فضيحة السناتور إدواردز..أشهر محام أميركي لا يدافع عن نفسه

واشنطن: محمد علي صالح

أنهى الاتهام مرافعته التي استمرت عشرة أيام في شارلوت (ولاية نورث كارولينا) في قضية السناتور السابق جون إدواردز، الذي كان يريد أن يترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي في 2004، ثم في 2008، وذلك بتهمة الفساد، لاستغلاله أموال الحملة الانتخابية سنة 2008 لإخفاء علاقة جنسية مع مساعدة له أدت إلى حمل العشيقة وولادة طفلة.

وقالت مصادر إخبارية أميركية إنه، مع بداية الأسبوع، سيبدأ محامو الدفاع مرافعاتهم وتقديم الشهود. لكن السناتور إدواردز لن يتحدث. وبدا ذلك غريبا. لأن إدواردز، قبل أن يصبح سياسيا ويدخل الكونغرس، كان واحدا من أشهر المحامين الأميركيين. كسب قضايا كبرى، وكتب كتاب «فور ترايالز» (أربع قضايا) عن القضايا الرئيسية التي كسبها. وربح عشرات الملايين من الدولارات. ساعدته هذه الأموال، مع فصاحة لسانه، ووجهه الجميل، وملابسه الأنيقة، ووده المصطنع أحيانا، على الفوز في انتخابات الكونغرس، وساعدته في انتخابات الرئاسة التمهيدية، حتى اكتشفت الفضيحة الجنسية.

لكن هذه ليست فضيحة جنسية سياسية عادية.. ليست مثل علاقات الرئيس السابق بيل كلينتون الجنسية بسكرتيرات ومساعدات، عندما كان حاكما لولاية أركنسا، ثم عندما كان في البيت الأبيض (خاصة سكرتيرة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، سنة 1998). في ذلك الوقت، وقفت إلى جانبه أمام كاميرات التلفزيون زوجته هيلاري كلينتون (وزيرة الخارجية الآن)، وقالت إنها لن تطلب الطلاق، وتريد فتح صفحة جديدة..

وليست مثل علاقة إليوت سبتزر، حاكم سابق لولاية نيويورك.. بعيدا عن زوجته، ومن وقت لآخر، كان يأتي إلى فندق «مايفلاور» الراقي في واشنطن ليقابل واحدة من بنات الهوى اسمها «كريستين». واكتشفت الفضيحة (سنة 2008) بسبب أوراق ضرائب قدمها قال فيها إن زياراته إلى واشنطن كانت لأغرض رسمية، وطلب خصم تكاليفها من ضرائبه السنوية. في ذلك الوقت، وقفت زوجته إلى جانبه عندما أعلن استقالته.. واختفى عن الأضواء..

وليست مثل فضيحة مارك ستانفورد، حاكم سابق لولاية ساوث كارولينا، الذي قابل «إيفيتا» الأرجنتينية على صفحات الإنترنت، وكان يسافر سرا إلى الأرجنتين ليقابل من كان يصفها بأنها «مجرد صديقة». واكتشفت العلاقة الجنسية عندما اختفى لأيام من المقر الرسمي، وكان كونغرس الولاية يريد منه التوقيع على قانون مهم عن المشكلة الاقتصادية. في ذلك الوقت، لم تقف زوجته إلى جانبه، وطلبت الطلاق، وكتبت كتابا عن الموضوع، واستقال واختفى عن الأضواء..

وليست مثل آخر الفضائح الجنسية السياسة، في السنة الماضية: هيرمان كين، رجل الأعمال ومليونير البيتزا الأسود الذي ترشح في الانتخابات التمهيدية لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. وكان مثيرا لأنه جمهوري أسود، ولأنه مناكف، ولأنه انتقد القيم الأخلاقية العائلية لمنافسيه في الانتخابات التمهيدية (مثل نيوت غينغريتش، رئيس سابق لمجلس النواب، كان تزوج عشيقته بعد أن طلق زوجته وهي في المستشفي تعالج من السرطان).. لكن، كشفت بيضء شقراء أنها كانت عشيقة كين الأسود. في ذلك الوقت، وقفت إلى جانبه زوجته السوداء، ودافعت عنه، لكنه استقال، واختفى عن الأضواء..

بعض فضائح هؤلاء الحكام والسياسيين ظهرت أفلاما سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية، وبعضها في الطريق. لكن، فضيحة السناتور إدواردز يمكن أن تكون أكثر الأفلام والمسلسلات إثارة لأنها فضيحة داخل فضيحة داخل فضيحة.

في سنة 1979، تزوج المحامي الشاب الأنيق جون إدواردز زميلته المحامية الجميلة إليزابيث التي كانت زميلته في كلية القانون في جامعة نورث كارولينا. (في وقت لاحق أنجبا ولدا وبنتين: ويد، كيت، إيما).

بقي المحامي والمحامية في ولاية نورث كارولينا. وتخصص الزوج في قضايا تعويضات طبية؛ ضد شركات تأمين بسبب فساد في طرق تعويض المرضى، وضد أطباء بسب أخطاء في عمليات جراحية وجرعات أدوية. في سنة 1985، كسب قضية تعويض قيمتها أربعة ملايين دولار ضد طبيب (أعطى مريضا دواء أثر على شرايين مخه). بعد سنتين، كسب قضية أخرى قيمتها سبعة ملايين دولار (ماتت المريضة لأنها لم تلد بعملية قيصرية). وهكذا، خلال خمس سنوات، كسب أكثر من عشرين قضية، بلغت جملة تعويضاتها أكثر من ستين مليون دولار.

