مقالات سياسية

الزراعة السودانية ومشاكلها، ومناهج العلوم الزراعية بالكليات (1)

ب/ نبيل حامد حسن بشير

الزراعة عماد الاقتصاد السوداني الي يوم الدين، ومستقبل البلاد يعتمد بالتأكيد  كليا عليها.  الزراعة (كمهنة وكعلوم)  مرت بعدة مراحل من ناحية ت(طورها).  هذا التطور كان مبنيا على  الاحتياج والتقنيات والبحوث المتوفرة في كل مرحلة. كلنا يعلم أن  الطفرة العلمية المذهلة المتسارعة  قد حدثت بنهاية الحرب العالمية الثانية مما نتج عنها  بالضرورة تطور مذهل ومتسارع  في التقنيات،  وأن هذه التقنيات أيضا مرت بعدة (أجيال) من الحزم التقنية  والأليات والمعدات حتى  وصلنا الى ما نحن عليه الأن من تقنيات تعتمد على الالكترونيات الذكية التي أصبحت  تستطيع توفير  المعلومات في ثوان، وتقوم بتشغيل المعدات ذات التقنية والكفاءة  العالية عبر برامج يتم تشغيلها بأطراف الأصابع. أما  زراعتنا الحالية في السودان نصفها (بمحلك سر) كما ونوعا، و لا ترقي الي مستوي طموحاتنا أو الامكانيات  التب حبانا بها خالقنا من اراض و تربه و الكميات المتوفرة من الماء والتنوع النباتي والحيواني والمناخي ونتائج البحوث والعلوم والخبرات والعمالة بأنواعها ، بل   نقول وبشجاعة أن انتاجيتنا  حقيقة (مخجلة ) مقارنة بمتوسطات الانتاج اقليميا وعالميا. نقوم بزراعة ما لا يقل عن 40 مليون فدان سنويا، أي بما يعادل فدان واحد / مواطن ، ولدينا أكثر من 130 مليون رأس من الحيوانات، أي  بما يعادل 3 حيوانات/ مواطن، والحال كما تعلمون!!  من المفترض طبقا للمعايير العالمية الحالية أن انتاجية الفدان تكفي ما لا يقل عن 30 شخصا باستخدام التقنيات الحديثة من اليات ومبيدات وأسمدة ..الخ.  لكننا نهدر مواردنا بدون مقابل حيث أن ما نتنجه يعادل 1/30  أي 3.3% من  المفترض انتاجه.   وما يجب أن  نصدره  ونخزن منه المخزون الاستراتيجي من المفترض أن  لا يقل باي حال من الأحوال عن  20 ضعف مما نقوم به الأن. 

السؤال هو: لماذا كل هذا الضعف؟ ولماذا نسكت عليه؟ و السؤال الأكثر صحة هو: لماذا نرضي بالقليل  وفي مقدورنا بالفعل أن نكون سلة إذا العالم؟

 في رأيي المتواضع مشروع الجزيرة بمفرده،  ان تم استغلاله استغلالا سليما ، سيكفي  احتياجاتنا المحلية، وبقية  المنزرع  مروي ومطري، تقليدي وحديث،  يكون كله للتصدير (38 مليون فدان).

الأسئلة  المشروعة أيضا  هي: يا ترى ما هي الأسباب وراء ذلك؟ هل هي غياب العلم؟ أم الخبرة؟ أم الامكانيات؟ أم عدم الاهتمام؟ أو عدم القدرة على المواكبة؟

من ناحية العلم والخبرة  فإننا كشعب من اقدم شعوب العالم معرفة بالزراعة،  وأن هيئاتنا البحثية من أقدم الهيئات البحثية بالمنطقة حيث بدأت في العام 1912م، ولدينا من العلماء والخبراء بخبرات متراكمة منذ اربعينيات القرن الماضي  وعملوا كخبراء بالمنظمات العالمية والاقليمية وأسسوا الجامعات والمراكز البحثية بالعديد من الدول العربية والافريقية والهند وباكستان وافغانستان وغيرها، ولدينا 18 محطة بحثية زراعية  و12 كلية زراعة  وحوالي 5 كليات بيطرة.

