
قانون حماية الاطباء والكوادر والمنشآت الصحية لسنة 2020م
واسقاط المسئولية الجنائية عن الخطأ الطبي الجسيم
في الديمقراطية الثالثة التي انقض عليها نظام الأنفاذ ساهمت الحركات المطلبية للنقابات في اضعاف الحكومة ووئد الديمقراطية الوليدة في بداية مهدها.
الآن تعتبر النقابات جزء من الحكومة وقد حصلت ودونما جهد يذكر على أقصى ما تسعى اليه النقابات من زيادة في الأجور ولم يتبق لها سوى أحد أمرين ، إما أن تخلد للراحة والسكون ، وإما أن تستحدث مطالب تفضيلية جديدة تكفل لها التميز عن غيرها من النقابات.
لم يستغرق الأمر طويلا ذلك ان المكتب الموحد للأطباء والذي يضم :
1.لجنة أطباء السودان المركزية
2.نقابة أطباء السودان الشرعية
3.لجنة الاستشاريين والاختصاصين
بادر الى استصدار قانون حماية الاطباء والكوادر والمنشآت الصحية لسنة 2020م والذي منحهم حقوقا و امتيازات تتعارض مع المبادئ التشريعية المستقرة وتتقاطع مع حقوق فئات أخرى بالقدر الذي يؤثر على استقرار الدولة والمجتمع.
جاء في تنوير المكتب الموحد للأطباء لقواعده بتاريخ 15/4 2020( والمتاح على الشبكة العنكبوتية) ، أن حماية الأطباء التي نص عليها قانون الطوارئ لا تلبي طموحاتهم وأنهم قد قابلوا السيد رئيس الوزراء الانتقالي وشرحوا له ما يعانيه الأطباء من اعتداء وعنت في كثير من الأحيان أثناء تأديتهم واجبهم النبيل نحو المواطن وقد وافق مشكوراً وطلب منهم أن يقدموا له مقترحاتهم و هي نصا كالآتي:
أ. تعديل المادة في القانون الجنائي التي تجرم أي فعل للطبيب ينتج عنه ضرر للمريض وأن تلغى هذه المادة بحيث تقرأ إذا نتج ضرر للمريض من الطبيب أثناء تأدية واجبه الموكل له تلغى هذه المادة من القانون الجنائي وتُضّمن في القانون المدني بحيث تصبح قضية مدنية وليس جنائية.
ب. تشديد عقوبة الاعتداء على الطبيب والكوادر الطبية الأخرى بحيث تصبح رادعاً لكل من تسول له نفسه بالاعتداء.
ج. اضفاء صفه الحصانة على الطبيب أثناء تأدية عمله بحيث لا يتعرض لأي إجراءات من شأنها أن تتعارض مع مهمته التي يقوم بها نحو المرضى.
د. النص على أن الكذب الضار نحو الأطباء أو الكوادر جريمة يعاقب عليها القانون وتحديد العقوبة نحو ذلك.
ھ. النص على وجوب حماية الأطباء والكوادر الأخرى من قبل المخدمين والمؤسسات الصحية ويشمل ذلك العون القانوني بحيث يمكن لهذه المؤسسات أن تتابع سير القضايا أمام المحاكم بعد فتح البلاغ.
تم تضمين كل طلبات المكتب الموحد للأطباء مع الزيادة والتفصيل في قانون حماية الاطباء والكوادر والمنشآت الصحية لسنة 2020م – وذلك فيما عدا الطلب المتعلق بالزام ملاك المستشفيات الخاصة بتقديم الحماية للأطباء والكوادر لأن القانون لا يملك الزام المستثمرين بذلك.
إذن يعتبر قانون حماية الأطباء قانونا مطلبيا بامتياز لأنه عبارة عن تقنين كامل لطلبات مكتب الاطباء الموحد بتنظيماته الثلاثة التي ذكرناها و يمثل بذلك مبررا لباقي النقابات المهنية في المطالبة بأدراج مطلوباتها المهنية في صلب القوانين.
القانون رغم أنه قصير فهو عبارة عن خمسة مواد فقط في صفحتين ألا أنه اعتورته أخطاء عديدة ، شكلية في الصياغة والترقيم ، وموضوعية جسيمة في تناوله للمسئولية الجنائية و الحصانة ونشر المعلومات الكاذبة فضلا عن التعارض بين بعض مواده.
اولا: اسقاط القانون للمسئولية الجنائية عن الخطأ الطبي:
في كل الأنظمة القانونية ترد حماية الطبيب ضمن سياق يتصل أولا وقبل كل شيء بضمان حقوق المريض ، ذلك لأن المريض هو الذي يقع عليه الضرر جراء الخطأ الطبي من الطبيب أو الكادر الطبي والصحي. وبالتالي فإن الطبيب لا يكون في حاجة الى حماية ما لم يرتكب خطأ طبي يسبب ضرر للمريض أو وفاته ، فحماية الطبيب تعنى تحديد مقدار ومعيار مسئوليته من الخطأ الطبي الذي ألحقه بالمريض.
