مقالات سياسية

صفحات غير منسية من ايام وليالي العاصمة السودانية

اين كنا وكيف اصبحنا وامسينا؟
هذه حصيلة ونسة واجترار للذكريات مع رفيق الدرب القديم المتجدد استاذنا الفاضل العزيز معاوية جمال الدين حول اوضاع السودان القديم الذي كان اخانا الكريم علي حد قوله يعتبر نفسه من الاجيال المحظوظة من السودانيين التي نالت حظها و نصيبا معتبرا من ميزة ذلك الزمن الجميل مقارنة بما اصبحنا عليه اليوم من حال و ذبول شامل واضمحلال لكل القيم الجميلة ومن تراجع في المعرفة والتواصل والتفاعل الايجابي مع الاخرين في مختلف بقاع العالم من كل الخلفيات والثقافات..
يقول اخانا الكريم ان مكتبات و”اكشاك” بيع الصحف والمجلات في العاصمة السودانية علي سبيل المثال كانت تستقبل اخر ما تنتجه مطابع القاهرة وبيروت من كتب ومجلات وصحف وكانت عاصمتنا في تلك الايام تستقبل فرق الموسيقية الاوربية في ليالي الخرطوم الحالمة.
قاعات السينما علي سبيل المثال كانت تعرض ارقي افلام الغرب والشرق ومن عبير ذلك الزمن الجميل الليلة الخالدة والغير منسية من ايام العاصمة السودانية في مستهل فترة السبعينات حين استضاف الراحل المقيم الاستاذ علي المك مدير مؤسسة الدولة للسينما في ذلك الوقت الموسيقار العالمي واليوناني الجنسية ثيودوراكس في اول عرض لفيلم “ذد” الشهير الذي تحكي قصته عن سقوط الديكتاتورية العسكرية في اليونان.
وكان مشهدا مؤثرا مازال محفورا في ذاكرة الذين شاهدوه حينما حمل الجمهور السوداني في سينما كولزيوم في وسط العاصمة الخرطوم مؤلف موسيقي الفيلم ثيودوراكس بعد نهاية العرض علي الاعناق في تظاهرة ثقافية وسياسية لها مدلولات كثيرة وتعبر عن وعي الجمهور السوداني بما يجري في الدنيا من احداث وتحولات في منظر بهيج واحتفاء بالقطعة الادبية والفيلم الذي عالج قضية الثورة علي التسلط والديكتاتورية.
خرطوم ذلك الزمن لم تتوقف قبل و بعد ذلك التاريخ عن استقبال المبدعين والادباء والشعراء وكانت قد استقبلت فارس الكلمة العربية الشاعر نزار قباني في العام 1968 ومابعد ذلك التاريخ في فترة السبعينات وسط مظاهر الحفاوة من الجمهور واجهزة الصحافة والاعلام السودانية التي كانت ومع قلة الامكانيات وتواضع تقنيات تلك الايام تضج بكوكبة من المبدعين والمهنيين الذين لايشق لهم غبار من الذين يمتلكون الشجاعة الادبية ولايتهيبون المواقف ومحاورة اولئك الكبار القادمون من وراء الحدود.
ولايسقط من ذاكرة تلك الايام استضافة الخرطوم الانيقة الجميلة لسيدة الغناء العربي الراحلة ام كلثوم وبعد ذلك الزمن لشاعر العامية العربية الابنودي… اما بعد ذلك التاريخ وخاصة علي ايامنا المعاصرة فحدث ولاحرج, ونسال الله ان يرد غربة البلاد الثقافية التي غابت مع اشياء اخري وان يعود التواصل من جديد مع العالم علي كل هذه الاصعدة.
وعلي ذكر هذا الموضوع حدثنا اخ كريم عاش لفترة من الزمن في عاصمة اليمن الجنوبي ومدينة عدن الساحلية الجميلة قبل زمن الوحدة القهرية الذي اخرج ذلك الجزء من اليمن الذي كان سعيدا خارج التاريخ واضحي لاحقا اليمن الشقي الذي ليس له مثيل في الشقاء وقال ان المسرح الذي غني فيه الفنان السوداني الراحل المقيم محمد وردي في عدن اواخر الثمانينات في احتفالات تحرير اليمن الجنوبي قد اصبح اليوم فرن لانتاج الخبز والحلوي مملوكا لاحد بارونات ما يعرف بحزب الاصلاح وزعيمه عبد المجيد الزنداني.
فكيف حال الخرطوم اليوم؟؟
كاتب السطور اعلاه لم يري الخرطوم منذ حوالي ربع قرن اما محدثي الذي قدم قبل ايام قليلة من الخرطوم فيقول:
لقد اصاب الجدب والجفاف كل مناحي الحياة وكل ماله علاقة بالاداب والفنون والثقافة واغلقت دور السينما ابوابها في كل انحاء العاصمة الخرطوم وخلت اكشاك الصحف والمجلات من الاصدارات الجادة والمفيدة وغاب المبدعون العرب عن الاطلال علي السودان واشير هنا والحديث لايزال لمحدثي:
ان المطربة العربية ماجدة الرومي التي تغنت باعذب واجمل الاشعار من الشعر العربي القديم والمعاصر كانت قد الغت زيارة مفترضة الي الخرطوم في اخر لحظة لاسباب مجهولة وعلي شاكلتها اخرون من ادباء وشعراء ومؤلفون.
وبدلا عن اصوات الراحلين وردي وعثمان حسين واحمد المصطفي وتلك الصفوة من الفنانين المبدعين اصبحت تصدع رؤوسنا اصوات نشاز ومنفرة وبدلا عن الادب الغنائي والسياسي واشعار الملاحم الوطنية الرصين انتشر ادب المناحات الجنائزي الذي يعبر عن واقع الخرطوم الحزين والكئيب.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا اخي الفاضل نحن جيل محظوظ اكثر منكم..نحن نقرأ للصوارمي..والظافر..والهندي وفاطمه شاش.. وال البلال…وغيرهمو كثرو…شفته كيف ؟؟؟؟

