أخبار السودان

مرضي الفشل الكلوي…تفاصيل زيارة مفاجئة.. (تحقيق)

تقرير:محاسن احمد عبدالله

قادني شغفي بالعمل الصحفي بالرغم من ظروف الحظر و (بعبع) الكورونا لزيارة مركز غسيل الكلي الذي يوجد داهل المستشفي الأكاديمي و الالتقاء بعدد مقدر من مرضي الفشل الكلوي الذين يجلسون تحت رحمة ماكينات الغسيل و الابتسامة لا تفارقهم و الأمنيات بان يمن الله عليهم بعاجل الشفاء .

(١)
لم تكن الرحلة عادية بل كانت مليئة بالدروس و العبر و الانسانية التي أكدت لي أن الإنسان السوداني ما زال بخير بالرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر بالبلاد إلا أن معدنه اصيل لم تؤثر فيه تلك الظروف بل جعلته أكثر يقينا و إنسانية.

(٢)
جاءت فكرة الزيارة بسبب جار يقطن بذات الحي الذي نسكن فيه يعاني من مشاكل في الكلي فكان أن قرر له الأطباء جلسات غسيل و هي احدي الحلول الطبية لما يعانيه،ذات صباح أرتدي شقيقي الأصغر(يوسف) ملابسه مسرعا و اخرج السيارة من المنزل و بدأ في تدويرها علي غير العادة لانه في اجازة بسبب ظروف الحظر، هرولت نحوه و سالته (ماشي وين؟) فكانت الاجابة التي هزتني (ماشي لي فلان عشان عندو جلسة غسيل و عربيتهم متعطلة و بعدها سناخذ معانا واحد من آخر الشارع و واحد من جبرة لأنهم التلاتة عندهم جلسة غسيل).

(٣)
قررت الذهاب معه الجلسة المقبلة لنقل ما يحدث داخل مركز الغسيل و نقل المعاناة و ذلك بعد أن اخبر من يرافقه للغسيل بمهمتي ،و بالفعل هذا ما حدث في اليوم المحدد ارتديت الكمامة و القفازات صباح يوم الثلاثاء و توجهنا ناحية جارنا فوجدناه في انتظارنا مرتديا كمامته القي علينا التحية دون مصافحة طبعا و كان الاعياء باديا عليه ،رحب بي و تحركت السيارة و بدا حديثه معي عن معاناته مع الضمور الذي إصاب كليته و عن إرهاق الغسيل و أنه يحاول زرع كلية لتربحه من ذلك العناء،فجاءة اوقف اخي العربة جانبا وقتها اقترب منا شاب نحيل الجسم يرتدي كمامة يحمل في احدي يديه (كيس) مليء بالأدوية علمت بأنه المريض الثاني الذي سيرافقنا للغسيل بالفعل صعد في المقعد الخلفي بجوار رفيقه في الغسيل،فيما تقدم الثالث أمامنا الي المركز.

(٤)
تعرفت علي الشاب و تحدث الي:( اسمي ضرغام محمد علي اعمل موظفا بجامعة امدرمان ظللت اغسل كليتي منذ سبع سنوات حتي الآن،اشتريت كلية من مصر و زرعت مرتين الأولي استمرت سبع سنوات و الثانية ثمانية سنوات،اغسل مرتين في الأسبوع و لكني محتاج لجلسة غسيل ثالثة لانني اعاني من وجود ماء في الجسم و السموم،رغم العناء متفائل بان اتعافي و أعود لممارسة حياتي الطبيعية.)

(٥)
بعدها وصلنا لمركز الغسيل وهو يقع في الجزء الجنوبي للمستشفي الأكاديمي ، لا توجد حركة أمام البوابة سوي رجال أمن المستشفي و لا حركة لغادين أو غاشين للمرضي أو مرافيقهم ،الهدوء يخف المكان حتي دخولنا لمركز الغسيل و هو عبارة عن صالة طويلة مكيفة يتمدد علي أسرتها بعض المرضي ، فيما فارقوني رفقائي بان تمدد كل منهم علي سرير المخصص و بجوارهم ماكينة الغسيل التي لا تصمد بالنظر اليها طويلا و الدم القاني يجري داخل(سيور) رفيعة موصلة في اياديهم التي علي ما يبدو انهكها تركيب جهاز الغسيل.