كل الأنظمة القانونية في العالم تقيم مسئولية الطبيب والكوادر المساعدة على مستويات ثلاث ، المسئولية التأديبية والمدنية والجنائية.
1. المسئولية التأديبية : تنظمها لوائح الشكاوى والجزاءات التي يضعها المجلس الطبي عندما يتقدم المواطن بشكوى له.
2. المسئولية المدنية : تطبقها المحاكم المدنية عند ارتكاب الطبيب لخطأ طبي غير جسيم حتى ولو أدى الخطأ الى وفاة المريض.
3. المسئولية الجنائية : وفيها يقدم الطبيب لمحاكمة جنائية عند ارتكابه خطأ طبي جسيم.
أحدث وأشمل قانون في المنطقة ينظم مسئولية الطبيب هو قانون المسئولية الطبية لسنة2016م لدولة الأمارات العربية والذى يستند على قواعد ومعايير منضبطة.
وقد نص هذا القانون على المستويات الثلاث المتفق عليها في المسئولية التأديبية والمدنية والجنائية تبعا لدرجة الخطأ والنتيجة المترتبة عنه . كما عرفت اللائحة الخطأ الطبي الجسيم والذى يحاكم الطبيب الذي يرتكبه جنائيا ، بأنه الخطأ الذي يتسبب في وفاة المريض أو الجنين أو استئصال عضو أو فقدان وظيفة عضو أو أي ضرر جسيم آخر ، ويعاقب القانون على الخطأ الجسيم بالسجن سنة والغرامة مائتا ألف درهم أو بإحدى العقوبتين ، أما إذا سبب الخطأ الطبي الجسيم الوفاة فإن العقوبة تكون السجن سنتتين والغرامة خمسمائة ألف درهم أو أحد العقوبتين.
قانون حماية الاطباء والكوادر والمنشآت الصحية لسنة 2020م في الفقرة (2) من الفصل الثاني نص على اعتبار كل الأعمال التي يباشرها الطبيب أو الكادر الطبي تقع تحت طائلة المسئولية التقصيرية.
مؤدى هذا النص هو اسقاط المسئولية الجنائية بالكامل عن الطبيب والكادر الطبي عن أي خطأ طبي حتى لو كان خطأ جسيما كما لو اخطأ الطبيب ونسي المشرط أو المقص داخل بطن المريض فمات المريض ، أو قام خطأ باستئصال الكلية السليمة للمريض وترك الكلية المريضة أو تسبب خطأ في قطع شريان للمريض ترتب عليه بتر عضو للمريض أو وفاته.
كل هذه الأمثلة من الأخطاء الطبية تعتبر في كل الأنظمة القانونية في العالم أخطاء طبية جسيمة يحاكم عليها جنائيا ، عدا قانون حماية الأطباء والكادر و المنشآت الطبية لسنة2020م فإن المسئولية الجنائية فيه تنعدم عن أي خطأ طبي ، وهذا أمر خطير يخالف القواعد التشريعية في المسئولية الجنائية وينتقص من حقوق المريض وهو مدعاة الى تزايد الأخطاء الطبية.
ثانيا: منازعة القانون للمحكمة المدنية في اختصاصها المتعلق بأثبات الخطأ الطبي:
لم يكتف قانون حماية الأطباء بأسقاط المسئولية الجنائية عن الخطأ الطبي ، بل عمد أيضا الي منازعة المحكمة المدنية في اختصاصها المتعلق بإثبات المسئولية التقصيرية المترتبة عن الخطأ الطبي ، فقد نص:
( يتم إثبات اي مسئولية تقصيرية على الطبيب او الكادر الصحي وفقا لأحكام قانون المجلس الطبي السوداني لسنة 1993 بقرار مكتوب من المجلس …) وهو نص معيب للآتي:
1. ان قانون المجلس الطبي السوداني نفسه (صاحب الحق) لم يمنح المجلس مثل هذه السلطة في الاثبات ، وبالتالي لا يجوز لقانون آخر ان يتدخل ويمنح المجلس سلطة لم يمنحها له قانونه الذي ينظمه.
2. اثبات المسئولية التقصيرية ليس عملا فنيا محضا وانما هو عمل قضائي متشعب وبالتالي لا يمكن سلب القضاء اختصاصه ولكن من الممكن تقييده في اثبات الجوانب الفنية الطبية بإلزامه بما يرد في تقرير المجلس الطبي ( هذا اذا كان قانون المجلس الطبي ينص على الأثبات المقيد).
3. ثم أن النص سيشعل الحمية المهنية مع مجلس المهن الطبية والصحية لأنه الأدري بالقواعد المهنية لمنسوبيه والأقدر على تقييم اخطاءهم الطبية.
