مقالات سياسية

فوضوية الديمقراطية

يوسف السندي

الديمقراطية فوضوية نعم ، فوضوية للدرجة التي يصعب معها كثيرا جدا السيطرة على ضبط النفس ، وذلك لأنها تساوي في الفرص بين الجميع ، العاقلين والمغفلين، الشرفاء والخونة ، هي تسمح لكل شخص يملك رأيا ان يعبر عنه بغض النظر عن طبيعة هذا الرأي بالنسبة الآخرين ، تسمح لكل تيار يملك أهدافا ان يسعى لتحقيقها بكل الطرق والوسائل السلمية والديمقراطية بغض نظر عن موقع هذه الأهداف من اهداف الغير ، تفسح المجال لكل جسم لديه صوت ان يصرخ ليسمعه الناس ، تفتح الباب لكل جهة تعتبر نفسها هي ( الصاح ) ان تعبر عن ذلك . وكل هذا يحدث امامك ، في الوسائط او الاخبار او اي مكان ، الجميع يتعاركون في نفس الميدان وامامك مباشرة ، وتأتيك أصواتهم في نفس الوقت واللحظة حتى يصيبك أحيانا منها الغثيان والهذيان ، أو يغلبك التمييز أو تصبح في دوامة بلا قرار .

بيد ان الميزة الأصيلة في الديمقراطية انه غير مسموح فيها لشخص أو تيار او جسم او جهة ان تقهر اخرى او ان تقصيها ، هذا القهر والإقصاء وان حدث كخطا، فالخطأ في كوكب الديمقراطية يمكن تصحيحه ، والفرصة لتصحيحه موجودة باستمرار و لا يوجد شيء اسمه ( too late ) ، لا يوجد شيء اسمه ( ديمقراطيتنا اتسرقت ) ، بل يوجد دوما شيء اسمه تصحيح الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية ، لذلك ترى وتسمع كل أشكال النقد العنيف والهين، وتمر بكل أنواع الاستقطاب الفكري الحقيقي والمفخخ ، تغوص مع تشدد اليمين وتزحف مع تزلف اليسار وتطير مع مثالية الوسط وانت في مكانك لا تبارحه.

ما حدث في انتخابات سكرتارية تجمع المهنيين وما يحدث في وزارة الصحة الاتحادية ، هو هذا الجو الديمقراطي المشحون بعشرات الآراء و المواقف و الاتجاهات المتباينة ، الجو الملون بكل الوان الطيف السياسي و الثقافي والاجتماعي والمهني ، الجو المكهرب بالخلافات التاريخية ، و الملطف بالتضحيات المشتركة ، الجو الذي لا يمكن ان تمرر من خلاله اجندة التمكين ولا فهلوة الأحزاب السياسية ، فالكل بالمرصاد للكل ، ولا يصح الا ما بني على أساس ديمقراطي سليم .

هذا هو واقع الديمقراطية ، الناس متساوون في حرية الرأي والقرار ، كل فرد من الشعب يملك حرية ان يقول رأيه ويدعو له ويحاجج من أجله . تجد جماعة تدعو لإزالة القراي وجماعة أخرى تدعو لبقاء القراي ، جماعة تدعو لاقالة اكرم وجماعة تدعوا لبقاءه، جماعة تدعو لاقالة البدوي وجماعة تدعو لبقاءه، الرأي والرأي الآخر، الخيار والخيار المضاد ، كله يوجد في نفس المكان والزمان ، ولا يصح الا ما بني على أساس ديمقراطي سليم .

