مقالات سياسية

ثلاثةٌ دمروا السودان

إسماعيل عبد الله

    الصادق والنميري والبشير، لم أتعرض لذكر الترابي ولا الميرغني, لأن الترابي صنعه هؤلاء الثلاثة, فلقد رعاه الصادق واحتضنه اجتماعياً، وفتح له النميري مؤسسات الدولة الاقتصادية على مصاريعها فتمكن, وأنجز له البشير الدولة التي كان يحلم بها، بعكس الميرغني الذي كانت معارضته للنميري وللبشير (قبل نيفاشا) معارضة وطنية شريفة لم تدنس بأزدواجية المعايير ولا بعدم إتساق المواقف، ويكفي أنها أنتجت إتفاقية كوكادام التي وأدها الصادق في مهدها بتواطئه مع الترابي، فحديث رفيق درب الميرغني الشريف حسين الهندي حول إرهاصات تحالف الجبهة الوطنية، يغني من الدفاع عن حزب الميرغني أو محاولة إثبات مواقفه الوطنية التي لا تحتاج إلى محامٍ, لذلك عندما ننظر إلى جوهر الأزمات الوطنية التي مرت بها البلاد منذ وقفة الرجلين الوطنيين الشريفين (ألمحجوب والأزهري) في باحة القصر الجمهوري, وهما يرنوان إلى العلم السوداني (الأصلي) المرتفع عزة وشموخاً وكبرياء لمعانقة السماء, نجد أن جميع هذه الأزمات خرجت من تحت عبائة خطل تفكير هذه الرؤوس الثلاث.

    أيضاً استثنينا الرئيس العسكري الانقلابي الأول (عبود) من ألحاقه بقائمة ثلاثي الشر, وذلك لأن عبود لم يفكر في الإنقلاب إلا بإيعاز من حزب الأمة و رمزه عبد الله خليل بك, وأن عبود لم يتعرض لمتظاهري ثورة اكتوبر بسوء، ويقال أن عبود ومن على شرفة مكتبه بالقصر الجمهوري, سأل الناس عن الحشود الكثيرة الهادرة و الهاتفة بسقوطه, فأخبروه بأن الشعب لا يريده فأجاب بأنه أيضاً لا يرغب في أن يكون على رأس الناس إذا لم يرغب الناس في ذلك, عكس النميري والبشير, فالأول نسبت إليه مقولة (لو أن هنالك شيئاً ندمت على عدم تعلمه لكان هو كيفية قيادة الطائرة), والعهدة على الراوي, قال ذلك عندما خالف تعليماته طياره الخاص بالهبوط على مدرج مطار الخرطوم, عندما اشتعلت شرارة انتفاضة أبريل ضد حكمه المايوي، حينها أراد النميري أن يعيد إلى ذاكرة الشعب السوداني تلك المغامرة الكارثية التي قام بها، بعد خروجه من الحبس الإنفرادي الذي وضعه فيه هاشم العطا قائد الإنقلاب التصحيحي، تلك المغامرة التي سالت بسببها الدماء السودانية بغزارة.

    أما الثاني (البشير) فقد رأى جموع المتظاهرين المحتشدين أمام بوابة القوات المسلحة، فاستدعى الشيخ الضليل كاهن السلطان ليجيز له فتوى قتل المطالبين بإسقاطه، لكن لطف الله قد حل بالأمة السودانية بعدما خالف قائد حرسه الداعم السريع التعليمات، في سيناريو أشبه بسيناريو النميري مع قائد طائرته العائدة من الولايات المتحدة من بعد رحلة للإستشفاء، فالبشير والنميري وجهان لعملة واحدة والفرق بينهما فرق مقدار، يتمثل في عفة يد النميري من الولوغ في المال العام، وتورط يده مع يد البشير في قتل الناس في الجنوب الحبيب وفي دارفور المكلومة، لقد مزق النميري كتيب إتفاق سلام أديس أبابا الذي أوقف الحرب في الجنوب لمدة عشر سنوات دون منطق، فقط لأشباع غرور روحه الناضحة بالقبلية والعنصرية المقيتة، حيث اتفق مع البشير على وصف المناضل القادم من الجنوب أوالغرب بالــــ (عب)، وكانا لايتورعان في لفظ هذه المفردة ذات البعد والكره العنصري المقيت، امام كل من يظهر رباطة جأش أمامهما من المنحدرين من هاتين الجهتين الجغرافيتين البعيدتين.

