مقالات سياسية

الثورة الثَقافِية المَعرِفية: المَرحِلة الأخيرة للثورة

د. مقبول التجاني

هناك من يَكتفي فقط بمرحلة الثورة السياسية، بطريقة حالمة أشبه بالرومانسية، و البعض الآخر يتحدث عن الدعوات الثورية بصورة ترويجية دعائية، تنطلق من نُقطة إنسداد الأفق السياسي و الإحباط و تبدد الأمل في الإصلاح و التغيير المُجتمعي، للأمم و الشعوب المختلفة، و هُناك من يدعو الي إتْباع الثورة السياسية بثورتين، إقتصادية و ثقافية معرفية.

لكل من تلك الفئات السابقة، من الدعوات و المراحِل الثورية، ما يفسر نظرتها و سلوكها و أهدافها، في علم الثورات و علم الإجتماع و مباحث الفلسفة المعاصرة.

لقد اختلف المفكرون قديماً و حديثاً، في تعريف مفهوم الثورة، و خصائصها و أسبابها و أشكالها و مراحلها، و المَداخِل المؤدية اليها، و ما يسبقها من إشارات و أشرَاط.

إن أي ثورة شعبية لا تستصحب معها رؤية ثقافية معرفية نقدية كلية، و لا يكون هَدفها الأساسي إحداث تغيير عميق جذري وشامل، في الأوضاع الفكرية و الثقافية المعرفية للمجتمع و تمركزاته الإجتماعية الإقتصادية، لا يمكن أن تؤدي في المُحصلة النهائية الي أي تقدم حقيقي و ملموس، للشعب الثائر المَعنِيِ.

هناك من يدعو الي الديمقراطية الليبرالية السياسية، علي أساس أنها شكل فوقي من أشكال الحُكم المدني، لِحل مُشكلة تمركُز السُلطة، بعيداً عن جانبيها الثقافي المعرفي و الإقتصادي الإجتماعي معاً، و ينادي بالليبرالية التعددية كإجراءات سياسية فوقية و ترتيبات جافة آلية، لِحل مُشكلة الحكم و تَداول السلطة، و متجاهلاً لحقيقة أن الديمقراطية الليبرالية عبارة عن فلسفة ثقافية معرفية و نظام إقتصادي إجتماعي متكامل الأركان، له إستحقاقات و مقدمات و نتائج، تبدأ من عقل الفرد الواحد و منظومة الأسرة الصغيرة و بِنية قِيم المجتمع الثقافية، قبل أن يكون لها نتائج و إفرازات و تمظهرات نهائية في البنية السياسية الفوقية.

مما سَبق ذِكرهُ، يتضح لنا أن الثورة الشعبية ليست فقط مجرد تغيير شكلاني فوقي في بنية الحُكم و السلطة، و لا يشترط فيها أن تؤدي الي ديمقراطية سياسية شكلية عاجلة، و إنما يجِب إتْباع الثورة السياسية و الإقتصادية بثورة ثقافية معرفية، و التي تُعتبر مَرحلة مُهمة في تَطور و تَقدم و إرتقاء الأمم و الشعوب، و ضرورية لنهضة أي مُجتمع بشري في جميع أنحاء العالم.

المُشْكِل الأساسِي الذي يُواجه جميع الأمم و الشعوب، هو إجتماعي ثقافي معرفي بنيوي، يؤدي بحركة صيرورته التاريخية و تَفعِيلته البنيوية، الي كل ما تعانيه تلك الشعوب من تفكك و أمراض اجتماعية إقتصادية و أزمات سياسية مزمنة.

ما نحتاج إليه اليوم بِشِدة، هو ثَورة ثَقافية مَعرِفية ضَخمة، تؤدي الي تغيير نَوعي كبير في الحياة الإجتماعية و الإقتصادية والثقافية والفكرية و الفنية و السياسية للمجتمع السوداني، و تكون عن طريق عقلنة و مُحاربة الثقافة و المفاهيم التراثية القديمة البالية التي تُكبل العَقل السوداني مِن التَحرر و الإنطلاق، لِنصل بعد ذلك التَحرر الي نظام إجتماعي إقتصادي ديمقراطي يكون أكثر عَدلاً و تقدماً، و من ثم ينعكس هذا التحوُل الإجتماعي الكبير علي مُختلف نَواحي النشاط و العَلاقات بين البشر في الفضاء العام، بدءاً من علاقات الإنتاج الإقتصادي والتمركز الإجتماعي و تشكيل المؤسسات الإجتماعية الحديثة.

