أخبار السودان

لماذا يسعى “الكباشي” و”قحت” لتغييب الأمين داؤود عن المشهد؟

عبد الرحيم قرية

لا أحب الكتابة في السياسة أيّا كانت نوعية موضوعاتها التي أكتب عنها، لكن موضوع اعتقال رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بالسودان، الأمين داؤود، له جوانب أخرى تجبرني للكتابة عنه؛ فالمؤامرة أكبر من أن يستطيع الأمين بمفردها مقاومتها، بالإضافة إلى رغبة عارمة تدفعني دفعا للكتابة، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر الذي وقع عليه. وكذلك رغبة أخرى جامحة في أن أقول الحقيقة التي أعرف تفاصيلها جيدا حتى لا أساءل عنها أمام الله سبحانه وتعالى يوم العرض الكبير، خاصة وأنه ليس هناك مَن يمكن أن اتكئ عليه ليقول هذه الحقائق، كما أن هناك مؤشرات انحراف كبيرة في مسار ثورة ديسمبر يمكن رصدها من مثل هذه الترصدات التي تحدث للأمين داؤود وغيره يجب علينا جميعا مقاومتها، وإلا ستجرفنا جميعا .

في قضية سجن الأمين داؤود أول ما يخطر على البال بعد سماع خبر سجنه في كوبر أن الجهات التي تقف وراء تغييبه من المشهد هي الجهات التي تضررت مصالحها من ظهوره بعد غياب أكثر من عشرة سنوات عن السودان في ديسمبر 2019م حاملا للواء مسار الشرق، وهؤلاء كُثر أغلبهم من الإدارات الأهلية تساندهم أقطاب كبيرة وفاعلة في ولاية البحر الأحمر، إلا أن هؤلاء من الضعف بمكان لفعل ذلك، حيث لا تتجاوز مقدراتهم حد البلاغات الكيدية، والتي أقواها يمكن أن يخرج منه الأمين بكفالة لأنها قضايا متخلية ومجرد أمنيات شخصيات حاقدة لا تصمد في أول جلسة أمام أي قاضي محايد.

وطالما الأمر هكذا ما الذي حدث ومن هم الآخرون الذين يقفون خلف هذا التغييب غير الذين ذكرناهم عاليه؟، نعم هناك أخرون أكثر قوة ومنعة وفاعلية يستغلون مناصبهم الحكومية العليا، منهم الفريق الكباشي عضو مجلس السيادة، وكذلك قوى الحرية والتغيير شريكة المجلس العسكري في حكم السودان، وصاحبة اليد الطولى في تكوين ورعاية حكومة حمدوك.

والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه بإلحاح في هذا المقام، ولا بد أن يكون قد طرأ في ذهن القارئ أيضا: لماذا يعاديه الفريق الكباشي؟ ولماذا تعاديه قحت وتعمل على تغييبه من المشهد؟، في الحقيقة الإجابة على هذا السؤال مُعقدة بعض الشيء، إلا أننا سنحاول أن نبسطها قدر الإمكان ونأمل أن ننجح في ذلك؛ فالمسألة لها علاقة بقوى خارج السودان لها مصالحها التي تتعلق بالموانئ في السودان، وهي تبذل جهود مضنية لرسم المشهد السوداني رغبة منها في الوصول لتلك المصالح.

وهذه القوى منذ بداية الثورة، وهي تسعى لاحتواء الجميع بشكل فردي وجماعي، وأول الذين أوقعتهم في فخها وحسمت مواقفهم لصالحها عسكريي الحكم في السودان، ثم عملت على استيعاب الشق المدني المتمثل في قوى الحرية والتغيير (قحت) فتمكنت بعد جهد من ترويضها ببعض المكونات الفاعلة فيها؛ فأصبحت قحت تابعة لها تأتمر بأمرها عبر بعض مكوناتها.

وهذه القوى غير راغبة في الأمين داؤود، ليس لأسباب شخصية إنما لأسباب استراتيجية؛ فالرجل ببساطته البدوية وطهره ونقاءه الثوري وقضايا شعبه الحاضرة دائما والتي تغرب من أجلها خارج السودان لمدة طويلة وجماهيريته الجارفة وصعوبة ترويضه قد أزعجها كثيرا؛ ففي كل مرة تعتقد أنها تمكنت منه يفلت منها.

