
كل الشعب السودانى يشاهد الانفلات المريع و السريع فى اسعار السلع ، والانخفاض فى قوة الجنية السودانى الشرائية ، لقد نصحنا السيد وزير مالية الثورة السودانية فى كثير من المقالات ، بالابتعاد عن المجربات فى السياسات الاقتصادية السودانية ، وخاصة فيما يتعلق بشروط صندوق النقد الدولى المجربة فى كثير من دول العالم الثالث وباءت بالفشل الذريع !!!
يقول الدكتور محمد دويدار فى كتابه مبادئ الاقتصاد السياسى و الذى يعنى بسياسة الانتاج (ص8) ( لا توجد نظرية إقتصادية تفسر النشاط الاقتصادى لكل المجتمعات ولكل الازمنة ـ وذلك لإختلاف الشكل الاجتماعى وقوى الانتاج المستخدمة فى النشاط الاقتصادى من مجتمع لآخر ومن فترة تاريخية لآخرى ، إبتداء من هذه الفكرة نفرق بين مجموعة النظريات الاقتصادية المتعلقة بالاقتصاد الراسمالى ومجموعة النظريات الاقتصادية الخاصة بالاقتصاد الاشتراكى .)!!
ويقول الدكتور حازم الببلاوى فى كتابة الرائع (دور الدولة فى الاقتصاد )(ص15)( وهكذا فنحن هنا – كما فى معظم القضايا الفكرية نناقش واحدة من هذه القضايا القديمة و الحديثة معا و التى ستستمر تطرح دوما من زوايا مختلفة لتلاقى متطلبات العصر .كل هذا يؤكد نسبية الاحكام ، و إن ما يصلح لزمن قد لا يكون مطلوبا فى زمن آخر ـ و إنما كان مرجوحا لظروف معينة قد يصبح أكثر ترجيحا فى ظروف آخرى ، لذا فإنه ليس من الغريب أن نجد العديد من الحجج التى تتأثر فى تأييد هذا الاتجاة أو ذاك ، لا تطرح جديدا لم يكن معروفا و إنما الجديد هو فى مقابلة هذه الحجج بنتائج التجربة و الخبرات المتراكمة ).
ويستطرد الدكتور حازم الببلاوى (ص16) ويقول (لذلك فإنه من الطبيعى أن نتوقع إن ما تنتهى إليه مثل هذه المناقشات ليس أكثر من محاولات مستمرة قابلة للتعديل و التغيير فى ضوء تغير الظروف و بالتالى المتطلبات ، و ليس من المطلوب أو المقبول أن تنتهى بإحكام قطعية تغلق باب الاجتهاد.وفى هذه رحمة للعالمين ، فليس أخطر على المجتمعات وتقدمها من حصرها فى عدد محدود من الافكار و القوالب الجامدة و الإعتقاد أننا قد بلغنا – أخيرا – غاية الحكمة و الكمال ، و أقصى ما يمكن أن نصبو إليه هو المحاولة فى سبيل علاج أوجه ظاهرة القصور مع الاعتراف بأن أوجها آخرى سوف تطل علينا ، بالضرورة ، مما يقتضى إعادة النظر و إجراء مزيد من التعديل و التبديل ، فلن نصل أبدا الى الحل النهائى أو القول الفصل فى الموضوع فالمدينة الفاضلة أو اليوتوبيا وهم سخيف وعادة ما كانت ستارا لاشد أنواع الاستبداد و التخلف)
يقودنا هذا الحديث وما يؤكده هؤلاء العلماء و كثير من علماء الإقتصاد بعدم وجود قوانين او معايير إقتصادية تصلح مع كل الدول ، فخصوصية كل دولة تغنى عن الاخرى ، ولذلك كان لزاما على من يقود سفينة الاقتصاد فى أى دولة من الدول العالم أن يضع الخطط و البرامج و الابتكارات حسب المعطيات و الموارد الموجودة فى الدولة والتى تقود الى التنمية المستدامة وأن يستصحب معه الخبرات التراكمية و السياسات التى مرت على الاقتصاد فى جميع الحقب حتى يستشف منها الصالح من الطالح !!!ومن خلال ذلك يمكن وضع إقتصاد الدولة و المجتمع فى الطريق الصحيح !!! أما أن يصر السيد وزير المالية وينظر الى من حوله بالدونية والاستخفاف بآراء أصحاب التجارب ، نقول له فوق كل ذى علم عليم ، ويضع سره فى أضعف خلقه !!!
السيد وزير مالية الثورة أقنع كثير من الشباب الذين يكتبون فى وسائل التواصل الاجتماعى ، بأهمية رفع الدعم عن المحروقات و الخبز وربما تكون هذه ضربة البداية لشروط صندوق النقد الدولى المعروفة والتى على ما أظن سوف تأتى تباعا و على مراحل ممنهجة كما فعل فى نظرية البنزين التجارى التى صارت و أقعا مفروضا سوف ينسحب ذلك أيضا على قطاع الكهرباء و المياة و الصناعة …. وهلم جرا !!!!!
