من غير المهم على الأقل في الوقت الراهن أن تبذل لجان المقاومة جهداً لإثبات إستقلالها السياسي والتنظيمي للذين يتهمونها بالتسييس ، لسبب بسيط مفادهُ أن التسييس في حد ذاته ليس مذمة ولا سُبة إن أقدمت لجان المقاومة من خلال هياكلها ولوائحها التنظيمية على إعتمادهُ أو التعامل معه وفق منظور يضمن إستقلالية قراراتها وتوجهاتها عبر التصويت وترجيح رأي الأغلبية ، هذا على المستوى النظري أما على نطاق الواقع فليس هنالك غير فلول النظام البائد من المُشككين في كل ما يرونهُ من تغيير وتبديل في واقع الدولة والمجتمع من (يتهم) لجان المقاومة التي كان مولدها في شوارع الثورة وساحاتها ، ومنشأها في أحضان هُتافاتها وأهدافها ، بأنها (مُستضعفة ومُستغفلة) و(قابلة ) للتسييس ، لأن ذلك يعني في ذات الوقت أنها (مُستباحة) وقابلة للإختراق ، ولو إستطاع حزبٌ من الأحزاب التي نراها اليوم بما يبدو فيها من شغف وجشع للإستحواذ والهيمنة على جسد الثورة وروحها لفعل ذلك دون تردُّد ، والآن تثبت لجان المقاومة إستقلاليتها (الناصعة) والدليل على ذلك ما يحدث الآن من (إستباقات) في الوُجهة السياسية للجان المقاومة ، أهم ما ميَّزها أنها كانت خارجة و(مُتمرِّدة) على منظومة التوجهات الحزبية المنفردة كموقف حزب الأمة والمؤتمر السوداني من مواكب 30 يونيو 2020 ، مُضافاً إليها موقف تجمع قوى الحرية والتغيير الذي ما زال غير مُعلن ، وموقف تجمع المهنيين السودانيين (القيادة الجديدة) الذي وعلى ما يبدو آثر السلامة و(التقوقع) إحتماءً بعباءة وظِل لجان المقاومة بموافقتها تقديراتها وعزمها الخروج في 30 يونيو ، والدليل على ذلك أن لجان المقاومة أعلنت موقفها من أمر خروج الموكب دون إنتظار أو ترقُب لبيان تجمع المهنيين كما كان سائداً في زمانٍ سابق.
والحكومة الإنتقالية تتناوشها مؤامرات الدولة العميقة ، ومهاترات فلول النظام البائد الذين أسدلوا سُتر الحياء وأصبحوا (يجاهرون بالعداء) في هواء الحُرية الطلِق ، ومقاومات العسكر والقوى النظامية (للفُطام) من تدخلاتهم في الشأن المدني والعودة إلى مخطوطتهم المهنية المحصورة في الشأن الدفاعي والأمني ، ثم بوادر نجاح مؤامرات المُتضرَّرين من إستمرار وصمود مسيرة القصاص وتفكيك دولة التمكين في زرع الفتن وإحداث (بدايات) الخلافات والتفرقة وتهديد وحدة مؤسسات الثورة ودعائمها الأساسية مُمثَّلة في الحاضنة الرئيسية للحكومة الإنتقالية وتجمع المهنيين السودانيين كواحد من أهم حُلفائها ، بات من الضروري أن تلعب لجان المقاومة دور (الموجِّه الإستراتيجي) لمسارات الحكم الإنتقالي تحت قاعدة رعاية وحماية مطالب الثورة وأهدافها وتنفيذ ما تم الإتفاق عليه في الوثيقة الدستورية التي تسعى أحزابٌ كبرى إلى تبديلها و(تحويرها) عبر المُناداة بفضيلة الإصلاحات الهيكلية داخل تجمع قوى الحرية والتغيير تمهيداً للتمكُّن من (تحوير) و(تبديل) بنود الوثيقة الدستورية بما يتلاءم مع مصالحها وأطماعها وذلك تحت مُسميات عُدة أشهرها (العقد الإجتماعي الجديد) و(مصفوفة برنامج الفترة الإنتقالية) ، هذا البرنامج الموجود فعلياً وبأدق التفاصيل والعبارات داخل متون الوثيقة الدستورية التي شاركت في صياغتها وإجازتها ذات هذه الأحزاب.
لجان المقاومة الآن ورغم خبراتها المحدودة ككيان ثوري وليد ، تضطلع بدورٍ كان قد ألتزم بهِ تجمع المهنيين السودانيين قبل تشكيل الحكومة الإنتقالية مفادهُ ممارسة الرقابة على الحكومة الإنتقالية ومتابعة مدى إلتزامها بتحقيق أهداف الثورة وشعاراتها من خلال برنامج مهام الحكم الإنتقالي ، وبغض النظر عن الوسائل المُتَّبعة لأداء هذا الدور لم يعُد لثورة ديسمبر المجيدة وشهداءها وضحاياها ومن تبقى من أصحاب المصلحة فيها من (أمل) غير إضطلاع لجان المقاومة بممارسة الضغوط الشارعية للفت إنتباه الحكومة الإنتقالية إلى (كُبريات) القضايا (المُهدِّدة) لمسار الثورة ومسيرتها ويأتي في مقدمتها ضرورة إضطلاع الشِق المدني في الحكومة بدوره الريادي والإستراتيجي و(المؤثِّر) في إتمام عملية السلام الشامل ، بالإضافة إلى تمكين وزارة المالية من الولاية الكاملة والمنفردة على كل إستثمارات ومشاريع المؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية ، ثم إتخاذ خطوات سريعة وحاسمة في أمر تطهير الخدمة المدنية من قبضة تمكين النظام البائد ، والتعجيل بإعلان نتائج التحقيقات في كافة القضايا الثورية وفي مقدمتها مجذرة القيادة العامة والبدأ في محاكمة المتهمين في جرائم إبادة شهداء دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وغيرها من المظالم الموضوعة أمام المؤسسة العدلية ، هذا فضلاً عن الإسراع في أمر تكوين المجلس التشريعي وتعيين ولاة مدنيين في الولايات وإيجاد حلول عاجلة وإستثنائية لمحاصرة الضائقة المعيشية التي أثقلت كاهل البسطاء.. في رأيي هذا أقل ما يمكن أن نطمح في تحقيقهِ عبر ثورةٍ بذل دونها شبابنا الأرواح والدماء.
[email protected]
و لتحذر لجان المقاومة إختراقها من قبل الكيزان و لتنظف صفوفها من المندسين منهم.