مقالات سياسية

الجنرال الأمريكي جون ابي زيد و كباشي .. متى يتأدب الأخير ؟

د. حامد برقو عبدالرحمن

(١)

في مقال سابق حول ضرورة أصلاح المؤسسة العسكرية السودانية كنت قد إلتمست من السادة ضباط الجيش السوداني التكرم بمشاهدة بعض جلسات الإستدعاء أو الإحاطة و التي تتم مع قادة الجيوش في الغرب من قبل المؤسسات السيادية المدنية المنتخبة مثل البرلمانات الغربية و غيرها .

و كيف أن هؤلاء القادة العسكريون يظهرون أقصى درجات الاحترام و التقدير لتلك المؤسسات.

 اذكر جلسة الإحاطة التي حضرها الجنرال الأمريكي جون ابي زيد القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية( و السفير الحالي للولايات المتحدة لدي السعودية)  أمام لجنة القوات المسلحة بالكونجرس الأمريكي حول سياسة الجيش في العراق و التعامل مع التهديدات الإيرانية انذاك – مازلت اتذكر حجم الانضباط و الاحترام والتقدير الذي أبداه خربج جامعة هارفارد و قائد اهم قطاع في أعظم جيوش العالم تجاه أعضاء الكونغرس. و كيف كان يجيب على الأسئلة بمهنية و في حدود صلاحياته المحكمة بالقانون. 

كثيرا ما أعاد السؤال الي أعضاء اللجنة معللا بأن الإجابة لدي السادة المنتخبين من قبل الشعب.

لذا و بغرض تبادل الخبرات إلتمست من ضباط الجيش السوداني مشاهدة ذلك النوع من الجلسات بغرض التعلم.

(٢)

هنالك طرفة مشهورة و رغم أنها مقيتة الا انني مضطر عليها : مفادها أن ضابطا بالجيش السوداني و من أهالي كادوقلي أرسل مع زملائه في بداية التسعينات الي الحرب في الجنوب ،و لأن الكثير من أبناء منطقته كانوا في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق دي مبيور حاول الضابط أن يظهر عداوة زائدة تجاه الدكتور جون قرنق. 

فكان في كل صباح يشتم و يتساءل أمام زملائه الضباط عن ما يريده جون قرنق و خطل فكرته في التمرد و غيرها من الترهات.

و كان من بين زملائه ضباط شرفاء ليسوا من منطقته و ينتمون إلي اليسار فكرياً وسياسياً  – ذلك قبل أن يمعن نظام الإنقاذ مشرطه لإستئصال غير الاخوان المسلمين من المؤسسة العسكرية. 

عندما بلغ الضيق بذلك الضابط اليساري مبلغه رد على بلديات شمس الدين كباشي بإن جون قرنق يريد إزالة( الزبالة) التي فوق رأسه. فتوقف بلديات الفريق أول شمس الدين عن ترهات الصباح .

(٣)

الاخ  شمس الدين كباشي عضو بالحركة الإسلامية منذ أن كان طالبا بالمراحل التعليمية الصغرى ،و هو الأمر الذي أهله لنيل رضا الرئيس المخلوع عمر البشير و يتدرج بشكل شبه استثنائي للوصول إلي رتبة اللواء . ثم رتبة الفريق و أخيرا الفريق أول بعد الثورة.

بالمعايير المحلية فإن الاخ شمس الدين كباشي رجل مجتهد حتى على مستوى عندما كان طالبا حربيا كان متفوقا  على زملائه.

(٤)

و لأن الثورة السودانية ملك للجميع ما لم يقترف الفرد جرم بعينه بحق الوطن أو الشعب حاول الناس التغاضي عن خلفية شمس الدين كباشي الإخوانية، خاصة أنه لم يكن عضواً اخوانياً بارزاً داخل القوات المسلحة ، اي أنه كان خارج منطقة الأضواء.

فأصبح عضوا بالمجلس العسكري الانتقالي ،ثم عضواً بمجلس السيادة.

(٥)

كما يقول المثل السوداني رجعت حليمة الي جزمتها القديمة. فإن الفريق أول شمس الدين كباشي فشل في اخفاء إخوانيته و انتمائه للمؤتمر الوطني و ولائه للرئيس المعزول عمر البشير.

لا احد يستطيع نزع الحب و الولاء من قلوب الاخرين لكن ما يفعله يتعارض مع مبادئ الثورة السودانية.