بذلك التغيير الضروري الهام، يتم نَزع السُلطة تدريجياً من يَد الطبقة الإجتماعية القديمة التي تتمركز حول ثقافة التراث البالية، و من ثم تحل محلها في السُلطة طبقات إجتماعية حديثة و نُخب ثَقافية جديدة صاعدة، تكون مُلتزمة بقضايا التنوير و الأنسنة و العقلنة و تحقيق العدالة الاجتماعية.

هذه الثَورة الثَقافية المَعرِفية الإجتماعية التنويرية التي نَدعو لها، لا تتوقف كثيراً على عدد الأفراد المشاركين فيها، بقدر ما تتوقف على التكوين الطبقي والوزن النسبي لتلك الشرائح الإجتماعية المُشارِكة، وعلى درجة وعيها الثقافي المعرفي و الإجتماعي و السياسي، وعلى نوع الروابط و العلاقات المُشترَكَة بينها.

د. مقبول التجاني
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. ( هذه الثَورة الثَقافية المَعرِفية الإجتماعية التنويرية التي نَدعو لها، لا تتوقف كثيراً على عدد الأفراد المشاركين فيها، بقدر ما تتوقف على التكوين الطبقي والوزن النسبي لتلك الشرائح الإجتماعية المُشارِكة، وعلى درجة وعيها الثقافي المعرفي و الإجتماعي و السياسي، وعلى نوع الروابط و العلاقات المُشترَكَة بينها.)
    قول عديل الحزب الشيوعي وكوادرها وريحنا ما تلف وتدور
    عاوزين تعملوا ثورة ثقافية ذي بتاعت ماو تسي تونغ التي اهلكت ملايين البشر من الصينيين وفي النهاية لم تثمر شي ، في الحقيقة كانت الثورة الثقافيةالصينية صراعاً على السلطة عنيف ودموي داخل الطبقة الحاكمة؛ اُعتقل وسُجِنَ فيه الملايين ومات مئات الآلاف. نقل ماو الصراع للشوارع لسبب واحد بسيط : لو تم قصر النزاع على الطبقة الحاكمة لكان خسر المعركة لقد كان المظهر ‘الثقافي’ الوحيد للثورة الثقافية هو ذريعتها. فبدءا من صيف 1967 بدأ الجيش يسيطر على الحكومات المحلية والجامعات والمصانع ويفرض نهاية للقتال بين مجموعات الحرس الأحمر. ومع تعزيز الجيش لسلطته في كل مقاطعة تم تكوين ” لجان ثورية ” محلية لتعلن نهاية الثورة الثقافية في المنطقة. سيطرت القوات المسلحة على تلك اللجان لكنها أيضا اعتمدت كثيرا على المسئولين المحليين الذين كانوا يُسحَلون قبل عام واحد في الشوارع كـ ” أعداء للثورة”. وجاءت مشاركة الحرس الأحمر إما رمزية أو معدومة على الإطلاق. تم إنهاء الثورة الثقافية رسميا في المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني 1969، وبموت ماو واعتقال أقرب مؤيديه، أصبح المسرح خاليا أمام فرقة ” التحديث” بقيادة دينج زياو بنج لفرض سيطرتهم على الطبقة الحاكمة ككل. وبحلول عام 1978 كان دينج قد أزال المعارضة الفعالة المتبقية وبدأ بطريقة منظمة في هدم إستراتيجية ماو الاقتصادية. تم التخلي عن اقتصاد الحصار في مصلحة الانفتاح على الرأسمالية الغربية واليابانية وتطوير “اشتراكية السوق” كالطريق الوحيد لجذب الصين خارج الركود والفقر الذين خلفهما ماو.
    اري ان ذلك سينطبق على السودان وهو ما تريدونه ايها الشيوعيين دون ان تتعظوا بالتاريخ اعقلوا وحافظوا علي البلد من افكاركم البالية العالم اليوم قد تغير وسيطر عليه اقتصاد السوق الحر ومياه كثيرة جرت تحت الجسر لن تعيد الزمن الي الوراء

