ماسي التعليم

مؤكد أن كل الشعب السوداني منشغل جداً بمسألة التعليم ويكابد من أجل أن يعلّم أبناءه لا لسبب سوى لأنه يؤمن بأن التعليم كما قال الشاعر يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف، وهذا الوصف ينطبق اليوم على السودان فقد كان بيت عز وشرف وبدأت عماده تتهاوى بسبب انهيار مجالات كثيرة وأولها التعليم، وكان يمكن للشعب السوداني أن يكون الأفضل وبلده من أكثر الدول ازدهاراً في العالم ان تصرفت الحكومة عند مجيئها قبل 28 سنة بقليل من الحكمة، ولكن تدخلها غير المدروس والمتهور في شأن التعليم جاء بنتيجة عكسية، وقد انطبق عليها قول المثل (جات تكحلها عمتها)، و رغم هذا لم تجتهد لإصلاح ما خربته يدها فتركت التعليم للظروف تتكفل به فأصبح السودان واحداً من أسوأ الدول في العالم في مجال التعليم العام والعالي والبحث العلمي.

دائماً ما يساور الكثيرين الشك بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا يريد للسودان التقدم والازدهار ولا يريد لشعبه التطور والرقي، لأن أية حكومة تريد ذلك لشعبها ووطنها تضع التعليم بجميع مستوياته في مقدمة أولوياتها واهتماماتها، فدول كثيرة ارتقت وازدهرت في أعوام قليلة لأنها اهتمت بالتعليم، الشيء الذي يحوّل ذاك الشك إلى يقين هو أن التعليم أصبح أصعب ما يبتغى مثله مثل أية سلعة تباع في السوق الأسود فتسرب الأطفال من المدارس وارتفعت الأمية وحتى الجامعات أصبحت تخرّج أنصاف متعلمين، فيدفع المواطنون كل يوم ثمن ذلك تعاسة وشقاءً ومرضاً وفقراً، الأسوأ من كل ذلك هو أن الحكومة ما زالت مستمرة في إهمال التعليم لدرجة أنها لا تمنحه شيئاً من ميزانية الدولة، ففي آخر ميزانية منحته بشقيه العام والعالي828 مليون جنيه فقط لاغير، أي أقل من 1% من ميزانية الجيش، رغم أنها وضعت 2 مليار جنيه كمصروفات للقطاع الإداري والاجتماعي، كما إنه لا يوجد صرف على البحث العلمي، فكيف يمكن لنا أن نعرف طريق التقدم والازدهار والحكومة نفسها من تصنع العقبات؟.

كل عام يقف وزراء التربية والتعليم أمام المجالس التشريعية والبرلمان القومي يشكون من مشاكل التعليم العام والعالي، ويتوسلون الحكومة لرفع الميزانية ولكنها لا تستجيب، أول أمس بالمجلس الوطني وفي جلسة مشتركة مع لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي، طالبت وزيرة التعليم العالي سمية أبو كشوة بزيادة نسبة دعم التعليم ودعم البحث العلمي، وطلبت من اللجنة مساندة الوزارة في الإسراع بإجازة القوانين والتشريعات الخاصة بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وهذا طبعاً واحد من الأسباب الكثيرة التي تعوق تقدم التعليم العالي.

لم نسمع يوماً ان هناك حكومة في العالم يضطر وزراؤها للمطالبة بزيادة الصرف على التعليم ويطلبون الدعم والمؤازرة من البرلمان الذي يفترض ان هذا دوره إلا في السودان، وهذا يعني فعلياً أن الحكومة وبرلمانها غير مستعدين لدعم قضايا التعليم مما يجعلنا نتشاءم بما ينتظر التعليم.

بعد أيام ستقدم الحكومة ميزانية الدولة ليجيزها وهو مغمض العينين، وإن لم تزد ميزانية التعليم إلى 20% على أقل تقدير فلا شك أن السودان لن يكون بخير.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..