    نأتي لأبي كلام (الصادق) حفيد الإمام الرمز الوطني الكبير، منذ أن أطل على الساحة السياسية أول ما فعله هو انتهاكه للدستور من أجل سواد عينيه، بعد إقصائه للمهندس والمحامي والأديب والشاعر والدبلوماسي والسياسي المحنك، محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء الشرعي المنتخب الذي أتى به حزب الأمة في الديمقراطية الثانية التي أعقبت حقبة (عبود), وذلك بلي عنق الدستور وتعديل المادة المحددة لسن من يتولى رئاسة الوزراء لكي تكون أقل من ثلاثين عاماً، لتتوافق مع نفس المرحلة السنية والعمرية للصادق في ذلك الزمان، عندما كان المحجوب في عقده الخامس مشحوناً بالوعي والخبرة والنضج السياسي, بينما كان الصادق المهدي يمثل الخريج الجامعي الجديد الذي أراد أن تكون وظيفته الأولى هي حكم السودان، حتى يتعلم الحلاقة على رؤوس أبناء هذا الشعب المسكين.

    ألنميري غيّر علم الاستقلال تماشياً مع ألوان أعلام الدول العربية، وأتاح للمصريين عبر وزير التعليم محي الدين صابر تغيير المنهج الدراسي الذي وضعه الأنجليز، تماهياً مع المناهج التربوية العربية التي هرب أهاليها إلى المدارس الأمريكية والأسترالية والبريطانية والكندية، والدي أطال الله في أيامه كانت الوسطى هي آخر مراحله الدراسية، قبل تدخلات النميري المتهورة التي بدأت مسلسل تخريب العملية التربوية والتعليمية، لكننا (نحن أبنائه) وحتى يومنا هذا وبكل زخم خبراتنا التراكمية في الحياة وعبورنا للمرحلة الجامعية، لا يوجد بيننا واحد يفوقه في جمال الخطين العربي والأنجليزي، ولا في الحرص على اتباع قواعد اللغتين العربية والانجليزية من نحو وصرف و(قرامر).

    لقد مضى النميري وأسقط  البشير ومايزال كورونا العصر يمارس التفريق والتشتيت للكرة السودانية، فلو أنه أناخ بعيره و آوى إلى هيئة شئون الأنصار وتدارس كتب الفقه والسيرة وتذاكر القرآن، لكان خيراً له ولنا ولكفى جماهير الشعوب السودانية رهق البحث عن التوافق الوطني وابرام العقود الاجتماعية والسياسية والثقافية الجامعة والشاملة لكل مكونات أمة الأمجاد.

إسماعيل عبد الله
[email protected]

‫17 تعليقات

  1. خليني أختلف معاك أخي يجب أن تكون جريئا وتقول أن =ك ما ذكرت الميرغني لأنه مثل العنصر الكيميائي الخامل. الشيء فهو وجوده من عدمه واحد إذا حضر لم يضيف شئنا وإذا غاب لم يكن لغيابه أي أثر. الشيء الغريب أن هناك بعض المثقفين ينتمون لهذا الحزب الذي ليس له أي أهداف محددة وزعيمه لا يهش ولا ينش (عجل جسد له خوار)

  2. يا كاتب المقال -لقد نسيت ضم بقية الاسماء التى ساعدت على تدمير السودان(باقان اموم -ياسر عرمان -وقادة الحركات المسلحه ) …الان اتوا بمسمى اخر :قادة الكفاح المسلح .عندما قامت الثوره اصبح جميع السودانيين وكل الاقاليم سواسيه فى الحقوق والواجبات …ولا مانع من نظام فدرالى يعطى كل اقليم حقه فى ظل الوطن الواحد وقوات مسلحه قوميه لا تفرط فى شبر واحد من الدوله وتضرب بيد من حديد على كل عابث يريد ان يمزق الوطن .