  2. نعم يفكر البعض في حل إشكالية تمركز السلطة أو الحكم وتداول السلطة من خلال اختيار النظام الديموقراطي الليبرالي التعددي كشكل من أشكال الحكم المدني كحل فوقي، متغافلين عن جوانبها الثقافية المعرفية وتلك الاقتصادية الاجتماعية معاً.
    وبالتالي نقول إنه لا يمكن العودة لممارسة الديمقراطية السودانية السابقة الطائفية والمذهبية السياسية اليمينية منها واليسارية. إنما أفسد وسيفسد الممارسة الديمقراطية في السودان هو وجود مثل هذه الأحزاب الطائفية التي طبعت الحياة الثقافية والاجتماعية علاوة على السياسية بهذه المفاهيم البالية والتي ساهم فيها كثرة مخالطتها للأنظمة العسكرية التي تبادلت معها الحكم بانقلابات عسكرية حقيقية كانت أو مدبرة، فسادت مفاهيم شخصنة السلطة وتغييب دور المؤسسية بسبب هيمنة وتطويع الخدمة المدنية لأمزجة الحزب الحاكم ذي الأغلبية الميكانيكية أو الائتلافية حتى لم يعد هناك فرق بين وضع الخدمة المدنية تحت الحكم الديمقراطي والشمولي معاً. نحن نريد أن نؤسس دولة المؤسسات التي تحكمها القوانين القائمة على مباديء المساواة وعدم التمييز وعلى معايير الكفاءة والمنافسة الشريفة والنزاهة في كل شيء حتى نصل إلى خدمة مدنية طابعها الكفاءة والجودة والتطور الذاتي المغني عن المبادرات الحزبية ويستغنى عنها بنشاطات ومطالبات ومقترحات النقابات في شتى مجالاتها وخلاف ذلك من مبادرات أجهزة التخطيط والرقابة ومقترحات النواب في البرلمان أو المجالس التشريعية.
    إننا ياسيدي قد مللنا مسميات وألقاب مثل رئيس الجمهورية ورئيس الهيئة ومدير كذا حتى ولو مدير مكتب وكافة هذه الألقاب التي تشي عن الشخصنة والانفراد بالسلطة والقرار وهي كلها مصطلحات ارتبطت بالنظام الرئاسي الذي أدخلته الانقلابات العسكرية في السودان واستمرأته الحزبية رغم افتراض ديمقراطيتها لأن في ذلك ما يشبع ميولها الطائفية في الزعامة والتسيد.
    إننا ياسيدي نرغب في نظام حكم ديمقراطي ننسى فيه تصريحات مثل وجه السيد فلان أو أمر أو أصدر قراراً ولو بتعيين شخص! ونسمع بدلا من ذلك قرر مجلس كذا ولجنة كذا وكذا داخل الخدمة المدنية وخارجها ولا نريد لشخص واحد أن ينفرد بأي قرار في أجهزة الدولة حتى في القضاء لا نقبل بمحاكم القاضي الفرد رغم عدم نهائية أحكامها! نريد أن تكون المسئولية جماعية دوماً بالأغلبية المقيدة بالقانون بحيث لا يخرج أي قرار من أي جهة من رقابة القانون فيكون قابلا للطعن فيه دائماً لمخالفة القوانين حتى لو صدر بالإجماع ناهيك عن الأغلبية. إننا نريد بهذا أن تسود ثقافة المؤسسية ونسيان ثقافة الزعيم والقائد الملهم ورئيس الجمهورية ولكن مع الإبقاء على رئيس مجلس الوزراء بشرط أن يكون عمله دائماً في مجلس سواء كان بكامله أو مصغرا لوزراء قطاع معين.
    وأخيراً نريد أن نعرف رأي الكاتب في مدى إمكانية إقامة حكم ديمقراطي بدون أية أحزاب وما حاجة دولة المؤسسات والخدمة المدنية ممثلة للجهاز التنفيذي والسلطة التشريعية ممثلة في نواب وممثلي المناطق الجغرافية والنقابات المهنية والقطاعات الفئوية كالمراة والطلاب الخ

  3. لماذا لم يتم نشر تعليقي يا من تنادون بحرية الراي والفكر ؟؟؟؟؟ لماذا تحجبون من ينتقد الافكار الشيوعية البالية والالحاد وتفعلون عكس ذلك ؟؟ لماذا تضيقون ذرعًا بالرأي الآخر ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..