاتوا ما عندكم من طرائف ومواقف حلوة