حزب العموم السوداني ينعى ضحايا حادث مرور شنقل طوباي ويُخاطب الوجدان السوداني

أن نترحّم على الشهداء والموتى فهو واجب فرضته المعتقدات وأكّدته الديانات ورسّخته الإنسانية وأصبحت الممارسة وُحْدَة من جملة وحدات الأخلاق. رحم الله الذين فاضت أرواحهم نتاجاً للحادث المروري البشع في تخوم شنقل طوباي، وألهم أسرهم وسائر أهل المنطقة خاصة ودارفور السودان عامة، الصبر وحسن العزاء.
فلا تكاد تسمع أو تقرأ كلمة (دارفور)، إلا وطرقت مسامعك طبول الرعب وأصابتك رعشة خوف وسبقت عيناك مسحة حزن، لأنك بعدها حتماً تتوقع موتاً أسبابه إما تعدّي قوات نظامية أو مليشيات أو فالتين على مواطنين أبرياء، أو قتال بين قبيلتين أو وباء أو حادث مروري، حتى أصبح الموت ودارفور صنوان لا يفترقان، وينتهي بك الأمر إلى علامات استفهام كبيرة وأسى.
هذا الذي يحدث لإنسان دارفور، يجب أن يهز كيان أعتى قساة القلوب في البشرية، ناهيك عن أن ما يفعله الآن من همس ناعم في مسامع مسئول أو مواطن في هذا الوطن السودان ولا تُحس بالتجاوب إلا لماما. لا نريد هنا أن نُلقي باللائمة على أحد في حادث مروري، ولا نبحث عن إنسان متّهم ليحاسب، ولكن نريد أن نقرع الأجراس عالية في مسامعنا جميعاً، مواطن دارفور أولاً والحكومة ثانياً وسائر إنسان السودان ثالثاً، بأن اشتكاء عضو من جسد هذا الوطن، إذا لم يتداع له سائر الجسد بالسهر والحمّى، فتلك دلالة على أنه حتى شعيرات التواصل بين الإثنين حتماً ميّتة، ناهيك عن باقي الهيكل وأوردته.
إن دارفور ظلّت تنزف دماً ودموعا، ولم يعد في مآقي الصغار والكبار فيها من بقية من هذا أو ذاك، حيث جفّت وأصبحت يابسة. هناك حاجة لعمل فوق العادة، لا بد من استنفار يختلف في مضمونه وطبيعته يستهدف الأوكار التي تتسلل منها المآسي، إلى ليس فقط دارفور ولكن أيضاً في كل السودان. إن اجتثاث منابت تلك المخاطر، ضرورة قصوى على كل شيء، لأنه بدون ذلك لن يبقى شيء ليحيا في السودان.
ظللنا وطوال فترة هذه الجائحة نردد، أن الأولوية هي لمكافحتها، حيث إنه لا صوت يجب أن يعلو على التصدّي لمصدر الموت الآني الذي جسّد مضمون قوله تعالى أنه الآن أقرب إلى كل إنسان من حبل الوريد. وأن مكافحة هذا الوباء في ظل ظروف السودان التي لا تخفى عليكم، يمكن أن يصيب نجاحاً بأمرين اثنين، التزام البقاء في المنازل مع اتّباع الإرشادات الوقائية والصحّية، وتفعيل قيمة التكافل لتوفير حاجة الفقراء وأصحاب الفاقة في المجتمع، وكل هذا هو في يد المواطنين على مستوى الأسرة والحي أو القرية، ونكرر ضرورة تفعيل الوسيلتين آنفتا الذكر، ونذكّر الحكومة برغم ضعف امكاناتها بضرورة توظيف القليل الذي لديها بعدالة وشكل أمثل وفقاً للأولويات التي تفرضها المخاطر بمكانها وزمانها.
أن يقع حادث مروري في طريق قروي في منطقة سافنا فقيرة وشبه صحراوية، أي كلها مفتوحة للمسارات، ويروح ضحيته أكثر من خمسين شخصاً إلى جانب المصابين، لهو أمر يدعو للتوقّف عنده، لذا ننادي الجهات المعنية رسمياً، وأيضاً المنظمات المختصّة والباحثين بضرورة بحث إشكاليات الوطن بأسس سليمة لتحديد مواضع الخلل التي تساعد الحكومة على وضع المعالجات الناجعة، هناك خلل مركّب بعدّة عوامل ونأخذ هذا الحادث مثلاً دون حصر، ونذكر بعضها هنا: –
1- الطرق غير المعبّدة، ولا أعني هنا أن تكون مسفلتة، بقدر ما أعني أن تكون ممهّدة للسير عليها بأمان.
2- سائقين بلا تأهيل وخبرة كافية ولا يخضعون للمعايير المفترضة وفقاً للنظم.
3- قيادة السيارات وخاصة الباصات السفرية بتهوّر واستهتار بأرواح الناس.
4- ضعف صيانة السيارات وضعف القدرات الفنّية في ورش الصيانة.
5- عدم توفّر قطع الغيار الأصلية.
6- جشع بعض ملّاك الباصات والشاحنات بإرهاق السائقين بمطالبتهم فوق طاقتهم.
7- في أغلب الأحيان، غياب تام للعلامات المرورية الرأسية والأفقية في مثل تلك الطرق.
8- ضعف الوعي لدى المواطنين وخاصة الرعاة حيث في أي لحظة يمكن للماشية العابرة أن تتسبب في حوادث.
9- عدم وجود حماية وتنبيه في المناطق التي يتواجد فيها عبور متكرر للحيوانات البرّية.
إن نجاحنا جميعاً في تجاوز التحديات التي تحيق بنا من كل جانب، يقتضي النيات الصادقة والأمانة، ونكران الذات، وتغليب روح الانتماء لهذا الوطن أولاً وآخراً. هذا الحديث معنيٌ به في المقام الأول، الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني باختلاف تكويناتها، وقيادات المؤسسات العسكرية، وبالطبع وثانياً كل المواطنين. بغير توفّر هذه الاشتراطات، لا يمكن العبور من نفق التحديات بسلام، وسيصبح الوطن كله رهينة للأطماع وستولّد الأطماع الكراهية، وستنشر الكراهية الصراعات، وتنتهي الصراعات بعجز الجميع عن تحقيق أي شيء إلا الخراب، حينها ستصبح المآسي التي ألمّت بهذا الوطن من قبل وكأنها نُزهة لما يمكن أن يصيبها. هذا ليس تشاؤماً، ولكنه تنبيه، لا نريد لأحد أن يأتي ويحاول التقليل من المخاطر بمجرد عبارات تخدير.
نكرر ترحّمنا على أرواح ضحايا الحادث، بل وكل الضحايا للأحداث التي سبقت آخرها تلك التي حدثت في تلس وما حولها وفي كسلا وفي كادقلي وغيرها من المناطق، ونسأل الله لهم القبول والمغفرة، وأن يلهم أسرهم الصبر وحسن العزاء وسائر المواطنين معهم، وأن يقينا جميعاً الشرور ما ظهر منها وما بطن، فلنصطف جميعاً ونتآزر ليبقى الوطن وفيه نحيا.
حزب العموم السوداني
23 مايو ٢٠٢٠م
[email protected]