
سبحان الله الذي هيأ الظروف والأسباب والمسببات للطفلة الأبنوسية (قلوريا) ذات الأربعة أعوام ولوالدها غاندي من جنوبنا الحبيب اللذين ضاقت بهما الدنيا وأحكمت حلقاتها عليهما ليأتيهما الفرج وابنته من حيث لا يحتسبا، بعد أن ظنا كل الظن ألا فرج لمأساتهما وأغلقت كل أبواب الأمل أمامهما.

تعود مأساة الطفلة قلوريا إلى أنها مثل كل الأطفال ما أن تلقط شيئا إلا وتوجهه إلى فمها مباشرة ظنا منها أنه شيء يؤكل ولكن لسوء حظها فقد كان ما التقطته هذه المرة عملة معدنية في حجم (الشلن) السوداني القديم وأدخلته في فمها دون أن يشعر بها أحد وعندما استعصى عليها مضغه ابتلعته فاستقر بين أضلعها، وبعد أن ظهرت عليها أعراض مرضية ظن والدها أنها تعاني من السعال ولكن بعد مرور أسبوع من استعمال الدواء ازدادت حالتها سوءا فذهب بها إلى المستشفى في جوبا وعن طريق الأشعة اكتشف وجود (الحقيقة المرة) بأن عملة معدنية مستقرة بين أضلعها في موقع قريب من القلب ولضعف الإمكانيات الطبية في الجنوب وتعقيدات إجراء عملية جراحية هناك قرر والدها غاندي السفر إلى السودان لإجراء العملية فجمع البائع المتجول كل ما يدخره بجانب مساعدات من الخيرين وتوجه صوب الخرطوم، لكن أمله خاب بعد إجراء الفحوصات اللازمة لتعذر استخراج العملة من الطفلة وخطورة إجراء عملية جراحية بسبب الموقع الذي استقرت فيه (العملة اللعينة) داخل أضلعها، فحزم أمره وقرر التوجه إلى القاهرة لعله يأتي منها بقبس أو يجد فيها علاجا لمأساة ابنته التي بدأت حالتها تسؤ يوما بعد آخر جراء مضاعفات (العملة المعدنية اللعينة)، وفي القاهرة التي كانت تمثل له خيط الأمل الأخير وجاء إليها متوكلا متشبثا بقشة تنقذه من مأساته اصطدم بواقع كان غائبا عن حساباته فبعد إجراء الفحوصات اللازمة قيل له أن كلفة العملية تبلغ 25 ألفا من الدولارات لكونها علمية في غاية التعقيد ،.. يا للهول!! فالبائع المتجول أصبح لا يملك شرو نقير ! فأنا له بهذا المبلغ !!
ضاقت الدنيا بما رحبت أمامه و(تبدى أمامه ظلام رهيب كفيف البصر) وهو يتخيل طفلته فلذة كبده (قلوريا) تحتضر بين يديه وهو لا يستطيع أن يحرك ساكنا ، لكن أمر الله غالب فهو يهيئ الأسباب وإذا أراد شيئا يقول له كن فيكون.
فعندما كان والد قلوريا في شقة أحد أصدقائه وبينما هو غرقان في هواجسه ، إذ بمبشر مسيحي كوري جنوبي صديق لصاحبه يطرق على الباب ويدلف إلى الداخل، وعند استماعه لقصته طلب منه كل المستندات وأرسلها إلى أكبر مستشفى في كوريا الجنوبية (مستشفى جامعة يونسيه) لتأتيه الموافقة على جناح السرعة بأن المستشفى متكفل باجراء العملية وتذاكر السفر والإقامة من الألف إلى الياء، لكن بينما كان والد قلوريا يجهز نفسه للسفر تأتي جائحة كورونا بما لا يشتهي لتغلق أمامه باب الأمل مجددا فتتوقف السفريات والطائرات ومعها تزداد حالة الطفلة البريئة تدهورا وسوءا وتتفاقم حالة والدها يأسا وتضعضعت رباطة جأشه ، فتتجلى رحمة الله وتتهيأ الأسباب مجدداً، فقد قررت الحكومة الكورية إرسال طائرة لإجلاء مواطنيها من مصر وقررت إحضار الطفلة (قلوريا) ووالدها في الطائرة، وما بين غمضة عين وانتبهاتها (حدس ما حدس) ليصل الطائر الميمون (شايلو النسيم فى الليل يوشوش فى الخمائل) وعلى متنه الطفلة (قلوريا) ووالدها إلى مطار انتشون بكوريا وتتفتح أزاهير الأمل وتبتسم الورود وتسيل مشاعر الناس جداول ….
فسبحان من وسعت رحمته كل شيء القائل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
ابراهيم مصطفى
صحفي بوكالة الأنباء الكورية يونهاب