ففي البدء حركت كل أياديها في الإدارات الأهلية في شرق السودان التي صادف هواها هوى تلك القوى فهي الأخرى قد أضر بها ظهور الأمين فنجاحه سيفتح الكثير من الملفات التي تود أن تكون مغلقة مثل صندوق إعمار الشرق، وكذلك ظهوره القوي سيخفي ظهور البعض الذي كان يعتقد أنه القائد الأوحد للشرق، إلا أن تلك القوى قد فشلت فشل ذريع، بل أن بعض مكوناتها أصبحت داعمة لمسار الشرق الذي يمثله الأمين داؤود وشركاءه.

لهذا، كان على تلك القوى صاحبة المصالح في الميناء أن تحاول احتواءه عبر زملاءه السابقين في الجبهة الشعبية المتحدة عبر إغداق المال عليهم حتى يبعدوا رئيسهم ويتنكروا له، وبالفعل هؤلاء نفذوا التعليمات حرفيا وقاموا بفصل رئيسهم، إلا أن إجراءاتهم ضده لم تجد آذان صاغية، لأن جماهير الحزب تعرف وتعشق الأمين داؤود لبساطته وصدقه وكاريزمته، كما أن الدور الذي لعبه مسؤولو الحزب في الولايات كان له الدور الحاسم عندما رفضوا سلوك زملاء الأمين ووقفوا بجانبه وأصدروا بيانات ترفض تصرفهم ولا تعترف به، فأصبح تصرفهم وبالا عليهم وحجم من دورهم بدلا أن يحجم من دور الأمين ويعزله .
لكن أخيرا تمكنوا من سجنه عندما دخل السودان عبر الحدود مع إثيوبيا بتهمة التسلل للبلاد، رغم أنه دخل البلاد عبر معبر من المعابر التي أعتاد القادمون برا من إثيوبيا الدخول عبره، وسلّم نفسه للحجر الصحي وبعد إكماله لفترة الحجر الصحي في منطقة القلابات فوجئ بترحيله على عجل لمدينة القضارف وعرض على محكمتها التي أصدرت حكمها عليه بالسجن لمدة عام مع النفاذ دون أن تسمح له حتى بتكليف محامي.

ثم في اليوم الثالث تم نقله من سجن القضارف لسجن كوبر الشهير، في الوقت أن غرامة الدخول متسللا أقصاها خمسة آلاف جنيه سوداني، وكان بإمكان الأمين دفعها، إلا أن هناك مَن منع حدوث ذلك لأنه يريد أن يسجن الأمين ويُغيّبه عن المشهد لمدة سنة، وهذا الكيد غير متاح سوى للشخصيات النافذة مثل الفريق كباشي عضو مجلس السيادة، والذي يملك الكثير من الدوافع لفعل ذلك، فهو الوحيد الذي كان يُشهر به ويظهر عداءه الصريح له، فقد كان يتحدث بتفاخر ينقصه الكثير من اللياقة أنه قد قام برفض الجلوس في التفاوض معه، لأن عليه بلاغات ومطلوب للعدالة في الوقت الذي كان يعلم أنها بلاغات كيدية وربما كانت له يد فيها، وتصريحاته الفجة مسجلة في الكثير من مقاطع الفيديو، كما أن كباشي ينتمي عرقيا لقبيلة النوبة والأمين لقبيلة البني عامر ووقعت بين هاتين القبيلتين الكثير من المصادمات العنيفة خلال السنة الماضية، وهذه السنة التي أزهقت جراءها الكثير من الأرواح البريئة، وهذا عامل آخر يجعلنا نضعه في الاعتبار للعداء غير المفهوم مع الأمين داؤود.

أما قوى الحرية والتغيير فهي الأخرى ما يجعلنا نتهمها أن لها يد في سجن الأمين داؤود فهي من ناحية مسيطر عليها من قبل تلك القوى الخارجية التي تصارع في ترتيب المشهد في السودان، ومن ناحية أخرى تكن عداء للجبهة الثورية السودانية (المكونة من الحركات المسلحة المعارضة للنظام السابق)، والتي يفترض أن تكون إحدى مكونات الحرية والتغيير، إلا أنها قد تنكرت لها، والأمين داؤود أحد أقطاب تلك الجبهة، لهذا فهو من ناحية يستهدف لذاته لأنه غير مروض، ومن ناحية أخرى يستهدف لأنه من الجبهة الثورية.