    1. اخي الكاتب انا من جيل مايو ( نميري) وهذه الفترة اعتقد بانه افضل فترات الحكم التي عشتها في السودان من كل النواحي التعليم والثقافة وووو الخ
      ولم بكن هنالك اي تفريق عنصري او جهوي
      فكيف يكون نميري من ضمن الثلاثة الذين زمروا السودان وهو عندما ازيح عن الحكم كان لا يمتلك حتي منزل ولا رصيد بالبنك وحتي الآن زوجته بثينة لا تمتلك بطاقة علاجيه ولا معاش

    2. ضياع السودان ابتدا قبل ذلك وتحديدا منذ ان بدأت المؤامرات بواسطة حزبي الامة والاتحادي لازاحة الازهري وتم تسليم الحكم لعبود من يومها قتلت الديمقراطية وابعدت الطبقة المتعلمة مو الحكم وصار في ايدي الرعاع جاء الصادق وازاح المحجوب وتمت الناقصة.
      عبود بتحمل َوزر حرب الجنوب قبل نميري فهو من اشعلها بسبب القتل الوحشي للجنوبيين والذي صار من الصعب عليهم نسيانه فيما بعد كما يتحمل ايضا وزر انه اول من بدا سنة الاعدامات السياسية
      نميري يتحمل كذلك وزر استشراء الفساد في الدولة وعدم ردع منسوبيه والموظفين في عهده وليس صحيحا انه كان عفيف اليد فقد اثبتت المحاكمات انه كان يحتفظ بحسابات في بنوك اجنببة وانه كان ضالعا في صفقات مشبوهة لبيع البترول الخليجي مع وزيره شريف التهامي ورجل الاعمال خضر الشويف رحم الله ااجميع على كل حال.

    1. ياناس مدمر السودان اسمة الصادق المهدي نصيب الترابي زعيم الفتنة وعنصري حتي النخاءوجبان كبيرة وانتهازي كبير وكذب كبيرة ومهوس سياسي فاشل وتجارة شعارت وكسلان …مزور التاريخ ..

  3. انا مقتنع بنظرية المؤامرة .
    بدون تحديد ، توجد اطراف خارجية لا تتمنى لهذا البلد التقدم والازدهار والحاجة دي حتى تكون مقنعة تكون بايدي سودانية .

  4. يا اسماعيل عبدالله أنت كعادة عيال دارفور تسوقنا خطوتين للامام ، وما نصدق نفرح ونحتفي بك والا ترجع ثلاثة خطوات للخلف، لماذ تتجازب قلمك عدة اتجاهات متضادة وكأنهم اسماعيل الماضي والحاضر والمستقبل، الواحد يخاف يوقف معك ويندم بكرة. لانه مواقفك متضاربة مافيها مبدائية ثابتة.

  5. اتفق مع الكاتب بان للسيد الصادق المهدي دور كبير في تدمير السودان , يقر السودانيون جمعيا بان مشكلة جنوب السودان خلقتها المستعمر, لكن مشكلة دارفور وما شهدتها من الاحداث هي صنيعة النخب السياسية السودانية وفي مقدمتهم السيد المهدي في عهد الديمقراطية الرابعة (1985_1989): حين رفعت تنظيم سري جهوي مذكرة باسم القبائل العربية في دارفور الي السيد الصادق, رئيس الوزراء في ذلك الوقت, تلك المذكرة لولاها لما كانت اليوم في تمرد في دارفور, ولا كان في دعم سريع , حرق القري, ……..الخ.

  6. اقتباس:
    ثلاثةٌ دمروا السودان: الصادق والنميري والبشير…
    التعليق:
    ثلاثةٌ دمروا السودان: الصادق، والصادق المهدي ، والامام/ الصادق المهدي…

  7. اعتقد بالاضافة للاسماء المذكورة كان للمحجوب دور عظيم في دمار السودان: فهو التجسيد للمثقف العروبي الذي فاقم مشكلة الجنوب وتوجهاتهه العربية الصارخة والغير مدروسة ايعدت السودان عن التوازن السياسي واضاعت فرصة عقد الستينات الثمين

  8. يالاضافة للسياسين الخالصين هناك ايضا مثقفين تسببوا في ضرر بالغ لتطور السودان وعلي راسهم العروبي محمد احمد المحجوب ممن بذروا بذرة فصل الجنوب الاولي و الحطورة في حالتهم ان الشعب لايزال يمجدهم

    1. هؤلاء دمروا و انت اصلحت شنو؟؟ مشروعك شنو للاصلاح؟ الا يوجد في المدينة رجل رشيد !!!!

  9. الاستاذ اسماعيل
    راجع معلوماتك حول كذبة تعديل الدستور ليصبح الصادق رئيس وزراء حتي لاتفقد مصداقيتك ككاتب
    لم يحقق حزب الامة طوال مسيرته اغلبية تمكنه من تعديل الدستور لكن ماجرب هو تنازل احد نواب حزب الامة للصادق المهدي عندما بلغ الثلاثين ليتمكن من دخول البرلمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..