
خبير التنمية العالمية
لا مناص للسودان من التعامل مع مصر وإثيوبيا على حدِ سواء، انطلاقاً من استراتيجية اقتصادية تنموية تتكامل فيها المرايا النسبية لدول المنبع والمصب كافة. بيد أنه لا يخفي على الجارتين أن السودان في موقف تفاوضي ضعيف، إذا لم نقل أنه يعجز عن الارتكاز الذي يؤهله لاتخاذ موقف مبدئي في هذه الظروف الحرجة. يحتاج السودان لهدنة كي يتعافى ويستعيد أنفاسه. حتي يحدث ذلك، يجب أن لا تسعي الدولتان أو إحداهما على استغلال ضعفه أو الاستهتار بمصالح شعبه، فإن ذلك يؤثر على الأمن الاستراتيجي للمنطقة، ويجعل من الصعب – إذا لم نقل من المستحيل – التخطيط لمستقبل تنموي تهنأ فيه شعوب المنطقة كافة، وتتهيأ لكونفدرالية هي حلم الآباء المؤسسين من الأفارقة والعرب المستنيرين.
لا يخفى على أحدٍ أن السودان هذه الأيام تتناوشه اللوبيات كافة، أهمها اللوبي الإثيوبي الذي يستخدم نفوذه على الجهاز المدني، واللوبي المصري الذي يستخدم نفوذه على الجهاز العسكري. إن السياسيين في كل العالم، الرؤساء خاصة يعتمدون في قرارتهم على مستشارين متخصصين، أو يستعينون بمراكز بحثية سخرت مواردها البشرية والمالية – على مدي أعوام – لإعداد سياسات وتحديد خيارات، تجعل من السهل على القائد أو الرئيس التنفيذي، اتخاذ القرار استناداً على الأسس العلمية والموضوعية. هذا الأمر إنعدم في السودان لأسباب معلومة تمثلت في تشريد العصابة الإنقاذية للكوادر الوطنية، واتباعها لأوهام ايديولوجية، وتغليبها المصلحة التنظيمية (التي في الأغلب لا تنفصل عن المصلحة الشخصية) على المصلحة الوطنية. لا أتوقع أن يكون موقف الحكومة الحالية مختلفاً عن موقف الحكومات السابقة، التي كثيراً ما كانت تحدد مواقفها من القضايا الكبرى، انطلاقاً من مصلحتها الآنية لا من مصلحة الوطن.
كيف تقنع السلطة الحالية والتي جاءت بعد ثَورةٍ عظيمة كثورة ديسمبر المجيدة، بالصمت حيال قضايا حيوية مثل قضية سد النهضة، فيما تنصرف وتبذل جهودها في قضايا ثانوية؟ أخشي أن ينطوي صمتهم هذا على خداع، ومكر وخيانة، تتبدى في مزاعم جوفاء يختلقونها كل يوم، سرعان ما يكتشفها الشعب السوداني الأبي، ابتداءً برهن إرادة البلاد لجهات عديدة، مروراً بفض الإعتصام، ثم تخلي رئيس الوزراء عن صبغته الرسمية والذهاب بصفته الشخصية عند زيارته لكاودا، وإعطاءِ الإثيوبيين إذناً ببناء ميناء إثيوبي في بورتسودان، تقنين احتكار بعض الجوكية لذهب السودان، والقبول بتهريبه لدول خليجية، وإعطاء دول أجنبية مثل روسيا حق بناء قواعد عسكرية، والقبول بتفعيل البند السادس ووضع السودان تحت الوصاية الدولية، إلى آخره من المواقف المتسقة مع بعضها البعض، والمفارِقة للموقف الوطني المطلوب.
