أزمة الدولار ومروان الحمار

كان يطلق على آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد لقب مروان الحمار ليس لغبائه كما يتبادر للذهن بسبب ظلم حاق بالحمار تاريخيا بل لأنه كان قويا فشبه بحمار الوحش لقوته وعنفوانه ولتحمله المتاعب في مقارعة الثوار والخارجين على حكمه وقد لقي حتفه على يد الخليفة العباسي الأول المشهور بأبي العباس عبد الله السفاح وهو أيضا ليس سفاحا للدماء كما يتوهم السامع وكما يفعل قادتنا بل كان سفاحا للمال ولقب بالسفاح لكرمه ومروءته لأنه قال في أول خطبة له فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح يعني أنه كريم جواد ، ومروان وإن كان حمار وحش لقوته فهو في واقع الأمر حمار عرب ” دبزاوي ” لتبلد إحساسه ولتفريطه بسوء إدارته وسياسته فقد انتهى الأمر بالحمار طريدا شريدا فاستضافه ملك النوبة في جنوب مصر وأحسن وفادته / وظل متخفيا حتى قتل على أيدي أعوان السفاح الكريم ..
وفي بلادنا من أمثال مروان الكثير والله جل وعلا ذم اليهود بقوله “( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين) وإنما خص الحمار بالذكر لكونه كان دابة الحمل وركوب الناس في الأعم وليس لأن الكتب إن حملناها على بعير أو فيل سيعلم ما فيها ولذلك فقد وصف الله الكفار عموما بالدواب لقلة عقلهم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وقال تعالى عنهم (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) ومثل ذلك كثير في الكتاب المنير وبلادنا ملأى بالدواب الإنقاذيين فمنهم من يمشي على بطنه التي تورمت وتكومت من أكل السحت الحرام ومنهم من يمشي على رجلين وتزوج اثنتين ومنهم من يمشي على أربع وتزوج من أربع ويركب ذات أربع وينسى أنه سيحمل على أربع ويسأل عن أربع رغم ارتدائه ثياب المتأسلمين.
ولا فرق عندنا بين الحمار مروان الذي تحمل وزر سقوط الدولة التي جاءته خلافتها منهارةً / إليه تجرجر أذيالها / ولم تك تصلح قطعا له / ولم يك يصلح قطعا لها / كما هو حال أولي الأمر منا الذين اختطفوا السلطة غفلة وعنوة أو بين مروان الإنقاذي وبينهم صلة نسب وتناسب لا تخفى على ” مغاماتكم السامغة / مقاماتكم السامقة ” وعفوا لاستعارة العبارة التي حفظتها عن ظهر قلب من كثرة التكرار الذي يعلم حتى مروان الحمار ونقلتها لكم عن مقدمي ومقدمات الحفلات التي لا تنقطع على القنوات السودانية حيث يرددون كالببغاوات عبارات ” مع حفظ الألغاب والمغامات / الألقاب والمقامات السامية ” وإن كانت ألقابا خلعوها هم ورؤساؤهم من أهل الإنقاذ على من لا يستحق وليس لأصحابها علاقة بها وهم كذلك ” الحضور الأنيغ ” / الأنيق ” وإن تقدمهم من كان في بهدلة الكذاب الأشِر ” ، إسحق فضل الله ” ، وكان الأجدر أن نخاطبهم بمفهوم أوجاع المتنبي من فوضى الانفلات وانقلاب الموازين!!
أفاضل الناس أغراض لذا الزمنِ ** يخلو من الهمّ أخلاهم من الفطنِ
حولي بكل مكان منهمو خلقُ ** تخطيء إذا جئت في استفهامها بمنِ
فلم أعاشر من أشباههم أحدا ** إلا أحق بضرب الرأس من وثنِ
فقرُ الجهول بلا قلب إلى أدبٍ ** فقرُ الحمارِ بلا رأسٍ إلى رسنِ

لأن “من” تستخدم في الاستفهام عن العاقل و” ما ” لغير العاقل .. فلا تخطئوا وأنتم تخاطبون الدواب من الذين قتلوا وطنا بكامله ويتبجحون بقيم العدل والسلام والإسلام.