رغم ذلك حاولت قوى الثورة الصبر على صاحب (حدس ما حدس) منعاً لأي شرخ في مكونات الثورة و خاصة على المستوى السيادي.

هنالك عامل آخر على صبر قوى الثورة على تصرفات كباشي ، وهو أن كباشي ربما الوحيد الذي يحمل رتبة الفريق أول من أبناء الغرب و خاصة جبال النوبة في الجيش في الوقت الحالي (و هذا بطبيعة الحال  واحد من الأسباب الملحة لإحداث إصلاحات جذرية في المؤسسة العسكرية السودانية).

 لذا فإن إقالته أو المطالبة بها تثير حساسية ( بعض )  أبناء الهامش .

(٦)

عندما قام قائد المليشيات العسكرية في كادوقلي الرائد الجاو كافي بعمله الإجرامي ضد المواطنين العزل و ضد قوات الدعم السريع كان يريد اشعال الفتنة بين الجيش الذي ينتمي إليه الرائد الميليشي و قوات الدعم السريع . لكن حكمة قيادة قوات الدعم السريع حالت دون حدوث ذلك.

للأسف عندما أوفد مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي الي هناك أهمل مهامه كالعادة و طفق يطلق تصريحاته غير المسؤولة و غير المنضبطة بحق قوى الحرية و بحق الحكومة و الشق المدني بمجلس السيادة.

فهي تصريحات أقل ما يمكن وصفها بأنها تفتقر الي الأدب .

  (٧)

الذي يتعين على الاخ الفريق أول شمس الدين و من على شاكلته من العسكر أن يفهموه أن الشق العسكري في مجلس السيادي في الأصل ضيف على الثورة –  أي أن الشق العسكري في ضيافة صاحب البيت وهو الشق المدني .لذا فليست من اللياقة أن يتوعد الضيف بالتخلي عن المستضيف .

 لن تسقط الحكومة و لا مجلس السيادة بخروج المكون العسكري ، لأن خروج المكون العسكري من المجلس يعني رجوع الجيش الي مهامه الدستورية في حماية ثغور البلاد و العباد.

ذلك سيتيح للحكومة المدنية للثورة فرصة للتفرغ لقضايا السلام و الدستور و التنمية و الاقتصاد و الانتقال السياسي و فك العزلة الدولية.

و لأننا نطمح في تعاون كل مكونات الفترة الانتقالية أملاً في الوصول بالبلاد الي بر الأمان نتوقع من قبل الاخ شمس الدين كباشي التأدب مع أصحاب البيت – أعني القوى المدنية الكريمة ( الحكومة بلجانها المختلفة و خاصة لجنة إزالة التمكين  و الشق المدني بمجلس السيادة).

أن تعذر ذلك  ؛ فلا بأس أن يرينا ظهره.

د. حامد برقو عبدالرحمن
[email protected]

‫14 تعليقات

  1. كلامك في الصميم يا دكتور فليتأدب الكباشي في حضرة اصحاب البيت ولكن اني له فهم هذا الكلام. ودائما تربية الكيزان فهمهم “تقيل”!

  2. كتب الدكتور عن جون ابي زيد:
    (كثيرا ما أعاد السؤال الي أعضاء اللجنة معللا بأن الإجابة لدي السادة المنتخبين من قبل الشعب.)
    هل قرات يا دكتور عبارة (السادة المنتخبين من الشعب)؟
    ضع خطا تحت (المنتخبين).
    يقول الدكتور/
    (و لأن الثورة السودانية ملك للجميع ما لم يقترف الفرد جرم بعينه بحق الوطن أو الشعب حاول الناس التغاضي عن خلفية شمس الدين كباشي الإخوانية).
    اي واحد يقول كلام ما يعجبك على طول تلصق له (اخوان)؟
    ومن هم هؤلاء الناس الذين تغاضوا عن خلفيته الأخوانية؟ كباشي جاءت به المؤسسة العسكرية ..كلمة (تغاضوا) دي كبيرة شوية…اصلا ما في فرصة انك تتغاضى وما تتغاضى.

