عربي | BBC News

فيروس كورونا: ماذا تعني الأحلام الغريبة التي تراودنا في مثل هذه الأوقات الصعبة؟

شغلت الأحلام حيزا كبيرا من اهتمام الفلاسفة لقرون، فمنهم من رأى أنها رسائل إلهية، ومنهم من اعتبرها وسيلة لإطلاق العنان للطاقة الإبداعية. وبعد ظهور التحليل النفسي، أضحت الأحلام مدخلا للولوج إلى العقل الباطن.

وقد ذكر كثيرون أنهم في الأسابيع الأخيرة يرون أحلاما أكثر حيوية وغرابة من المعتاد، وقد تبدو الآن الفرصة سانحة لاستكشاف الطرق التي جُسدت بها الأحلام على مر قرون، وربما نجد بعض التجارب المحيرة الشبيهة بتجاربنا.

لكن لماذا تراودنا الآن أحلام مفعمة بالأحداث والتفاصيل؟ تقول فيليبا بيري، معالجة نفسية، إن الوضع الحالي غير مسبوق، وتنتابنا حياله مشاعر جديدة تماما، وقد ينسج الدماغ تفسيرات وقصصا عديدة لاستيعاب هذه المشاعر التي لا نراها في الأحلام في صورتها البسيطة المباشرة، لكنها تتجلى في صورة رمزية.

وعُرفت لوحة “الرؤيا” للفنان ألبريخت دورر في عام 1525 بأنها أول تجسيد فني لحلم شخصي في الفن الغربي. ويظهر في اللوحة، التي يبدو أنه رسمها بالألوان المائية على عجل بعد الاستيقاظ، ماء منهمر يتدفق من السماء ويبتلع دورر، ويقول إنه عندما استيقظ وجد جميع أطرافه ترتعد ولم يستعد هدوءه إلا بعد فترة طويلة.

ورغم أن بيري تقول إنه لا يوجد قاموس معتمد لتفسير الأحلام، فقد اكتشفت بعد عقود من التدريب والممارسة أن بعض الأشياء التي تظهر في أحلامنا لها معان ودلالات معينة. فالمياه في الأحلام مثلا ترمز إلى المشاعر. وترى أن دورر كانت تغمره مشاعر جياشة.

وقد طلبت بيري من متابعيها على موقع تويتر مؤخرا أن يصفوا لها أحلامهم، وتقول إن معظمهم ذكروا أنهم كانت تغمرهم المياه.

لكن على الرغم من أن عصر النهضة أثار الشغف بدراسة الأحلام في ضوء الفلسفة القديمة، كانت التأويلات الوثنية للأحلام تصطدم مع الفكر المسيحي المتشدد السائد آنذاك. واتسمت معظم اللوحات عن الآحلام في هذا العصر بالطابع الإنجيلي.

ولاقت لوحات أحلام يعقوب وتأويل النبي يوسف لحلم فرعون للفنان رافائيل التي رسمها على سقف القصر الرسولي بالفاتيكان في عام 1518، استحسانا كبيرا. وكانت الأحلام المفعمة بالرموز تبدو في اللوحات كأنها تطفو في السماء، للتأكيد على أنها تستعصي على إدراك الإنسان العادي.

رسم هيرونيموس بوش وأتباعه لوحات مخيفة عن الجنة والجحيم، مثل "رؤيا تونديل" التي رسمها أحد أتباعه في الفترة من عام 1520 إلى 1530
رسم هيرونيموس بوش وأتباعه لوحات مخيفة عن الجنة والجحيم، مثل “رؤيا تونديل” التي رسمها أحد أتباعه في الفترة من عام 1520 إلى 1530 ALAMY

واستوحى الفنانون من الميثولوجيا الإغريقية وجود علاقة بين الأحلام وبين الإلهام، كما في لوحة لورينزو لوتو “أبولو النائم وربات الفن والأدب التسع الملهمات” في عام 1549. إذ بدا أن ربات الأدب والفن الملهمات انتهزن فرصة نعاس أبولو ليخلعن ملابسهن ويمرحن في البساتين المجاورة، في إشارة إلى الطاقة الإبداعية التي قد يفجرها النوم.

ولاقت لوحات هيرونيموس بوش المرعبة التي تصور الجنة والجحيم صدى واسعا، إذ استطاع بوش أن يجسد بدقة الكوابيس التي قد تراود الخطائين لردعهم عن ارتكاب المعاصي من خلال تصوير المصير الذي ينتظرهم إذا لم يتوبوا. وخير مثال على ذلك، لوحة “رؤيا تونديل” التي رسمها أحد تلامذة بوش في الفترة ما بين 1520 و1530، ويظهر فيها فارس آثم يحلق فوق الكابوس الذي يراوده عن الجحيم.