(٦)
تركتهم يستعدون للغسيل و بدأت جولتي في الصالة الطويلة الضيقة و اقتربت من أحدهم و هو يغسل كان هاديء و مبتسم كما الغالبية،عرفته بنفسي ثن تحدثت معه عن بداية مرضه و تجربته مع الغسيل فقال:( اسمي امير عيسي عبدالرحمن كنت اعمل في ورشة ميكانيكي سيارات إلا أنني توقفت عن العمل بعد ان بدأت الغسيل منذ ثلاث سنوات و بداية مرضي ضمور في الكلي و لا يوجد حل آخر غير الزراعة فكان أن تبرع لي شقيقي و أتممت الإجراءات كلها من تطابق الأنسجة و غيرها لكن حتي الان لم تجري لي العملية، لكن يبدو لدي هناك مشكلة اخري،مختتما (لكنني متفائل بانني سازرعها و اشفي، انا مبسوط وسط اخوتي المرضي و الخدمة الطيبة التي اجدها في المركز .)

(٧)
اتجهت صوب السيدة التي تتقابله كانت عيناها تشع بالامل و التفاؤل رغم ما تعانيه من الم ،تحدثت الي بصوت حنين 🙁 اسمي كوثر عبدالكريم كنت اعمل موظفة اعاني من ضمور في الكليتين بدات الغسيل منذ العام ٢٠١٦ في حاجة لزراعة كلي و لكن لم اجد المتبرع امنياتي أن أجده و اشفي لامارس حياتي الطبيعية،كما لدي مشكلة نصحني الأطباء بعمل موجات صوتية لليد حتي يجري لي عملية وريد صناعي لتسهيل عملية الغسيل.)

(٨)
اتجهت بعدها صوب رجل كان يجلس علي الكرسي اعتقدت أنه مراقب لماكينات الغسيل إلا أنني تفاجأت بأنه ينتظر دوره في الغسيل،تحدث الي :(اسمي بابكر ابوالعاص اعاني من ضمور في الكلية منذ العام ٢٠٠٥ زرعت كلية في العام ٢٠٠٨ و لكن في العام ٢٠١٨ حصل فشل و الآن مواصلا في الغسيل حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا.)

(٩)
في نهاية الزيارة التقيت داخل المركز بأحد المسؤولين الذي فضل حجب اسمه و قال السبب أنه لا يحب الأضواء و يعمل في صمت طيلة هذه السنوات من أجل راحة المرضي الذين يكنون لهم كل احترام و تقدير و الذي تحدث عن المركز و ما يقدمه:(بحمدالله الادوية متوفرة و الكمامات و المعقمات و المحاليل و الادوية المصاحبة للغسيل في المركز ،فقط لدينا مشكلة و هي ضيق المكان نحتاج لتوسعة لتقديم خدمة اكبر ،احيانا تحدث اعطال في ماكينات الغسيل لكنها عادية و يتم إصلاحها سريعا لا تستمر أكثر من وردية،كما قمنا بالترتيب لتطعيم المرضي ضد الكبد الوبائي فيما وفر لنا المركز القومي للامدادات كل احتياجاتنا حتي اذا انقطع الدواء يوجد لدينا احتياطي،كما وفروا لنا بصات للمرضي و الاصطاف بجانب تاجير سيارتين بجانب استخراج تصاريح لكل مريض لديه سيارة و منحه الوقود للحاق بالجلسة ،مضيفا (المركز لا يتوقف إلا يوم الجمعة لتعقيمه تعقيم كامل كما يتم تعقيمه في الأيام العادية بصورة يومية،بالنسبة للكورونا ظهرت حالة واحدة و لكن تم عزلها و تعالجت الحمد الله و عاودت جلسات الغسيل مرة اخري، نحن في المركز أسرة واحدة قمنا بتوفير الماء و وجبة الافطار لدينا في رمضان افطار جماعي و رحلات ترفيهية للمرضي الذين يتمتعون بروح معنوية عالية و روح مرحة ،مختتما(عانينا في الفترة الماضية من اصحاب الاجندة الخفية و لكن الآن الحمد لله الوضع أفضل نعمل في صمت لمدة احدي عشر عاما و نحن عبارة عن أسرة واحدة نضحي و بقية الاصطاف من أجل راحة المرضي.)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..