مقالات سياسية

الحركة الإسلامية في خدمة العلمانية

اسماء محمد جمعة

اعتقد أنني لا احتاج الى أن أعرف الناس بالحركة الإسلامية في السودان، فهي اوفت في التعريف بنفسها خلال ثلاثة عقود حكمت باسم الدين وهو بريء منها ،هي الآن ذهبت ولكن تركت داخل كل مواطن جرح غائر غير قابل للالتئام أو النسيان ،وما وصل اليه حال السودان يكفي ليحكم عليها الشعب باقسى العقوبات.

بلا شك لم تفعل ما فعلت  لعيب في الدين الذي حكمت باسمه وإنما لعيب فيها ، فقد استغلته أسوأ استغلال و
حللت لنفسها كل ما هو محرم بامر الدين أو القانون أو الدستور أو الأخلاق ،ابتداء من قتل الديمقراطية والاستيلاء على السلطة بالقوة عام 1989 مرورا بجرائم كثيرة وكبيرة وحتى جريمة قمع ثورة ديسمبر التي بدأت في ديسمبر 2018 ولم تنتهي بعد.

امر طبيعي جدا أن يقف الشعب السوداني أمام حقبة الحركة الإسلامية السوداء بعد سقوطها ، لمراجعة أمر الدولة ووضع أسس تحميه حتى لا يقع في مثل هذا المستنقع مرة أخرى ،ومن الأشياء التي يقف عندها بشدة ويضغط عليها أمر الدين الذي استخدمته لتخدير الشعب ثم استباحته مثلما تفعل العصابات المتخصصة مع ضحاياها.

تخدير الشعوب بالدين هو اسلوب قديم ظل وما زال يستخدم كوسيلة سريعة للوصول إلى السلطة والسيطرة على الشعوب ، ويذكر التاريخ الكثير من ماسي استعباد الشعوب عن طريق تخديرها بالدين  ، وقد حدث في اروبا في القرن الثامن عشر، وهو ما دعى الفيلسوف ( كارل ماركس) ليقول مقولته الشهيرة (الدين افيون الشعوب )، وامامنا نموذج حديث عشناه نحن ونشهد عليه وهو نوذج الحركة الإسلامية في السودان، ولكن الدين لا يخدر الا الشعوب التي لها استعداد للتخدير ، ورغم هذا أحيانا يصبح سببا لوعيها،كما حدث لاوروبا ويحدث لنا اليوم.

اروبا القديمة عاشت فترة قاسية تحت طغيان رجال الدين المسيحي  الذين استغلوا السلطة الدينية لتحقيق أهوائهم، وإرضاء شهواتهم، تحت قناع القداسة التي منحوها لأنفسهم، وهيمنوا بها على الشعوب و اضطهدوا كل من يخالف أوامر أو تعليمات الكنيسة التي ما أنزل الله بها من سلطان، حتى لو كانت أموراً تتصل بحقائق كونية تثبتها التجارب والمشاهد العلمية، تماما كما فعلت الحركة الإسلامية.

في ذلك الوقت ضاقت الشعوب الاروبية زرعا باستغلال الدين ونشأت أجيال في ظل هذا المناخ  ، وبلا شك الدين الذي يجعل حياة البشر جحيم ينفض من حوله  الناس  ، فولدت الحركات التي  تطالب بفصل الدين عن الدولة وهو رد فعل طبيعي للصدمة التي سببتها الكنيسة وهو ما سمي بالعلمانية ، وهذا ما يحدث الان في السودان حيث يؤيد الكثيرون فكرة فصل الدين عن الدولة ، وهو رد فعل طبيعي  للصدمة التي سببتها الحركة الإسلامية، وهي بهذا خدمت العلمانية كما فعلت الكنيسة التي لولاها لما ظهرت العلمانية للوجود.

المؤسف حقا ما زالت الحركة الإسلامية  تستخدم الدين لتعيد تخدير الشعب الذي فاق لتوه من غيبوبة طويلة افقدته الكثير ،وبذلك هي تدفع الكثيرون دفعا لقبول فكرة فصل الدين عن الدولة التي يرونها ناجحة في اروبا على الأقل من الناحية الاقتصادية الأكثر وضوح.

خلاصة القول يجب أن يفهم كوادر الحركة الإسلامية، ان ما يمر به السودان الآن  نتيجة طبيعية ومنطقية ستأخذ زمنها رضوا أم أبوا ،ويجب أن يفهموا أن الدين الإسلامي  يسري لوحده في المحتمعات وبصورة مثالية مع انتشار الوعي والحرية والعدالة وتحسن الحياة ،كما يحدث الآن في اروبا العلمانية نفسها، ونقول لهم السودان اليوم امام معركة بقاء اتركوه ينتصر فيها والدين رب يحميه.

اسماء محمد جمعة
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..