أما عن بقية الامكانيات من اراض وانهار فهي متوفرة وبكميات نحسد عليها،  وأمطار كمياتها  يقال أنها تعادل 5 أضعاف ماء الأنهار، بخلاف الماء الجوفي،  ومناخات متنوعة (من صحراوية حتى مناخ البحر الأبيض المتوسط)  تساعدنا على زراعة كل ما يحتاجه العالم، ومراعي طبيعية  في أغلب مناطق البلاد ، وثروات حيوانية من أفضل السلالات، واسماك ذات جودة عالية  نهرية وبحرية ..الخ. 

من أغرب الأشياء أننا حتى تاريخه (64 عام  منذ الاستقلال) نقوم باستيراد مدخلاتنا الزراعية  سنويا بملايين الدولارات  من الخارج مثل المبيدات بأنواعها والأسمدة والخيش وأحيانا البذور في حين اننا (كنا ) نملك ثلاث محطات انتاج البذور ومصنع لتجهيز المبيدات  بمارنجان، وأن الدول التي استقلت بعدنا  بعشرات السنين أصبحت تنتج هذه المدخلات وتصدرها لنا، منها ما يجاورنا (مصر وأثيوبيا وليبيا) وأخري بدول الخليج مثل قطر والأمارات والسعودية والأردن وسوريا. كما نعتمد اعتمادا كليا على الصين والهند في  استيراد المبيدات الحشرية والحشائشية والفطرية.

هل تقبع مشكلتنا في التخطيط للمستقبل؟ أم في مقدرتنا على  توفير العملات الصعبة لاستيراد التقانات الانتاجية؟ أم في مقدراتنا التصنيعية وتطبيق العلم في الصناعة (يعني منظراتية  ساااكت)؟ أم في ضعف مقدرات المزارع السوداني؟ أم في مقدرات وامكانيات المرشد الزراعي لنقل التقانة للمزارع ومتابعته؟ أم في (مناهجنا) التي ندرب بها الخريج الزراعي وعدم كفايتها ومواكبتها للمستجدات و مقدرته على حل المشاكل والادارة؟

هذا ما سنناقشه في الحلقة الثانية بإذن الله .  اللهم نسألك اللطف (أمين).

ب/ نبيل حامد حسن بشير
[email protected]
جامعة الجزيرة
15/6/2020م

‫4 تعليقات

  1. نحن في الشرق رغم اننا لا نملك كليات زراعة مثل المركز لكننا نزرع كل شى .كل شى يصلك يمكن ان تزرعه مثلا ذهبت للسوق وجدت فراولة ازرعها كيف بالبطاطس تلقيح وزعها صدقة كل ما يزرع له بذور او يمكن ان يلقح به او يحدث به تطعيم نحن ناكل وفقط والباقي نلقيه في القمامة ولا نزرع حنى الباقي .ان كان لجامعة الخرطوم هدف بجمع البذور والاشجار لكنا نزرع كل شى حتى التفاح والعنب الاحمر والفراولة فالبلاد بها كل المناخات

  2. أين دور الاعلام و الاعلامين .. لا توجد دورية واحدة بالبلاد للزراعة أو الحرفية .. لابد من صحيفة زراعية تعني بالمعلومة و الارشاد توزع بالارياف قبل المدن.كما نتوقع قناة فضائية تعني بالحرفية الصناعية و الزراعية تعليمية و تثقيفية …

  3. يا استاذ نبيل في راي المتواضع المشكلة سياسية اكثر منها علمية بدليل اختيار المتعافي وزيرا للزراعة وتنظيره في استجلاب عينات المحورة والبذور و الاسمدة الفاسدة

  4. السياسة لعبت وتلعب دورا كبيرا في ذلك ، ايام نميرى كان من المفترض ان يتم تصنيع سماد اليوريا في السودان بواسطة شركة اميكية اسمها سودان رين لم يقم هذا المصنع وفي راي ان هناك تجار مستفيدين من توريد هذا المدخل الهام ، بالاضافة الي قلة المرصود لتطور الزراعة في الميزانية العامة ( حوالي 3% ) تقريبا. اضافة الي عدم الاهتمام الذي وصل الي درجة ان يكون المتعافي وزيرا للزراعة والذي عن طريقه دخلت البلاد تقاوي مضروبة بالرغم من ان هيئة البحوث الزراعية لديها قوانين و خطوات يتم بموجبها ادخال اي تقاوي الي البلاد لا يسمح باختراقها ،الا يوجد في حزب المؤتمر الوطني زراعيين لكي يتولوا وزارة الزراعة، وعموما اشياء كثيرة ساهمت في تدهور الزراعة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..