نعود لحمار مروان أو مروان الحمار وما ذكرنا به هو الدولة الآيلة للسقوط والتي أصبح أهلها كيهود بني اسرائيل ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي وأيدي المعارضين ، ومن ذلك ما فعله البنك المركزي ولا بد أنه استشار المروانيين أصحاب الألقاب الرفيعة والمقامات إياها حين رفع سعر الدولار إلى 8,49 جنيه للعلاج والدراسة بالخارج كما جاء في الصحف وسعره في السوق الموازي لم يكن يتجاوز ذلك ، وبدلا من معالجات فيها شيء من التروي خاصة والبنوك ذاتها تكاد تموت اختناقا جراء توقف بعض البنوك السعودية عن التعامل معها ، والبلاد تعاني شحا في العملة وازديادا مضطردا في هبوط قيمة الجنيه ، فإذا به يستخدم سياسة ” عايرة وأدوها سوط ” .. ولا أعرف قرارا يجافي الحكمة مثل ذلك القرار وكان يمكن للحكومة المفلسة أن تتمنع في تمويل العلاج والدراسة بالخارج بدعوى أنها لا تملك وكان من هو في حاجة سيتجه للسوق الموازي الذي ربما كان أقل من السعر الذي حددته الحكومة وذلك بدلا من أن ترفع سعر بيعه إلى ذلك المبلغ المخيف الذي لن تنعكس آثاره على أهل الحكم وبطانتهم من الموسرين سرقة ونهبا واختلاسا بل ينعكس على عوام الناس جوعا ومسغبة وحاجة .. من دل مروان على ذلك ومن أشار به؟
وببساطة شديدة كيف تريد الدولة من المغتربين تحويل مصروفات أسرهم أو مدخراتهم بأقل من السعر الذي حددته الحكومة للعلاج والدراسة .. ؟ إن القرار يعني ببساطة رفع سعر الدولار إلى 8,5 جنيه ولا يعقل أن يبيع المغترب أي مبلغ للدولة أو للوسطاء بأقل من ذلك لتقوم الدولة ببيعه بذلك السعر بل إن هذا القرار سيؤدي إلى رفع السوق الأسود الموازي ولو بعد حين وبسرعة فائقة وستصبح هناك سياسة رائجة بحيث يمكن لأي مسافر للعلاج أو الدراسة أن يرتب أموره مع وسطاء آخرين بالخارج يدفع هو بالعملة السودانية ويستلم بالخارج وهو ما يفقد السوق كمية كبيرة من النقد الأجنبي المتداول ولا شك أن لتداول النقد بذاته فائدة كبيرة على الاقتصاد بغض النظر عن السعر وقرار الحكومة سيؤدي لتجفيف السوق من العملة الصعبة وقد تلجأ الحكومة لإرغام الناس على تحويل القيمة قبل السفر لكن ذلك أيضا سيتسبب لها في المزيد من المتاعب وسخط الناس وسيحولون الحد الأدنى إلا ما أرغموا عليه !!.
كان من المتوقع أن يؤدي قرار مروان إلى مزيد من التدهور السريع في قيمة الجنيه لكنه تزامن مع زيارة أمير قطر المليارية التي جعلت وزير المالية يسارع بالإعلان عن ضخ أموال في الصرافات لمقابلة احتياجات السوق وهذا تدليس بيّن وكذب صراح والمعروف دوليا أن التصريحات والأحداث تؤثر على العملة صعودا وهبوطا ولكنه تأثير مؤقت وسرعان ما تعود حليمة لعادتها القديمة وهو ما حاولت الحكومة الاستفادة منه فأرادت أن توهمنا أن أمير قطر قد جاء وفي حقيبته المليار والأمر ليس كذلك فهذه ليست هبة وليست للصرف المباشر لتدخل السوق صبيحة اليوم التالي إنما هي وديعة الهدف منها تعزيز الاحتياطي النقدي المركزي للدولة لتتمكن من الاستدانة وبغض النظر فإن التماسك وليس الهبوط الذي صاحب الدولار الأسبوع الماضي إنما هو ” فجة الموت ” وببساطة شديدة فإن السوق على استعداد أن يبتلع عشرات المليارات لأنه لا توجد أي مصادر أو روافد تغذيه والدول لا تقوم على صرف ما في الجيب ليأتيك ما في الغيب بل بسياسة راشدة تعرف معها أن تكون لها مصادر لجلب العملة الصعبة عبر إنتاجها بأكثر مما تصرف وإذا لجأت الحكومة للأخذ من الودائع لسد النقص في السوق فذلك يعني أن رصيدها يتآكل كل يوم وهذا هو الواقع الذي تنكره الحكومة .. ومليار قطر إذا افترضنا صحته فلن يصمد سوى أسابيع أمام جشع السوق وجشع حيتان الإنقاذ وتماسيحه الذين هم في انتظار وصوله وربما توزع معظمه قبل وصوله .
لن أفصل في الأسباب التي قادت مروان الحمار للهلاك وأفول نجم سلطان الأمويين معه لكنا منذ المرحلة الابتدائية تعلمنا على مر السنوات أن الأنظمة قديما وحديثا تسقطها الأزمات الاقتصادية وأن ثورات الأطراف وكتم الحريات والفقر المدقع والجبايات وملاحقة الفقراء وأخذ ما في أيدي الناس وجيوبهم جبرا ورهبة هي معاول هدم الدول مهما عظم شأنها فما بالك بحكم أصبح عرشه أوهى من بيت العنكبوت ومراوينه كثر كل يقر قراره ويشعل في أطرافه ناره .. ومن الرماد سيخرج طائر السمندل ليغني .. ليغني .. ليغني .. يا د. محمد عبد الحي .. رحمة الله عليك.
ووفق الله مراوين الإنقاذ لمزيد من القرارات المهلكة وأبدلنا بسفاحينا الذين سفكوا دماءنا سفاحا كريما كأبي العباس يأتي على أكتاف الناس ويخلصنا من أمثال وأعوان مروان الحمار ويعيد البسمة للجنيه أمام الدولار .
إضاءة : لقاعة الصداقة
? لا تصالح .. لا تصالح
وإن ملّكوك الذهب ..
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أبدّلُ جوهرتين مكانهما ..
هل ترى ؟
هي أشياء لا تُشترى ..!!
( أمل دُنقُل ) أبو الحسن الشاعر
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..