كان من واجب الحكومة الحالية تعيين مجالس استشارية عُليا من علماء مختصين لكل واحد من القضايا المهمة والعاجلة، سيما تلك التي تمس الأمن الاستراتيجي للبلاد، مثل سد النهضة. فقد ظللنا كمواطنين نتابع عن كثب الجهود المضنية التي بذلها علماء وخبراء، أضف إلى ذلك دعوةَ الفاعلين في المجتمع المدني، المعنيين منهم بهذا الأمر، والسياسيين البارعين الوطنيين، للتفاكر في هذا الأمر الحيوي، وفق معطيات الواقع وتحديات المستقبل. هذه الجهود حتما تُفضي إلي خيارات، يتبنّى بعضَها معالي السيد رئيس الوزراء، وفق ما يمليه عليه الراهن السياسي والعسكري. فالمسألة لا تخضع لأهواء وأمزجة شخصية، بل هي تقتضي وقفة وطنية، وبسالة فكرية وميدانية، تبدأ بتخصيص إذاعة تخاطب الشعب السوداني وشعوب بني شنقول بشكل أخص، من باب إطلاع الرأي العام وحثه على خوض معركة في الوقت المناسب، على سلطة محتلة، جائرة، وغاصبة، تأبى أن تثوب إلى صوت المنطق والحق.
لم يقبل الإثيوبيون بإعداد دراسة فنية عن السد، إلا عندما أوصى التقرير الذي أعدته جامعةMIT في عام 2014، بإعداد دراسة فنية أوكلت بعد تلكؤٍ من الإثيوبيين والذين اختاروا شركة فرنسية (EDF France) أقل كفاءة من الشركة الهولندية .. ورغم ذلك، رفضوا تقريرها الاستهلالي الذي أبدى ملاحظات على التصميم الأولي، وأوصى بعمل دراسة فنية متكاملة، سيما وأنّ الإثيوبيين قرروا تجاوز سعة السد التي حددها الأمريكيون في الستينات (1964)، ب 11 مليار متر مكعب. رغم كل المخاطر أقدم الإثيوبيون على بناء السد، دون أن يجدوا أي شركة تتعهد بالتأمين، نظراً للمخاطر الجمة التي تعتور هذا المنحى المتهور، بل إنَّ البنك الدولي رفض تمويل هذا المشروع، بسبب زيادة السعة.
يجب التنبيه إلى أنَّ الإثيوبيين شرعوا في بناء السد عام 2011 وهم بعدُ، لم ينتبهوا للإشكالات الفنية التي اعتورت التصميم والتنفيذ، الذي تشرف عليه شركة ساليني إمبر جيلو الإيطالية، والتي صحبت ممارستها في تنفيذ الخزانات في إيطاليا كثيرٌ من الإخفاقات، إلا من بعد ما أطلعتْهم سفارتُهم في الخرطوم على كتابات بروفسير قريش، الذي نوه إلي أن الطاقة المستخلصة لا تزيد عن 1639 ميغاوات، أي %33 من الطاقة الكامنة 6000 ميغاوات (15692 قيقاواتس) التي تضمنتها الدراسات، إلى جانب قصور آخر شاب التصميم الهندسي والجيولوجي الفني. إنَّ بناء سد النهضة، سيهدد حياة السودانيين، حال انهياره بفعل فاعل – ضربة عسكرية، أو بفعل العوامل الطبيعية، إذْ إنَّ قوة الاندفاع ستوصل الماء إلي الخرطوم في 9 ساعات، يغمر فيها العاصمة بعرض 15 كيلومتر على ضفتي النهر، مرتفعاً حتي يصل العمارة الكويتية، من باب التمثيل والتجسيد، الذي يُعين القارئ على تصور الكارثة التي إذا حلّت فلن تُحدثَ دماراً للخرطوم فقط، إنما تنذر باندثار حضارة وادي النيل بأكملها: كما ابتلع السد العالي جزءاً أصيلاً منها من قبل.
إنَّ اختصاصيي السدود من مهندسين وعلماء وخبراء، يكادون يؤكدون أنّ سداً بهذا الحجم (90 مليار متر مكعب، المعلن منها 74 مليار متر مكعب والتي تساوي 18 ضعف سعة خزان الرصيرص)، وبهذه الخصائص، لا يُمكن أن يصمد لأكثر من خمس سنوات (نسبة لأنه بُني في أرض بركانية هشة، كما بيّن بروفسير قريش)، سينهار بعدها أو قبلها بقليل، مُحدثاً انفجاراً لا يقل دماراً من ما قد تُخلفه قنبلة عنقودية حلّت بقوم وهم نيام. (يُقدِّرُ الخبراء دافعية هذا الفيضان، بتضعيف يبلغ قدره 120 ما بلغه فيضان 1988). من الغريب في الأمر، أننّا نري ما قد يتهددنا في القريب العاجل، بمعني أننا أيقاظ، ولا نسعي للتفكير بصورة منهجية ووفق خيارات موضوعية، فما زالت نخبنا السياسية تتحرك بمزاجية هي أشبه بالسبهللية، إذا لم نقل التؤاطو وعدم الوطنية. صدع الغيورون برأيهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.