وتراجعت في عصر التنوير شعبية الأعمال الفنية التي تجسد الأحلام، لكن في نهاية القرن الثامن عشر رسم هنري فوسيلي لوحة “الكابوس” في عام 1781، التي عدت من أشهر الأعمال الفنية التي تجسد الأحلام. ويرى البعض أن هذه اللوحة غير المسبوقة تنبأت بظهور نظريات التحليل النفسي لسيغموند فرويد رغم أنها لا تزال تستعصي على التفسير.

وترى بيري أن اللوحة لا تصور الرعب الذي ينتاب المرء في الكوابيس فحسب، بل إن وضع المرأة مسلوبة الإرادة، وتحديق الحصان المفرط إلى ساقيها المنفرجتين، وجلسة الجني أمامها، كلها تشي بالاستهانة بالمرأة في الأحلام الجنسية التي تراود الرجال، أو بأن أحلامنا والتخيلات الجنسية التي تراودنا كثيرا ما تنطوي على إساءة للجنس الآخر.

ارسم أحلامك

تصور لوحات الأحلام السريالية، مثل لوحة "تحول نارسيسيوس" لسلفادور دالي عام 1937، التفاعلات النفسية في الأحلام
تصور لوحات الأحلام السريالية، مثل لوحة “تحول نارسيسيوس” لسلفادور دالي عام 1937، التفاعلات النفسية في الأحلام ALAMY

أعاد الفنانون الرمزيون الأحلام إلى واجهة التعبير الفني. وكان غوستاف مورو، وأوديلون ريدون يتخذان من الأحلام سبيلا لكشف رموز الواقع وأسرار الوجود. وفي عام 1882، رسم ريدون منطادا في صورة عين يرفع رأس رجل إلى السحاب، في إشارة إلى الصور المتناقضة وغير المترابطة التي كثيرا ما نراها في أحلامنا. وأثرت الحركة الرمزية على المدرسة السريالية.

وكان كتاب تفسير الأحلام لسيغموند فرويد هو مصدر الإلهام الرئيسي للحركة السريالية. ويرى فرويد أن الأحلام هي أحد أشكال التعبير عن تحقيق الأماني تشوهها الرقابة الذاتية على الصور التي لا يجد لها الحالم معنى. ورأى أن كشف المعاني الخفية للأحلام قد يساعد المحللين النفسيين في علاج مختلف الأمراض التي يشكو منها المرضى.

ورأى السرياليون أن الأحلام وسيلة لإطلاق العنان للتعبير الإبداعي والتمرد على الثقافة البرجوازية الأوروبية التي سادت في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وكان الحلم في اللوحات السريالية، مثل لوحة جورجيو دي شيريكو، وماكس إرنست، يتخذ شكل ألغاز تتحدى رؤية المشاهد للواقع.

ورغم أن أفكار السرياليين كانت تحير فرويد في البداية، إلا أن لوحة سلفادور دالي “تحول نارسيسيوس”، أسهمت في إقناعه بالعدول عن رأيه. إذ كان الإبهام والسبابة اللذان يمسكان بالبيضة المشقوقة، يرمزان إلى نارسيسيوس الذي يتأمل بركة المياه، وخرجت من هذه البيضة وردة النرجس.

وفي عام 2017، طلبت بيري من الجمهور أن يسردوا لها أحلامهم ثم يرسمونها على الورق.

واستخدمت بيري مع المرضى نوعا من العلاج النفسي، يتضمن إخبار المريض بأن يعيد سرد أحلامه لنفسه من وجهة نظر مكونات الحلم. وتكمن الفكرة في أن يشعر المريض بأن كل شيء في الحلم هو جزء منه، ومن ثم سيرى الأمور من منظور عناصر الحلم المختلفة، وبذلك سيتمكن من فهم نفسه بوضوح.

وتنصح بيري في حالة رؤية أحلام مفعمة بالأحداث أو كوابيس، برسم الأحلام أو كتابتها لمساعدتك في فهم المشاعر والأحاسيس التي تنتابك في الحلم، وبذلك ستستعيد السيطرة على مشاعرك.

وربما يساعدنا ذلك أيضا في إطلاق العنان لطاقاتنا الإبداعية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..