مقالات سياسية

السودان بين تحفظات المهدي والِبرهان وطوق نجاة حمدوك 

 شريف ذهب

في 2005 صدر قرار مجلس الأمن رقم 1556 بخصوص السودان والذي يحوي ضمن فقراته تأهيل القوات النظامية حتى تتعاطى بحرفية ومهنية مع المواطنين. رفض النظام البائد ذلك القرار جملةً وتفصيلاً وأرغى وأزبد مسؤوليه بالوعيد وساقط القول والحديث وكان من نتاج تلك الرعونة أن ضاعت للسودان فرصة تاريخية لإعادة تأهيل الكادر العسكري والمدني مجاناً من قبل خبراء الأمم المتحدة، ونتيجةً لضياع تلك الفرصة استمرت انتهاكات حقوق الإنسان في كل من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق من قتلٍ وتشريد للمواطنين العزل وكذلك في العاصمة الخرطوم من تنكيلٍ بالمعارضين السياسيين والمواطنين العاديين على حدٍ سواء.

وكانت المحصلة النهائية نتاج تلك الانتهاكات إدراج رئيس النظام وبعض مسؤوليه في قائمة المطلوبين للعدالة الدولية.
سقط نظام المؤتمر الوطني لكن آثار ذلك الخلل في الخدمة العسكرية تجلت بأبشع صورها في جريمة فض اعتصام القيادة العامة للجيش- على الوجه الذي شهد له العالم بأسره –، وفي الخدمة المدنية والقضاء تجلت في ملفات الفساد الكبيرة التي ما انفكت لجنة إزالة التمكين تعلن عنها يوماً تلو الآخر.

لقد ورثت بلادنا من المستعمر الأجنبي أفضل نظام خدمة مدنية وعسكرية في العالم تميزت بالنزاهة والانضباط، لكنها أخذت تتدهور في العهد الوطني شيئاً فشيئاً حتى قضى عليها نظام (اللا انقاذ) خلال سني حكمه العجاف، وعقب انتفاضة الشباب المباركة هذه عادت الفرصة لبلادنا لتعود سيرتها الأولى عبر أحد خيرة أبنائها ممن عملوا في المؤسسات الدولية وهو الدكتور عبد الله حمدوك، هذا الرجل أراد نقل خبرته الطويلة التي شارك عبرها في دول عديدة نهضت من الحرب كي تنهض بلاه أيضاً بشكلٍ جديد، لا سيما وأنها لم تزل ترزح في أتون حروبٍ لم تنتهي فصولها بعد، وتتطلب اتفاقات سلام شاملة وعادلة لها مطلوباتها المالية واللوجستية.

ومع تلك التركة الثقيلة من الفساد المتوارث في كل مناحي الدولة وشح الإمكانيات الذاتية كان من الطبيعي له التوجه للأمم المتحدة وطلب المساعدة، وهو في ذلك ليس بمبتدعٍ بل هي سنة دارجة لدى الأمم المتحدة في حالات الدول الخارجة من الحروب كحال بلادنا، وكان المتوقع أن  تجد خطته هذه الدعم والتأييد من الجميع، لكن المؤسف جداً أن يبرز ثمة فكر رجعي يرفض هذا القرار بمسوغات واهية جداً لا تبت للواقع بصلة فضلاً عن مصلحة البلاد العليا!!.

لا زلنا في السودان نفتخر بسيرة ومؤهلات الكوادر السابقة في الخدمة المدنية والعسكرية ونمنحهم ميزات تفضيلية لتلقيهم  دورات تدريبية في دولة كذا وكذا، ولا زال الناس إلى يومنا هذا يستميتون لأجل الحصول على فرص التأهيل في الخارج، فما بالنا نلفظها وقد ساقها الله لنا سوقاً لتأتينا على طبقٍ من ذهب في عقر دارنا ؟!

بالأمس القريب فقط أقدم جندني على إطلاق النار وقتل مواطنين في موقع ارتكاز للجيش لعدم مثول صاحب المركبة لأمر التوقف، فإلى متى نظل ندفع أثمان هذا الخلل المتوارث في الخدمة العسكرية والمدنية جراء العهود الماضية؟

إن التاريخ لا يرحم، وبلادنا اليوم في مفترق طرقٍ بين أن نُحكِّم عقولنا ونتفق معاً للاستفادة من كل الفرص المتاحة للسلام وإعادة البناء والتعمير عبر هذه الفترة الانتقالية  والعبور بها إلى بر الأمان، وبين السقوط في مستنقع الحروب مجدداً بشكلٍ أسوأ عن ذي قبل فيختلط الحابل بالنابل ونكون “بالفعل” أسوأ من الصومال كما ظل يبشر بذلك الرجعيون ويعملون جاهدون لتحقيقه ولا سيما عقب فقدانهم كرسي السلطة.

أمامنا الفرصة التاريخية نحو الخيار الأمثل وهو الوقوف خلف خطة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ودعمها، وإلا فليتحمل كلٌ تبعات موقفه فيما سيحل بالبلاد والتاريخ لا يرحم .

أللهم هل بلغت أللهم فاشهد.

شريف ذهب
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..