
الحكمة من أفواه المجانين، وكذلك السكارى، فعند مفترق الطرق يكون كل شيء واردا:
-كلو ممكن..
هكذا كان ماجوك يردد، وهو واقف عند باب المحكمة خفيرا في مدينة بين الشمال والجنوب مختلطة، لم تكن تحسب أنها ستنقسم، أما ماجوك، فيلقي بكلمتيه هاتين ملخصا موقفه من الحياة:
-كلو ممكن..
فعمليا، كل الأشياء ممكنة في بلاد يرى ماجوك في قرارة نفسه أنها محكومة بالمجانين، وقد كشف ما في نفسه لكاتب محكمة شمالي ذي دم خفيف:
-عارف يا تجاني كلو ممكن، مس في حكومة مجنون؟ كلو ممكن..
ضحك التجاني بشدة، كان حديثهما ضمن خطة رتبها الكتبة لحل مشكلة ماجوك وأسرته التي تعبت من سكره المتواصل، وإهماله الإنفاق على المنزل، كان مجيء زوجته لهؤلاء الكتبة نتيجة مشورة جارتها الشمالية:
-لا .. لا.. كدة بتبقى عيب، كدي يا إنجيلينا امشي المحكمة للكتبة الشماليين يشوفو حل للدوشمان دا..
-مندكوروا بيعمل شنو؟؟
-يعملو شنو؟؟ الرجال بعرفو لبعض، هم بريدو ماجوك وبيتونسو معاهو هو حكى ليك كدة مش؟
-آآيي كل مرة .. التجاني قال وانا قلت.. والطيب قال وود السنجك قال..
-بس.. انت امشي ليهم. لمن يكون نايم ما عندو شغل.. بالنهار امشي ليهم واحكي ليهم.
ولما وجد التجاني إنجيلينا مغروسة أمامه، تثرثر، همهم في نفسه:
-بالله المرا نضامة جنس نضم، لكن معذورة ماجوك زاتو مكترا..
فجأة قال لها التجاني:
-اسمعي إنجيلينا انتي بتعملي مريسة كويس؟
-آآيي.
-خلاص الموضوع خلي علي، دوشمان تاني مافي ماجوك برة بيت ما بيطلع..
-والله مندكورو تعمل كدة.. انا زاتي اعمل ليك شنو ما عارف..
وأطلقت ضحكة استغراب طفولية بريئة، ومضت تهمهم يمينا ويسارا.
جمع التجاني أصدقاءه الكتبة في وقت الأفطار، وحدثهم بخطته، فوافقوه:
-أخير من نمشي حلة، هاور جاور، ما معروف ساوين شنو في المصيبة دي، الله يتوب علينا منها..
قالوا بنفس واحد: اللهم امين.. يا اخوانا..
ذهب التجاني لماجوك، فحياه ماجوك قائلا: التجاني أهلا ولدي السمح.
التجاني: والله ماجوك، قلبي واجعني.
ماجوك: لسنو..
التجاني: عمر البشير وحكومة دي جننا..
ماجوك: والله تجاني زول في خرتوم دا، مجنون، يلم ناس كوراك كتير شغل ما في زول مجنون..
التجاني: كلام دا، في كلام كتير انا داير اقولو.. داير نقعد سوا.. بالليل نجيك نشرب .. ونتونس..
هكذا رسموا خطتهم، وذهبوا ليلا حاملين معهم كل المطلوب، والوقت خريف، والمدينة تشرب من سحاب الخريف كيفما تشاء، والنسيم عليل..
وجلسوا وقالوا كل ما في صدورهم من كلام وأكثر، احترعوا كلاما آخر وقالوه..
واستمرت الجلسات، انحصر هم ماجوك في منزله، وتبدلت الحال بالتدريج، فصار أولاده أكثر اهتماما بدراستهم، والبيت أكثر ترتيبا، وملابس ماجوك أكثر أناقة..
تهامس الحي: ماجوك والله بقيت زول..
أخرى تعلق: والله يا ماجوك بقيت شبه الناس..
أما النسوة العالقات في المحكمة بمشاكلهن فوجدن فيه تسلية:
-وشك بقى وش السرور..
وتعقب أخرى: ريحتك طاقة.. يا شقي كتلت منو؟
أما الجنوبيون، فقد تراطنوا طويلا، فقد تغير بعد صحبته للمندوكورو، الذين أقنعوه بتسليم الراتب لزوجته لتنفق، ويكون هو أهدأ بالا بمصروف جيب يكفيه.
ومع مضي الوقت، ظلوا يرونه ساهما سارحا، كانوا كذلك يفكرون في مدينتهم هل ستنفصل؟ هل ستبقى؟ أم ماذا؟
كان ماجوك: كلو ممكن..
لكنه في ثرثرة عابرة مع التجاني علق:
-عارف يا تجاني يا سمح انت.. جنوبيين مع بعض كدة.. كلو بموت.
-كيف مش أحسن ليكم؟
-لا ما أحسن..أحسن كيف.. اسي سؤال ؟
-اسأل يا فهم..
-سكرا، يا أخي صندوق كوباية
-أيوة مالو؟
-كوباية كوباية في فلين.. صح؟
-أيوة صح.. اها؟
-فلين ما في كوباية بكسر صح؟
-أيوة والله صح..
-مندكورو فلين.. جنوبي كوباية.. فلين ما في كوباية بيكسر كلو. جنوبي دوشمان كتير.. موت كتير.
…
وقع ما خشيه ماجوك، اختفى وهو يردد:
-زمان قلت.. كلو ممكن..
أطلق زفرة حارة، ومضى بعائلته بعيدا، تاركا سؤالا يرن في اذن التجاني:
-بلدنا فيها السكارى حكما.. نان حكامنا ديل بيجونا منقلعين من وين؟
سيف الدين خواجة
[email protected]
كلو ممكن حتي عرقي العيش…..
هههههههههههه
عرقي العيش. هههعهههه