مقالات سياسية

لن تأكل الثورة بنيها، ولكن الحذر واجب

معمر حسن محمد نور

ثلاثة مشاهد إعلامية أخذت موقعها من الأحداث مؤخراً ، تعيننا على القراءة الصحيحة لمآلات الأوضاع في بلادنا ، ومدى صحة مخاوف المشفقين على الثورة وتحقيق أهدافها. والمشاهد الثلاثة بترتيب حدوثها هي * مقال الطيب مصطفى الذي فتح البلاغ في مواجهته جراه  ويقرأ مع موقف الفلول من البعثة الأممية ،* لقاء السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الفضائية السودانية * المؤتمر الصحفي للأصم وصاحبة. والأخيران يقرآن مع قراري مجلس الأمن حول البعثة الأممية والتمديد  لليوناميد،علاوة على تقدم مفاوضات السلام .

مقال الخال الرئاسي يعتبر المانفستو الذي يحكم مسار تيار الإسلام السياسي في المرحلة القادمة ، وخلاصة ما توصل إليه . منسوبوه.

وربما أجاب على مخاوف الإشارة إلى استصحاب هذا التيار في العقد الاجتماعي للصادق المهدي. ونلخصه في أن التيار بمختلف قطاعاته، عاجز تماماً عن اجتراح رؤية جدبدة لدوره، وأنه لا قدرة لمثقفيه الحاليين على التجديد. فقد استدعى كل العوامل التي بنى عليها التيار سطوه على السلطة بليل.

من التعويل على العنف والعسكر وأحاديث الجهاد  في مواجهة شركاء الوطن وغيره .وربما يعتبر كلام الكاتب العراقي أحمد خيري العمري في أزمة العالم الإسلامي أصدق توصيف على وضعه حين قال (إن الفكر الإسلامي قد تجمد عند اللحظة التاريخية لمعاوية بن أبي سفيان) وموجز شرحه أن في حياة الأمم لحظات تاريخية ، قد تمتد لآلاف السنين ،تحكم مسارها ، وأن الفكر الاسلامي مازال قيد ما أتى به معاوية من استيلاء على الحكم بالقوة وتوريثه وتدمير وإبادة المعارضين السياسيين ، مستعيناً على ذلك بالمؤسسة الدينية في علماء السلطان لتثبيت شرعيته  حد الجرأة على وضع الأحاديث ،علاوة على إغداق الأموال على الموالين.

ما يهمنا هو ردة الفعل تجاه المقال وهو ما سيحكم على كل ردات الفعل في مواجهة أنشطة التيار في الفترة القادمة. ونلخصها في الصبر عليها ومواجهتها بالحاسمة بالقانون .لكن الأهم أن التيار ومن يعول على استصحابه كملوك البوربون لا ينسون شيئاً ولا يتعلمون شيئاً. مع أهمية ما قرئ من ارتياح بالغ ساد الشارع الثوري لمجرد اعتقاله. وهذا ما يعفي الناس من التفكير في العقد الاجتماعي المطروح وإمكانية تقبل الوضع السوداني لاستصحاب التيار. وقدرة التيار على تقبل الواقع عينه.

المشهد الثاني وهو الأهم في تقديري ، هو لقاء السيد حمدوك مع الفضائية السودانية . وقد بان فيه أن حمدوك لم يعد مجرد رئيس وزراء  تنفيذي أتت به قوى الحرية والتغيير ، بل أنه أصبح مجدداً لها. وصاحب مشروع وطني يتجاوز تكتيكات التعامل مع الحاضر. وموغل في الخطل قراءة إفاداته بشأن الحرية والتغيير تماهياً  مع من يريدون الالتفاف على الفترة الانتقالية.لكن الأهم منجزاته في صبر وهدوء دون الالتفات إلى محاولات تخذيله من القائلين بالفشل وعلى رأسهم حميدتي والصادق المهدي. علاوة على حذقه التعامل بواقعية مع الاقتصاد ، ربما في تعارض مع لجنة الحرية والتغيير الاقتصادية القائلة بأحاديث عدم  التماهي مع روشتة صندوق النقد الدولي.ومشروعه النهضوي الطموح.الواقع أن إفاداته في اللقاء ، تعتبر برنامجاً إعلانياً لرئس حزب ليصوتوا له . لكن عظمته تاتي في أنه يطرح كل ذلك في إطار الحرية والتغيير.فله التحية.

المشهد الثالث هو المؤتمر الصحفي لمحمد ناجي الأصم ورفيقيه . فالأصم ، قد حفر إسمه عميقاً في الثورة السودانية . بظهوره الخارق الشجاعة ليقرأ بيان الحرية والتغيير الأول  ممثلاً لتجمع المهنيين الذي سلم الثوار له قيادهم.

والكل لم يكن موقناً  على اعتقاله  فقط، بل مشفقاً على هذا الشاب الوادع مما قد يقع عليه من زبانية النظام المباد.

لكنه خرج بحمد الله وواصل في تفاصيل الثورة حتى إلقائه كلمة الثوار في حفل توقيع الوثيقة الدستورية وعضويته في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير .وكان تقديمه لاستقالته مثيراً لأسف الثوار لمخاوف انشقاق الحاضنة السياسية لحكومة الثورة.وأكد مؤتمره هذه المخاوف.

لكن السؤال : هل أوقفت استقالته مسار الثورة ؟ الإجابة على هذا السؤال تغني عن السؤال عن اثر مؤتمره واتهاماته.ولا نريد أن نرمي حطباً يزيد أورار ما ظن الناس على جحيم يشعل لحرق الثورة ورموزها. فلسنا مع طرف ضد آخر لكن الوعي مهم وحيوي . في هذا السياق ، يجب التفريق بين الثورة وعوامل استمرارها ، وبين واقع فرضه توازن القوى الداخلية والإقليمية والدولية ،وتقديرات عدم فقدان المزيد من الأرواح وابقاء التحالف الثوري متماسكاً.

فتأثير كل طرف وتمدد أي تيار أو فرد ، سيظل مرهوناً بمدى قدرته على الوقوف فوق الأمواج العاتية ، والانتقال من موجة إلى أخرى أكثر سرعة في التقدم في تحقيق أهداف الثورة . وفي هذا لا عبرة بأعداد العضوية ولا برمزية الفرد.  فقارنوا ما كان فيصل محمد صالح ونبيل أديب في نظر الثوار ، وما صارو إليه من اتهامات بالبطء وعدم تحقيق أهداف الثورة في مجالهم .وللتدليل على ذلك نقرأ تصريحات جميع الأطراف التي بدت مختلفة منذ طرح موضوع العقد الاجتماعي نهاية بمؤتمر الأصم فالكل لم يجد مهرباً من التأكيد على أهمية إكمال الفترة الانتقالية وضمان تكملتها ودعم حكومتها وعملية السلام ،وتوسيع قاعدة مشاركتها ، وإفساح المزيد من المساحة للنساء ولجان المقاومة . عليه فلنحذر جميعاً من المبالغة في تقدير دور فرد أو حزب من جهة ،والانسياق بفعل ذلك وراء مواقف تحاول إشعال النار في أجسام مكونات الثورة. لأنها يائسة ولا معنى لها وتنم عن قصور في الوعي بطبيعة المرحلة.

معمر حسن محمد نور
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..