وزير مالية الثورة أقنع الشباب بأن رفع الدعم سيوفر للدولة مبالغ كبيرة تستطيع الدولة أن تدعم من خلالها قطاعات مهمة مثل التعليم و الصحة، وقد ضرب لهم أمثلة كثيرة زادت من حماسهم تأييدا له وقد ضرب لهم الامثلة التى تقنع الحجر ولكنها ربما لا تقنع أصحاب النظرة العميقة و التجارب المتراكمة و الذين يعلمون ببواطن الامور !!!ومن تلك الامثلة التى ضربها -( مثل البنزين و الجازولين من غير المعقول ان يكون أرخص من السعودية ( وهذه حقيقة فى رأينا أيضا ) ومن غير المنطقى و غير المعقول أن يستفيد الاثرياء اصحاب العربات رباعية الدفع من هذا الدعم على حساب الفقراء الذين ليس لديهم سيارات و يستغلون المواصلات) !!!!
نحن نقول للسيد وزير المالية ، إن أصحاب العربات رباعية الدفع او العربات ذات القمرتين ،هم أثرياء القوم الذين يتاجرون فى العملات ، هم أثرياء القوم المصدرون الذين تجنب لهم الدولة 90%من العملات الصعبة وبالقانون و اللوائح و النظم (أنظر منشور بنك السودان 4/2020 بتاريخ 1يناير 2020) هم تجار الاراضى و العقارات و التى تسمح لهم قوانين الدولة بتملك مئات من العقارات ومن قطع الاراضى يحتكرونها و يستغلون بها اموال المغتربين ومدخراتهم والبسطاء من عامة الشعب فى شكل إيجارات لان الموظف او العامل يستحيل فى ظل هؤلاء التماسيح أن يجد مسكنا ملائم يأويه هم مهربو السلع من و الى السودان عبر حدود السودان الشاسعة وهم الذين يدعمون تجارة العملات خارج منظومة الدولة الاقتصادية ( إنت يا سيد وزير المالية تبحث عن كيف توقف هؤلاء المستنزفون لثروات البلاد أم تسعى لحل المشكلة عن طريق المواطن الذى لا يقوى على شئ !!!كلام غريب و عجيب ؟؟!!!) !!!!
ترك السيد وزير المالية كل هؤلاء الاثرياء الطفيليون ، وذهب يبحث عن حل المشكلة الاقتصادية فى جيب المواطن ، لم ينظر و لم يجتهد فى حل أهم المشاكل الاقتصادية على الاطلاق وهى ، (إستقرار سعر صرف الجنيه السودانى مقابل العملات الاخرى) ، فإستقرار سعر صرف الجنيه السودان ليس فى رفع الدعم و لكنها فى وقف هذا الانشطة الطفيلية التى تنتظم البلاد !!!
هؤلاء الاثرياء الذين وقف معهم السيد وزير المالية فى خندق واحد يستطيعون ويتحملون شراء جالون البنزين و كل الزيادات القادمة جراء زيادة المحروقات والتى سوف تجر و راءها وابل من الغلاء فى إرتفاع كل السلع و الخدمات (وسوف يصرخ البسطاء الذين من أجلهم تم رفع الدعم كما تدعون!!!!) !!!!
وسوف يرتفع سعر الدولار فى السوق الموازى وسوف نعود للمربع الاول وسيكون سعر جالون البنزين أرخص من السعودية بسبب إنهيار سعر الصرف وبعد ذلك سوف لن تجد فرصة آخرى لرفع الدعم وحتى يأتينا وزير مالية جديد يحمل نفس الايدلوجيات التى تحملها يا سيادة الوزير وترجع حليمة مرة آخرى لى قديمة (وهكذا تدور الساقية ونصبح نلف و ندور فى الوهم )!!!!!!
السؤال من الذي يحاسب وزير المالية ( ربنا لا قدر ) إذا فشلت تجربة رفع الدعم فى تقدم واصلاح الاقتصاد السودانى ؟!!!!! علما بأننا لدينا تجربة السيد /على محمود وزير المالية الاسبق فى عام 2013 التى قام فيها برفع الدعم عن المحروقات وقد تمخض الجمل فولد فأرا !!!!وذهب الرجل فى حال سبيله و كأن الامر لا يعنيه من قريب أو بعيد وإنما هى فقط تجربة و فشلت وأدخلت 40مليون مواطن فى ضنك من العيش ربما تعانى منها أجيال قادمة وخاصة بعد أن يجدد السيد الوزير الجرعة مرة آخرى !!!!!
ربنا يستر ويجيب العواقب سليمة !!!
عبد المنعم علي التوم
[email protected]