
” الليل أوغل لا تنامِي ،
الريح أطفأت السراج و قهقهت خلف الخيامِ
و فراغك الزغب الصغار تراعشت مثل الحمامِ
و تكومت فوق الحصير تكومت مثل الحطامِ
ناموا علي جوعٍ فما. عرفوا هنا طعم إبتسام”
ليل و لاجئة – محيي الدين فارس
✍️ بهذه الأبيات الحزينة لخّص شاعرنا الكبير محيي الدين فارس حياة اللاجئين في مخيمات الذل و الهوان ، التي تُهدَر فيها آدمية الإنسان و تُضامُ فيها كرامة البشر و تحط فيها أقدار الشرفاء ثم ليُكتَشف فيها زيف التضامن و التراحم الوطني و تُفضح فيها قانون العدالة الإجتماعية و ميزانها المائل !
️ منذ إندلاع الحرب العنصرية في دارفور قبل قرابة العقدين و تحولها إلي حربٍ شعواء لا تبقي و لا تذر بعد أن أطلق نظام الإنقاذ العنصري الوقح سياسة الأرض المحروقة و التطهير العرقي ضد الإثنيات الأفريقية تحول مسار الأحداث إلي مأساة أنسانية دفعت حوالي سبعة ملايين مواطن هرباً إلي اللجوء في المنافي و دول الجوار عبر الحدود الدولية و منهم من بقي نازحاً داخل الوطن في مخيمات الذل و العار بعد أن أجبروا علي ترك ديارهم و أرضهم التي أضحت كأطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ ! فقد عمد ( مغول السودان ) علي قتل الإنسان و إحراق الأرض و إبادة الزرع و الضرع و بلغت بهم الحقد المسموم في الدرك الأسفل بتسميم الآبار و منابع المياه في جريمة حرب لم يرتكبها حتي التتار !
و من لم يمت بالسيف مات “بالظمأ “تعددت الأسباب و الموت واحدُ
ففي هكذا ظروف يخرج من بقي حياً هارباً إلي “اللا مكان” بحثاً عن أي بصيص أملٍ للحياة و الأمان ، لم تكن لهم من شيء إلا قلوباً واجفة تنبض بالخوف و الآمال و عيوناً زائغة أرهقها السهر و التذراف !!
✍️ حسب شرائع الامم المتحدة ، هناك فرقْ بين اللجوء و النزوح ، فاللاجيء كما عرفته الامم المتحدة هو عبارة عن شخصٍ أُجبِر علي ترك بلاده و غير قادر علي العودة بسبب خوف مبرر سببه الإضطهاد و العنف لأسباب دينية ، عرقية ، سياسية أو إجتماعية و أصبح بسبب ذلك يفتقر إلي القدرة علي العيش تحت حماية دولته الأم أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك !
أما النازح ، فهو عبارة عن شخص أُجبِر علي مغادرة موطنه الأصلي و أرضه لنفس الأسباب ! الدينية ، العرقية ، السياسية أو الإجتماعية لكنه لم يعبر الحدود الدولية ، بل بقي داخل وطنه في مخيمات إيواء تحت ظل نفس النظام الذي شردهم بعد أن أحرق ديارهم !! و غالباً ما يصعب علي المنظمات الدولية الوصول إلي هذه الفئات او تقديم المساعدات اللازمة لهـا نسبة للقيود و العقبات التي يضعها النظام سبب الأزمة ! لذلك يتم إدراج هـؤلاء ضمن الفئات الأشد ضعفاً في العالم !
✍️ إن من أوجب واجبات الفترة الإنتقالية و أهم تحديات حكومة الثورة تكمن في قدرتها علي حلّ قضية اللاجئين و النازحين و إعادة توطينهم علي أراضيهم و ( حواكيرهم ) التي أجبرهم النظام البائد علي تركها تحت وطأة القتل و القصف المستمر و إحراق الأرض و تدمير سبل الحياة تطبيقاً للشعار الزنيم ( الأرض المحروقة ) و الذي غلّفه النظام بلافتة كاذبة ( التوجه الحضاري )!! إن وجود هـؤلاء البؤساء في مخيمات إيواء و هم داخل وطنهم الأم يعد وصمة عار في جبين حكومة الثورة او أي حكومة وطنية محترمة و يعتبر خيانة لأرواح الشهـداء و دماءهم التي ما أستُرخِصت إلا من اجل ( حرية ، سلام و عدالة ) و “كل البلد دارفور” ! و يكشف عن أزمة ضمير وطني و يفضح قيمة الترابط و التضامن بين الأمة ! بل هي مأساة قومية وطنية في أعلي درجاتها في بلدٍ ……
كل شيءٍ غلا في سوقه ثمناً – إِلَّا إبن آدم أضحي غير ذي ثمنِ !!
✍️ إن عودة اللاجئين و النازحين تمثل حجر الزاوية لبداية التعافي ثم التلاحم المجتمعي و من بعد التنمية المستدامة لانها السبيل لإعمار الأرض و إصلاح الزرع و الضرع و زيادة الإنتاج فضلاً عن الأستقرار المجتمعي و الشعور الجمعي بعظمة الإنتماء للأرض و الوطن الرؤوم !
من أجل هذا نعلنها عالية و صريحة لحكومة الثورة و كل أطراف التفاوض في جوبا بأن أحد أهم واجباتهم هو أعادة هـؤلاء المدنيين البؤساء إلي ديارهم بأعجل ما تيسر مع البدء الفوري في تقديم الخدمات الإنسانية الضرورية من أمن و مأوي و الحاجات الحياتية الملحة مثل الطعام و توفير الخدمات الطبية و شبكات و محطات المياه و العمل علي إعادة تأهيلهم نفسياً و أجتماعياً و رد الإعتبار لكرامتهم التي دِيست بلا ذنبٍ جنوه مع تقديم الرعاية الخاصة لشريحة المرأة و الطفل ، ثم ( جبر الخاطر ) عن طريق التعويض للبدء في تأسيس حياة أفضل وصولاً لمرحلة المساهمة في الإنتاج ثم الدخل القومي من خلال تنمية و تطوير الريف و لا ننسي سرعة محاكمة من تسببوا في هذه المأساة الإنسانية لأن
إحتمال الأذي و رؤية جانيه – غذاء تضوي به الأجسامُ
ألا هل بلغتُ ؟ اللهم فأشهد
و في الختام
قسماً نصيغه حرف حرف وطناً موسّم بالجمال
شعباً موحّد و مختلف. من بحرو لي حدّ الرمال
سحنات و أديان تأتلف نبنيه لي حدّ الكمال
✍️ محمد الربيع
[email protected]