وقبل الختام، لم يتبق لنا سوى أن نعرف موقف الرجل القوي الفريق حميدتي، حقيقة لا ندري موقفه من المؤامرات التي تُحاك ضد الأمين لكن عادةً ما تكون مواقفه جيدة في المواقف المشابهة، فالرجل نقي السريرة تغلب عليه بساطة البدوي، لكن قد تم استهدافه وإشغاله عبر فتح الكثير من الجبهات عليه بصورة تكاد تصرفه عن الكثير من الأمور، لأنه غير مرغوب فيه من قبل عدة أطراف أولها الدولة العميقة التي يقف حجر عثر أمام مخططاتها في ضرب أمن واستقرار السودان الذي تسعى لإحداثه بهدف إسقاط حكومة قحت، لهذا جعلته هدفها الأساسي لاعتقادها أنها بجره لحروب جانبية بإمكانها إسقاطه وإخراجه من المشهد حتى تستفرد بحكومة قحت الهشة.

وثانيها زملاءه في حكم السودان (المكون العسكري والمدني) الذين أصبح كل همهم إحراقه وإخراجه من المشهد، لأنه من ناحية ليس من الشمال النيلي الذي لا يرضى أبناءه أن تلعب باقي المكونات الأدوار الرئيسية في حكم السودان، وهو دارفوري، ومن ناحية ثانية يخشون من القوة التي تحت تصرفه “الدعم السريع” الذي أثبت قوته وجدارته في إنجاح كل ما شارك فيه .

ختاما، هناك ظروف موضوعية حدت من ردات فعل الكثيرين على سجن الأمين داؤود بهذا الأسلوب الكيدي غير اللائق منها الظرف الصحي الذي يعيشه السودان، والذي تسبب في وقف السفر بين الولايات، بالإضافة لحالة الاحتراب التي يعيشها المكون الاجتماعي الذي ينتمي إليه الأمين داؤود في مدينة كسلا وتأثر بقية المكون في المدن الأخرى بمتابعة تلك الأحداث، بالإضافة لقلة المعلومات عن ملابسات سجن الأمين وإلا عندما تنجلي تلك الظروف نتوقع أن تكون هناك ردات فعل قوية لا ندري إن كان من كادوا لسجن الأمين قد حسبوا حسابها.

كما نتوقع أن تأتي ردات فعل من الجبهة الثورية، والتي نتوقع تأخر حدوثها بسبب شح المعلومات عن أسباب سجنه؛ فلم نرصد حتى الآن سوى رد فعل القائد مني أركوا ميناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان الذي أستهجن واستنكر هذا الفعل عبر صفحته في تويتر ووعد بتكليف محاميين لتولي القضية، أما بقية أقطاب الجبهة الثورية إذا لم يفعلوا ذلك سيكون الغباء في حد ذاته، لأنهم إذا مرروا حادثة سجن الأمين بهذه الطريقة الكيدية سيلاقون نفس المصير متى ما اختلفوا مع رجال المركز أو حسوا بخطرهم

.عربي21

‫6 تعليقات

  1. السجن؟ هذا الرجل حرض على العنف وتسبب في قتل المئات من أبناء البني عامر والحباب والنوبة وتشريدهم ولا زال البني عامر في البحر الأحمر يعانون من تصريحاته غير المسؤولة …. يجب محاكمة هذا الرجل بمصداقية وليس التغاضي عن أفعاله، إذا كانت المحاكمة صادقة فلن يتم الحكم عليه بأقل من اسجن المؤبد

    1. اذا كنت صادقا وليس صاحب غرض اذكر واحدة من هذه التصريحات الغير مسؤولة ونكون ايضا ممتنون لك جدا اذا وضحت لنا متى وكيف حرض الامين داؤد على العنف .. ارجو ان لا تلقي الكلام على عواهنه وان تتحرى الصدق فيما تقول ولعلمك الامين داؤد رجل سلام ومؤمن بضرورة واهمية التوافق بين ابناء الهامش على وجه العموم وابناء الشرق على وجه الخصوص وهناك دوائر عديدة لديها مصلحة في وأد هذا التوافق وكل الاشكالات الحالية بين اطراف الشرق في غالبها مفتعلة

  2. مفترض يعدم الامين داود هو سبب المشاكل الحصلت في البحر الاحمر والقضارف والمكون العرقي البينتمي ليهو يحاول يغير التركيبة السكانية في الولايات الشرقية وده مستحيل لانو صعب تاني تفتن السودانيين انتو ضيوف في البلد ودايرين تاكلو عيش ذي ماقال ناظركم لي نظار البجاء .احترم تحترم