عادل عبد الحميد ادم – المحامي – المدعي العام العسكري الأسبق
[email protected]
بالفعل هذا القانون يتضمن عدد كبير من الأخطأ والإشكاليات فهو يخالف القوانين المدنية والجنائية و قواعد العدالة والأعراف الدستورية ويمنح تميزاً بغير وجه حق ، إضافة إلى أنه يضر بتطوير العمل الطبي فلا يوجد أي عمل دون مسئولية مدنية وجنائية والتي تفيذ في تجويد العمل وفرض الإهتمام على كل صاحب مهنة فعليه أن يؤدي عمله بإجتهاد ومهنية تحدد معيارها القوانين ذات العلاقة وفقاً لظروف كل حالة أو أن لا يكون جديراً بهذا العمل .
كان الأولى الإهتمام بتجويد الخدمات الصحية وتوفيرها وليس الإنصراف إلى إنجازات وهمية تضر ضرراً بليغاً بتقديم الخدمات الطبية .
سبب حماية الأطباء هو قيامهم على أمر رعاية المرضى في هذه المهنة الإنسانية فإذا كان هناك تقصير أو إهمال وأخطاء فإن الحماية في هذه الحالة تتناقض مع الهدف الأساسي من عملهم
حتى قبل صدور هذا القانون كان الإهمال والتقصير والأخطأ الفادحة منتشراً في كل المرافق الطبية وقليل من المرضى يصل إلى العدالة وتنتهي كثير من المأسيي الطبية بالعفو وفي أحيان كثيرة بعدم الإستطاعة لأن المريض أو المسئول عنه يكون منهكاً مالياً وجسدياً ونفسياً من المتابعة في المرافق الصحصدور مثل هذا القانون يمثل خطأ كبيراً في هذا التوقيت وسوف يتسبب في مزيد من التدهور في الخدمات الصحية ويفقد الأطباء ما تبقى لهم من تقدير .
يا سيادة المدعي العسكري العام السابق في كل العالم تعتبر المسئولية المهنية هي مسئولية مدنية وتأديبية فقط ولا تعتبر جنائية إلا فيما يعتبر القانون الجنائي كافة الأفعال جنائيةً من حيث توفر القصد الجنائي أو التعمد عدا تلك الأفعال التي تعتبر المسئولية عنها مطلقة (absolute or strict responsibility or liability) لاتتطلب ابات الركن المعنوي mental element. وقانون الأمارات هذا قانون خلط المفاهيم والقواعد التجريمية والعقابية confused penal policy فلا يمكنك فعل معين بأنه جنائي هكذا (without more) دون تتطلب القصد الجنائي، فهذا يجعل مسئولية الطبيب مسئولية مطلقة وهي سياسة جنائية خاطئة وجاهلة faulty criminal justice policy لأن إطلاق مسئولية الطبيب ستردع الأطباء عن مزاولة المهنة ذاتها بدلاً من ردع ارتكاب الفعل المجرم- لأن عدم الاحتراز أو التقصير لايردعه العقاب فيمنع ارتكابه بالنص على التجريم والعقوبة مسبقاً – لذلك يعوَّضُ عنه بعد وقوعه وحصول الضرر. ولأن العنصر المعنوي في الجرائم هو الذي يستحق العقاب والذي يُشَددُ أو يُخَفف بقدر حجم الذَنْب (9) حتى تسبيب الموت بل وتسبيب الموت خاصة وهو أفظع فعل قد يُرتكب خطأً أو بدون عمد أو شبه عمد ومن ثم يكون الجزاء مدنياً تعويضياً (reparative) وليس عقابيا (penal) وعلى هذا قِس تسبيب الموت أو العاهة المستديمة بنسيان آلة الطبيب داخل جسم المريض إذ لا أحد يتصور أن الطبيب قد تعمد فعل ذلك. عليه فالافتراض الدائم هو التقصير وقلة الاحتراز وهي معايير مدنية للخطأ وجبر الضرر وليست معايير جنائية لتقدير العقاب، اللهم إلا إن ثبت تعمد الطبيب فعلاً كأن نبهه أحد المساعدين قبل قفل الجرح بوجود المشرط داخل بطن المريض وكان رد الطبيب: لا يهم اتركه !!
“المدعي العام العسكري الأسبق”
الأسبق دي كانت في ياتو عهد؟
(1. ان قانون المجلس الطبي السوداني نفسه (صاحب الحق) لم يمنح المجلس مثل هذه السلطة في الاثبات ، وبالتالي لا يجوز لقانون آخر ان يتدخل ويمنح المجلس سلطة لم يمنحها له قانونه الذي ينظمه.)
><
(3. ثم أن النص سيشعل الحمية المهنية مع مجلس المهن الطبية والصحية لأنه الأدري بالقواعد المهنية لمنسوبيه والأقدر على تقييم اخطاءهم الطبية.)
تناقـــــــــــــــــــــض
إذا كان المجلس الطبي هو الأدرى بالقواعد المهنية لمنسوبيه والأقدر على تقييم (اخطائهم) الطبية، فلماذا تستنكر على المجلس سلطة اثبات وقوع الخطأ المهني من منسوبيه؟