لهذا اختلاف الآراء داخل الأجسام والأحزاب السياسية والجماهير شيء طبيعي ، فالجميع بشر و ليسوا ألهة ، وطبيعة البشر الاختلاف ، و لن تكون الخلافات العميقة في جسم تجمع المهنيين وفي وزارة الصحة الاتحادية او ادارة المناهج هي الأخيرة ، بل هذه هي المناظر ( الفيلم ما بدا لسه ) ، فيلم الديمقراطية وفوضويتها، فيلم الآراء المختلفة تحت سقف واحد، واظنكم تابعتوا ما حدث في أمريكا حين قادت المعارك المشابهة رئيس الولايات المتحدة لقفص الاتهام وكادت ان تعزله من الرئاسة ، هذا هو الصراع الحر الديمقراطي ، صراع فيه فوضوية ولكن أدواته ديمقراطية والغلبة فيه للأسس الديمقراطية.

لذلك لا معنى لاسباغ صفة الكوزنة على كل مختلف مع اراءك، فهذا الاختلاف سيكون موجودا ما بقيت الديمقراطية ، ولكن المهم أن نتحمل هذا الاختلاف ، ان نحسن ادراته بحيث لا يؤثر على مشروع الثورة في بناء وطن ديمقراطي حقيقي.

انتهى عهد تكميم الأفواه، انتهى عهد مصادرة حرية التعبير، ذهب إلى غير رجعة الدكتاتور الذي يقهر الجميع على رأيه، وجاء عهد يفكر فيه الجميع بصوت مسموع ، يصدر الجميع بياناتهم ورؤاهم في الهواء الطلق منتقدين بوضوح الممارسات التي يرون انها خاطئة ، فلنتعود على هذا الجو فهو الجو الحقيقي للديمقراطية ، مهم أن نتعود على احتمال آخرين ذوو أفكار مختلفة بصورة حادة عن افكارنا، فهذا هو واقع الديمقراطية وجوها العام ، فلنسعى معا لتعضيده بالشفافية وحكم القانون ولنواصل الشجاعة والأمل في بناء واقع ديمقراطي يحتكم فيه الجميع إلى الأسس الديمقراطية السليمة.

يوسف السندي
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. لا تُوجد في الدنيا، ديموقراطية فوضوية، بل إن الفوضي، لدليل علي غيابها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    ولا تُوجد ديموقراطية، في بلدٍ تجهل نُخَبه معني الوطنية، ولا يذكرونها إلا من قبيل النفاق والتدليس !!!!!!!!!!!!!!!

    إن الديموقراطية لا تعني فقط، وجود الحريات الأساسية، من حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والحرية الشخصية، بل هي أكبر من ذلك بمراحل،،،،،إنها تعني سيادة الشعب، الحكم الراشد، الإنتخابات الدورية الحرة النزيهة، الشفافية والمساءلة، التداول السلمي للسلطة، التنمية، سيادة حكم القانون، عدم الإفلات من العقاب، التعايش السلمي، إحترام التعددية، نبذ التطرف والإرهاب، الفصل بين السلطات، إستقلالية القضاء، وترسيخ إعلام حر ونزيه يَحرص علي إستدامتها، ووووو !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

    إن أغلب النُخَب الحالية، لها فهم عقيم ومعوج لمفهوم الديموقراطية، ويجهلون ويتجاهلون، أن السياسة أو المعارضة ليست sabotage، ولا غدر وخيانة، ولا دسائس ومكائد ومؤامرات، ولا خبث وخسة وخساسة، ولا تخريب، ولا إفتعال الأزمات، ولا ضرب تحت الحزام، وقطعاً هي ليست إجرام وإرهاب وفساد، بل إن كل ذلك، ما هو إلا جريمة/خيانة عظمي، يُحاسب عليها القانون، في ظل الديموقراطية، إن وُجدت !!!!!!!!!!!!!!!!

    بإختصار، إن الحديث عن الديموقراطية في وسطٍ، يكون فيه شعار جُل نُخَبه، هو “نفسي، نفسي”، أو أقصاها، “حزبي، حزبي”، سيظل مجرد utopia،
    Period

  2. والله يا أستاذ كلامك في محلو ولكن كل من يقول بذلك فإن دجاج قحت له بالمرصاد والتخوين والتخويف!!
    فشكرا على شجاعتك!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..