وقرر أن يتحول من المحاماة إلى السياسة، وبسهولة، فاز بعضوية الكونغرس في مجلس النواب، ثم في مجلس الشيوخ، ثم حاول أن يترشح لرئاسة الجمهورية، في سنة 2004 في الانتخابات التي ترشح فيها السناتور الديمقراطي جون كيري ضد الرئيس جورج بوش الابن. ثم في سنة 2008، في الانتخابات التي ترشح فيها باراك أوباما ضد السناتور الجمهوري جون ماكين.

في انتخابات سنة 2004، أعلنت زوجته إليزابيث إصابتها بسرطان الثدي (وزاد العطف عليها شعبية زوجها). وفي انتخابات 2008، أعلنا أن سرطان إليزابيث تطور (ومرة أخرى، زاد العطف عليها شعبية زوجها).. لكن، ما لم يعلنه الزوج هو علاقته الجنسية السرية مع ريلي هنتر، مسؤولة التغطية الإعلامية التلفزيونية في حملته الانتخابية. في وقت لاحق، عندما كشف صحافيون العلاقة، كشفوا أن الزوجة كانت تعلم بالعشيقة. على أي حال، بعد سنتين، توفيت الزوجة، لكن، استمر الصحافيون يكشفون مزيدا من التفاصيل.

رغم أن صحيفة «ناشيونال إنكوايارار» الأسبوعية تعتبر صحيفة فضائح، وبعضها مبالغ فيه، فإنها تنشر أحيانا فضائح حقيقية عن المشاهير من حكام وسياسيين ونجوم فنون ورياضة.. كانت أول من نشر العلاقة الجنسية السرية بين إدواردز وريلي هنتر. وسارع إدواردز الفصيح وعقد مؤتمرا صحافيا ونفى فيه ذلك. وقال: «كما تعرف كل أميركا، أنا رجل عائلة محترم وأخلاقي».

ثم نشرت الصحيفة أن العشيقة حامل، ثم نشرت أنها وضعت بنتا سمتها «فرانسيس»، ثم نشرت أن إدواردز زارها في فندق «بيفرلي هيلز» في هوليوود.. وهكذا، بدأت التفاصيل تتوارد، وكأنها مسلسل تلفزيوني. بعد ثلاث سنوات من أول خبر، وقبل سنة من وفاة زوجته، عقد إدواردز مؤتمرا صحافيا اعترف فيه بما فعل.. في الحقيقة، عقد مؤتمرين صحافيين عن اعترافاته؛ في الأول، اعترف أن ريلي هنتر عشيقته، لكن الطفلة ليست طفلته. وفي الثاني، اعترف أن الطفلة طفلته.

لكنه ربما ما كان سيفعل ذلك لولا ظهور حلقة أخرى في الفضيحة، وهي أن كبير مساعديه آندرو يونغ، كان تطوع ليدعي أنه هو عشيق ريلي هنتر، وأنه هو والد الطفلة فرانسيس. واستقال، وأعلن أنه سيكتب كتابا عن الموضوع، وفعلا أصدر كتاب: «السياسي: القصة السرية.. كيف سقط السناتور إدواردز بسبب الفضيحة»، وصار واضحا من العنوان أن الكتاب فيه تفاصيل كثيرة.

ومنها تطوعه ليدعي أنه والد الطفلة بعد اتفاق مع إدواردز، بهدف عدم التأثير على حملته الانتخابية. ومنها أن زوجته، شيري يونغ، هددت بالطلاق إذا تطوع بالنيابة عن إدواردز، لكنها لم تفعل ذلك، بعد أن قال لها إن إدواردز سيضاعف راتبه، وإن إدواردز، إذا فاز نائبا للرئيس أوباما، سيعينه كبير موظفي نائب الرئيس في البيت الأبيض.

في الأسبوع الماضي، بدأت محاكمة إدواردز. طبعا، ليس بسبب العلاقة الجنسية، لأن القانون الأميركي لا يمنع أي علاقة جنسية بين بالغين وبالتراضي. لكن، لأن لجنة الانتخابات، خلال مراجعة مصروفات حملة إدواردز الانتخابية، لاحظت أن هناك تبرعا بمائة ألف دولار من ثرية في ولاية نورث كارولينا وأن التبرع لم يذهب إلى الحملة الانتخابية، ولكن للصرف على حمل، وولادة، وتربية باسم «ريلي هنتر» (كما كشفت التحقيقات في ما بعد).

وحسب أوراق المحكمة التي قدمها الاتهام، كان كبير الموظفين يونغ هو حلقة الوصل بين العجوز الثرية وبين العشيقة، وهو الذي صرف الشيك (عرض الاتهام صورة شيك بمائة ألف دولار أمام المحكمة)، وهو الذي كان يعطي العشيقة «راتبا» شهريا.

وخلال أيام المحكمة، لم تكن هناك مفاجآت كثيرة، لأن صحيفة «ناشيونال إنكوايارار» وكتاب «السياسي» نشرا تفاصيل كثيرة.

لكن، كان هناك كثير من البكاء.. بكاء كيت، بنت إدواردز التي فقدت أمها، وها هو والدها ربما سيسجن لسبع سنوات، لكنها ظلت تحضر كل يوم إلى المحكمة (مثل والديها، صارت محامية)، غير أنه، في أحد الأيام، نصحها أن تخرج من قاعة المحكمة سريعا، لأن الاتهام كان سيقدم شاهدة للتحدث عن اليوم الذي عرفت فيه والدتها بالعلاقة الجنسية. كانت في مطار تنتظر طائرة مع زوجها، وأمام الناس، لعنته وشتمته، واستغربت لأن العشيقة، الموظفة في حملة زوجها الانتخابية، كانت صديقتها. وفي المطار، كشف الزوجة صدرها، وأبانت أثار العملية الجراحية التي أزالت ثدييها بسبب السرطان، وقالت له: «هل هذا هو السبب؟».

الشرق الاوسط

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..