    يقول الدكتور:
    (لذا فإن إقالته أو المطالبة بها تثير حساسية ( بعض ) أبناء الهامش .)
    جننتونا بهامش وما هامش…البرهان ذات نفسو جاي من امستردام؟ جاي من حلة قرب شندى، الحمير تشرد منها…حلة البرهان هامش وستين هامش.
    يقول الدكتور:
    (فهي تصريحات أقل ما يمكن وصفها بأنها تفتقر الي الأدب .).
    طيب وين الأدب في كلامك لما تتحدث عن عضو في مجلس (السيادة) وتصفه بانه قليل أدب…
    يقول الدكتور:
    (أن تعذر ذلك ؛ فلا بأس أن يرينا ظهره.)
    كأن الدكتور يتحدث عن سواق ركشة اختلف معاه في قيمة المشوار.

    1. الاخ تذكار عزيز
      تحية طيبة
      أولاً شكرا على اهتمامك
      عندما يتخطى الفرد حدود صلاحياته المنصوصة في الدستور أو يقصر في مهامه الدستورية يستحق المحاسبة و ليس التوبيخ وحده فحسب. اعتقد ان الاخ شمس الدين كباشي قد اقترف الاثنين معا.

      ثانياً: عميق احترامي لمهنة سائق الركشة . و هي وظيفة كنت لاعمل فيها بكل فخر لو لا أن قيض الله لي مهنة أخرى بمشيئته تعالى.

      ثالثا : الكارثة في اعتقادك بأن عمل سائق الركشة أقل أهمية من عمل كباشي الذي ترك حدود البلاد للاحتلالين المصري و الاثيوبي و تشبث بالسياسة ليرسل التهديدات الخرقاء ضد المواطنين الكرماء، ناسيا أو متناسيا مهامه بنص القانون.

      رابعاً : سائق الركشة لا يتقاضى راتبه من أموال الشعب بينما الفريق أول شمس الدين كباشي مؤجر من قبل الشعب لأداء مهمة معينة ، لكن اهملها الي ما لا يعنيه.

      هل عرفت اين المشكلة؟؟

      تحياتي

      1. قال الدكتور:
        (عندما يتخطى الفرد حدود صلاحياته المنصوصة في الدستور أو يقصر في مهامه
        الدستورية يستحق المحاسبة و ليس التوبيخ وحده فحسب. اعتقد ان الاخ شمس الدين كباشي قد اقترف الاثنين معا.)
        اتفق معك…
        ولكن من يقرر ذلك؟؟ ومن يحاسب؟؟ ومن يوبخ؟؟ لا يمكن أن تكون أنت الخصم والحكم في آن واحد، تصدر الحكم ثم تحاسب وتوبخ.
        يقول الدكتور:
        عميق احترامي لمهنة سائق الركشة . و هي وظيفة كنت لاعمل فيها بكل فخر لو لا أن قيض الله لي مهنة أخرى بمشيئته تعالى.
        ولا مانع لدي انا من العمل في مهنة سائق ركشة.. مهنة شريفة وتعول اشر…قلنا ان الموقفين مختلفين…وذكرنا الأختلاف في قيمة المشوار للتدليل على ان إدارة الظهر في حالة سائق الركشة سهلة جدا ….يفتح الله يستر الله. اما اتفقنا أو اختلفنا.
        في حالة الكباشي الموقف ليس بالسهولة التي تتصورها والتي لخصناها في المقارنة مع طلب مشوار من سائق ركشة.
        ثم ركزت حديثك كله بصورة انصرافية عن سائق الركشة.. وماذا عن باقي النقاط؟؟؟؟

    2. الاخ تذكار عزيز،
      للأسف انت تقوم بدور الجداد الكتروني للتشويش على الاخرين بسبب الغيرة ، فان حالك كحال تاجر تسالي في شارع النيل ويتحاور مع زبائنه في مواضيع العولمة والتغير المناخي وثقب اوزون وهو لا يدري ولايدري انه لايدري ان معظم زبائنه من الطبقة المثقفة ولكنهم يعزرونه و يواسونه عن جهله

  3. اخي حسن علي
    لك التحية و الاحترام

    أمامنا الكثير من الوقت لتوعية ضباط الجيش السوداني.
    أملنا أن يبدأ إصلاح المؤسسة العسكرية السودانية بالمناهج التي تدرس للطلاب الحربيين مع تكثيف الكورسات على الرتب العسكرية الوسطى: مقدم ، رائد ، نقيب

    من الصعب تغيير من تجاوزوا رتبة العقيد
    لكن يمكن ردعهم بالقانون.
    يجب أن يخصص الشهرين الأخيرين من العملية التدريبية فقط في دراسة مواد من الدستور و خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان و احترام المؤسسات المدنية المنتخبة من قبل الشعب

  4. اولا مين يحترم مين لما يكون في احترام للجيش يكون في احترام المؤسسات المدنية البتحترم الجيش..بعدين اسلوبك فية عدم احترام بنم عن عدم المهنية والجيش محترم ولو كان عكس ذلك لما كتبت هذا المقال..