  2. سبحان مبدل الاحوال، من العالى للدرك الاسفل، من الجنان الى الجحيم. لايكاد الانسان يصدق الى اى درك انحدرنا وانحدرت بنا الحياة حتى استقرينا فى القاع ولم يتوقف انحدارنا بعد!
    يا اخوانا دى مش ياها الابتلاءات البقولوها الجماعة ديل؟

  3. العزيز محمد فضل لك التحية . قالوا تشوف مصيبة غيرك تهون عليك مصيبتك . انا برضو لي ربع قرن لكن لم تهن علي مصيبتي .؟ انت نسيت ليوي ارمسترونق . ملك الجاز ، وجيمي كليف الفنان العالمي السكن في الخرطوم . وكان عضوا في حمد النيل . و52 من سكان الخرطوم كانوا من الاوربييبن . لك التحية . صرنا نبكي بدموع الدم .

  4. وزمن الانجليز كان الاحسن ايضا
    كانو اهلنا الجزارين بجو بالترماي من ابو سعد ويبيعو اللحكم في سوق الخرطوم المركزي لحدي الضهر بس ويصلو الضهر في مسجد فاروق ويرجعو ويخلو اللحم معلق وطاولات العيش ذى ما هي…شبع في القلب وفي العقل
    الانجليز صمموا السودان على سيستم يكون دولة نموذج في المستقبل ..بلد ليبرالي اشتراكي وناس قريعتي راحت جاوب لينا روبابيكيا خان الخليلي..وتهنا وتاهت معانا ام الدنيا وبقينا افشل 3 ثلاث دول في العالم الغنية الموارد

  5. صديقى محمد فضل لقد غابت البسمة من الشعب السودانى واصبحو كالاشباح لا تعرف متى ينامون ومتى يصحون شعب اصبح وقود لمعركة البقاء رد اللة غربتك يا اخى محمد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..