إنَّ فقداننا لنصف الاراضي الزراعية التي ترتوي من نهر النيل الفيضي، – الذي يعتمد عليه الفقراءُ – بحجة زيادة الدورات الزراعية، واعتمادنا على التخزين خارج سيطرتنا (6.5 مليار متر مكعب)، مقارنة باعتمادنا على سعة تخزينية يمكن أن تُطَّور داخل أراضينا (70 مليار متر مكعب بالكلية إذا ما عمدنا على تطوير خزان الرصيري: 7.5، مروي: 12، وبحيرة النوبة: 50)، أمر يثير الغرابة، إن لم نقل الشفقة، على نخب لم يكن التخطيط يوماً من أولوياتها. إذ ظلت تناكف بعضها لعقود، ويتقاتل أفرادها على قضايا ثانوية، تأتي في مراتب دُنيا بالنسبة لكافة القضايا الاستراتيجية التي تهدد السودان. هذا؛ إذا اكتفت بالإهمال ولم تشترك في الفساد، أو تتاَمر جهرةً على مصالح بلدها، من مثل ترسيم الحدود، السياسة السكانية، التربية والتكوين، حماية الحياة البرية التي لا تقل أهمية عن الثروة المعدنية .. يشمل الشعب المرجانية البحرية، إحدى أكبر السمات الجاذبة للسياح، تسجيل الأراضي إعداد مشاريع ورصد ميزانيات لتشييد تُرع تقينا شرور الاحتقان المائي، إلى آخره. وها هي ذات النخب اليوم، تتلكأ في قضية مصيرية، ستتأثر بها حياة الأجيال، وقد تغير بيئتهم إلي الأبد.
إنَّ ضبابية موقف معالي رئيس الوزراء حمدوك وحكومته قد جعلت المصريين يعولون على العسكر في المجلس السيادي، أو قد تكون هذه سجيتهم في “حسم الأمور”. علماً أنّ “الحسم” ليس من الأمور التي يفضل استخدامها في أوقات تتطلب المرونة، المناورة، الاستعانة بمجموعات الضغط داخل المؤسسات الإقليمية والدولية. بمعنيً اَخر الدبلوماسية، التهديد المبطن، التباطؤ، التساهل (حتماً ليس التنازل) في بعض البنود إلي اَخره. من الحِيَل التي لا تُحوِجُ الدول إلي مواجهة عسكرية، وقد تعود بالضرر على كافة الأطراف. تقول بعض الجهات إنَّ إثيوبيا تعاملت بإيجابية، واستجابت لكافة موجهات اللجنة، بَيْد أنّه لا يوجد أي دليل على ذلك باستثناء التطمينات التي يقدمها وزير وزارة الري والموارد المائية. يتسم الأسلوب الحكومي السوداني بعدم العلمية وبغياب الشفافية؛ الأخطر إننا نلحظ عشوائية، مصدرها المزاجية الشخصية (أو السياسية)، وعدم المؤسسية، شأن كل الحكومات السودانية، وليس فقط الإنقاذ. وها هو السودان يتنقل بين خانتي الرفض غير الواقعي لانضمام إثيوبيا لاتفاقية 1959م، والقبول غير المبدئي لإعلان المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015م. يحتاج السودان لاستراتيجية ترتب خطواته، تحدد أولياته وتقنن كافة توجهاته انطلاقاً من مصالحه التي لا تتعارض بالضرورة مع مصالح الآخرين.
د. الوليد آدم مادبو
[email protected]
دكتور مادبو ما زال يصر علي ترديد دعاوي المصريين بان السودان دولة مصب!! والانهيار الوشيك لسد النهضه وغرق كل السودان ما عدا صحراء الرزيقات واهل الهامش ودي اضافة من عندي ليك يا دكتور حتي تعلو وجهك ابتسامة لان اهل الهامش لن يصيبهم مكروه بعد انهيار سد النهضه وكل الضحايا سيكونوا من المركز..