    1. الحقيقة انني لن الومك ولم اكن لاكلف نفسي مشقة الرد عليك لجهلك المدقع بتاريخ الشرق وبأنسانه وهذا امر عهدناه من انصاف المتعلمين امثالك من المتقوعين حول انفسهم والمنغلقين على ذاتهم متصورين انفسهم مركزا للكون يوزعون صكوك الوطنية كيفما اتفق وللاسف اننا في زمن مقيت تتكاثرون فيه كالطفيليات دون قدرا من علم او شغفا بالبحث او قسطا من رجالة او ادب .. ولاكنني الوم الراكوبة وفي اشد الاسف ان يكون في سياستها التحريرية ما يسمح بهذا الاسفاف كجزء من تعليق او ردا على مقال فهل التشكيك في وطنية مكونات عريضة جذورها ضاربة في عمق التاريخ وموثقة عبر كل العصور امر متاح ويعد ضمن المساحات التي تكفلها حريةالرأي لديكم بالرغم ما يمكن ان تؤدي اليه من فتن واقتتال وحروب علاوة على انها تفتقد اي دراية بالتاريخ .. اليس فيكم رجل رشيد

    2. احترم نفسك يا جاهل يا ابن الكلب نحن لسنا بضيوف هذه أرضنا قبل تكوين دولة السودان كان ما عارف أسأل كيفية تسمية اورطة العرب الشرقية ١٩٠٢ بقيادة البني عامر وهم من أثبت تعبة كسلا للسودان .

  3. ابعدوا من الزبالة الحواليكم وقيادات الفارغة دي وبالاخص الاسلاميين ديل ح يسوقوكم الخور، والله يحصل فيكم زي الحصل في دارفور ، واحد زي الامين داؤد بتاعكم ده، في ايام الانقاذ الاولى زعل من الترابي اسمه داؤد يحي بولاد ، وكل هذا عشان شاله من قيادة تنظيم الاسلاميين في دارفور وجاب واحد غير، صاحبك زعل وقام جيش جماعته وكفر الترابي والاسلاميين وولعها نار، ومن المعروف عن الاسلاميين عنيفين مع من ينشق عن صفوفهم، واول واحد اتحرق فيها هو نفسه والناس ماتت موت الضان واشتعلت دارفور وللان لم تنطفيء.

    أسالوا نفسكم ليه تجار الدين المغسلين دماغكم فتنوكم مع عيال النوبة خلاف كل مكونات شرق السودان، لانهم عايزنكم تجاربوا بالنيابة عن الكيزان كل السودان، والكيزان ديل فيهم الشايقي والحلفاوي والهدندوي والجعلي والفوراوي، بس كلهم خالين قبائلهم بعيد في سلام وامان وشغالين سياسة ووساخة باسم حزبهم، انتوا عايزين تورطوا قبيله كاملة في شغل سياسة وحروب وكمان سياسة حزب انتهت بالفشل واصبح مكروه .

    والله تجارة الدين دي توديكم التونج العالم كله حيوقف ضدكم ، لانه الناس مجربنها 30 سنة وانتوا زي البهائم بعد ما الكيزان اكلوا خيرها ورموها ليكم عظام انتوا جاين تأكل منها عيش دحين. وابعدوا من السلاح الحرق دارفور اسالوا نفسكم ناس دارفور سلاحهم نفعهم في حاجة ابعدوا من الحمار الاسمه حميدتي (المثل يقول تباري الجداد تصل الكوشة) لو ولعت ما يقدر يحمي نفسه ليوم واحد ، البلد دي بطنها غريقة حميدتي ما فاهم حاجة فاكرها دارفور ، والسلاح البتجمعوا فيه ما حينفعكم بي تعريفة ح يستخدموا المتفلتين من ابناء البني عامر وحيفتنوكم بكره مع الهدندو والدولة كلها، مصيبتكم في جهلكم وغبائكم.

    والله بي طريقتكم دي ومحاولة ممارسة الفهلوة في السياسة وعاملين فيها ازكياء وتحاولوا تمارسوا التقية وحركات الاسلاميين والكلام الفاضي بتاع الترابي والوهابية ، الاسلام السياسي خلاص انتهى حتى في السعودية تجارة الدين اصبحت تجارة كاسدة، امتلاك القوة ليس في السلاح ، انتوا ما شايفين ناس الشمال بلعبوا سياسة كيف ما عندهم طلقة واحدة بس عارفين كله شيء وفاهمين كل شيء وليهم كلمتهم واحترامهم والكل يعمل لهم الف حساب ، فكروا خارج الصندوق شوية ارجعوا لحكمتكم ومنطقكم البكسر الحجر واطلعوا من جلباب الاسلاميين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..