  5. الاخ ابو محمد
    لك التحية
    نحن لا نريد من الجيش غير الالتزام بمهامه الدستورية.
    عندما يتشبث الجيش بالسياسة في الوقت الذي تقبع فيه مساحات شاسعة من الأرض السودانية تحت الاحتلال المصري و الاثيوبي يجد الناس صعوبة بالغة في إحترام الجيش و خاصة أنه يلتهم حوالي ٦٠٪ من ميزانية الدولة.
    على الجيش أن يخرج من المكاتب المكيفة و إدارة الشركات التجارية و يذهب لطرد المحتلين و حماية حدود البلاد .

    أما ما اكتبه هنا او هناك ليس للجيش اي فضل عليه

    1. (على الجيش أن يخرج من المكاتب المكيفة و إدارة الشركات التجارية و يذهب لطرد المحتلين و حماية حدود البلاد .)
      يا دكتور:
      وهل يذهب جيش اي دولة في العالم للحرب بدون وجود قرار سياسي؟
      ما لكم كيف تحكمون؟

      1. الاخ بركة
        سلام و احترام

        حراسة حدود البلاد لا تحتاج إلي قرار سياسي.
        بالعرف العسكري هي من( الأوامر أو التعليمات المستديمة).
        و هي المهمة التي من أجلها ادخل العسكري المدرسة الحربية و من أجلها يتقاضى راتبه الشهري من الدوله
        لا أحد طلب من الجيش الذهاب لإحتلال دولة مجاورة ، فقط طلب منه حراسة بلادنا من تغول الآخرين.
        لكن و للاسف كلما امتدت يد دول الجوار الآثمة تقهقر جيشنا نحو المركز ،تاركاً المناطق الحدودية للمحتلين . بذلك فقدنا الفشقة و حلايب و شلاتين.
        من حسن حظنا حتى الآن لم يفكر اخوتنا في تشاد و ليبيا و افريقيا الوسطى الاعتداء على أرضنا.

        و إلا لنزح جميع السودانيين نحو الخرطوم بسبب احتلال اقاليمهم من قبل دول الجوار . بينما الجيش منشغل بالانقلابات و التهديدات ضد المواطنين السودانيين العزل.

        أرأيت ؟؟

        1. هذه الإجابة عن نقطة حماية حدود البلاد
          ولكن ماذا عن طرد المحتلين؟
          هل سيخرجون بالاجاويد ام انها الحرب والتي تحتاج لقرار سياسي؟

          1. ليش ما نجرب التحنيس
            أو نستعين ببلة الغائب ؟؟
            هههه

            ————-
            اخي بركة
            لك الإحترام
            اشكرك على اهتمامك
            لماذا تركوها حتى تسقط
            أليس بسبب التساهل و عدم المسؤولية؟؟
            انشغالهم بما لا يعنيهم هو ما ادى الي سقوط مساحات بحجم أكثر من دولتين خليجيتين في يد المحتلين.

            ثم ان القرار السياسي ظل بيد العسكر من 30 يونيو 1989 حتى تاريخ يومنا هذا .

            بيدهم السلاح و القرار السياسي و أكثر من 60% من ميزانية الدولة .

            تحياتي

  6. فعلا يجب يقوم الجيش بالدور العظيم فى حماية البلاد والعباد ونحن نحترم الجيش جدا ونتمنى ان يدخل
    اولادنا الكليات الحربية حتى يدافعوا ويحموا بلادهم لكن لا نريدهم فى السياسة يتركوا السياسة
    للسياسين المدنيين كباقى جميع دول العالم المحترمه

    1. الاخ جميل بثينة
      لك التحية

      ذلك ما كنت أريد قوله

      و لضباط الجيش كامل الحق في ممارسة السياسة لكن بعد ترك الخدمة العسكرية

      كما أسلفت في مقال سابق ؛ فإن الجمع بين العسكرية و السياسة أشبه بمن يجمع بين الأختين في الزواج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..