دكتور مادبو يتحين الفرص لمهاجمة حمدوك والحكومه الانتقاليه وقحت لانه اكثر خبرة ودراية في شوؤن الحوكمه وادارة الدوله كما يعتقد وهو غاضب لان قحت لم تختاره في الحكومه الانتقاليه وكان يحلم بان يكون رئيس الوزراء ..
لم يكتب دكتور مادبو اي مقال عن سد النهضه مم قبل. التزم الصمت المطبق طوال فترة حكم البشير وفجاءة وبدون مقدمات تولي ملف سد النهضه واصبح الخبير القانوني والمائي والزراعي.
يا تري الي اين ستكون وجهة دكتور مادبو المقبله وسعيه الدؤوب لافشال الفتره الانتقاليه ولقد اوحي بذلك في المقال اعلاه نعم انه البند السادس وضياع سيادة للسودان.
دكتور مادبو هذا نموذج للمتعلم الانتهازي … وقد حاول في السابق ابتزاز الصادق المهدي بوصفه من آل مادبو ويحمل دكتوراه ويجب أن يكون في مقدمة حزب الأمة وإلا سيضرب تحت الحزام فضربه أبناء الصادق فوق الحزام … والآن يحاول ابتزاز الحكومة الانتقالية فأما توزره وإلا سيكشف عوراتها التي يتوهمها هو … وهو هنا يلمح إلى منصب (مدير مجلس أعلى …) وهو بالمناسبة كان يلقب نفسه بخبير في الحوكمة والإدارة المحلية لكنه تحول أخيرا إلى خبير في التنمية الدولية وبما أنه أضاف (الدولية) إلى لقبه فيجب أن نصدقه
قول كاك …. ارجع شوف ماذا قال العالم المصري فاروق الباز عن امان السد و تعال اتحدث عن هشاشة اسد ومن قبله ماذا قال الخبير والمستشار القانوني سلمان محمد احمد سلمان حيث انه اكثر سوداني ملم بتفاصيل السدود حول العالم ومشترك في عدة دوريات تصدر بشان السدود وله علاقات واسعة مع اكبر الشركات العاملة في مجال السدود ومستشار سابق لدي البنك الدولي في نزاعات المياه
دعاية رخيصة من هذا المعلق لشخص رخيص دنيء حاقد وحاسد وعنصري توصل إلى ما وصل إليه بهذه الصفات البعيدة كل البعد عن صفات العلماء! من قال لك إنه أكثر سوداني ملف بتفاصيل السدود ونحن نتكلم عن تفاصيل هندسية
قال د. مادبو ان اخثصاصى السدود من مهندسين وخبراء يؤكدون ان سدا بهذا الحجم من السعه التخزينيه(70 مليار متر مكعب ) لايمكن ان يصمد وسينهار حالما يبدأ الاثيوبيين عملية ملء البحيره. طبعا يا جماعه انا ما عارف كاتب المقال جامل الدكتوراه فى اى فرع بس مؤكد هو ما مهندس لان نظرىة الانشأءات الاساسيه قامت على وضع فرضيات تصميميه تمنع حدوث الانهيار وذلك بعد الاخذ فى الاعتبار القوى التى تؤثر على جسم المنشأه المراد تصميمها بل وتؤحذ هذه القيم ويضاف اليها معامل السلامه والذى يؤخذ بعنايه وتقدير كى يغطى المفاجات الغير منظوره لكى يصل المصمم درجة الاطمئنان.
يهب التصميم الى مهندس اخر لمراجعته ومن ثم اعتماده.
فى مرحلة العطاءات يقوم المقاولين بمراجعة ورفع ملاحظاتهم للاستشارى وذلك لان المقاول الفائز لابد ان يتاكد من صحة التصميم لكى يستطيع الائفاء بفترة الضمان المنصوص عليها فى العقد حتى يسترد مبلغ الضمان المحجوز .
مشكله السودان كما ظللت اردد دايما هم اشباه المتعلمين الذين ينظرون الي مصالحهم الضيقه كل الموضوع هو هجوم علي حمدوك و حكومته و اذا عرف السبب بطل العجب