مقالات سياسية

مغامرات محمد احمد في بلاد العجائب (١-٢)

أحمد الفكي

مغامرات شعبنا في عالم السياسة منذ ان نالت بلادنا استقلالها تكاد تشبه الي حد كبير مغامرات أليس في بلاد العجائب (للكاتب الانجليزي لويس كارول 1865) مع فارق واحد وهام جدا وهو ان عجائب عالم أليس يتكون من القرود والببغاوات والفئران والاشجار الغريبة، وعجائب عالم شعبنا يتكون من رجال الدين وبيوت الاشباح والعسكر والخبراء الامميين المزعومين الذين يتوهمون ويوهمون شعبنا بانهم يملكون الحلول لمشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومغامرات أليس لمن لم يقرأ قصتها هي قصة طفلة في العاشرة من عمرها كانت تجلس مع اختها لميس في الحديقة. انشغلت عنها اختها بكتاب كانت تقرؤها فبدأت أليس بجمع ازهار الياسمين وفكرت في صنع عقد. وهي منهمكة في جمع الازهار اذا بارنب يرتدي ملابس فاخرة يظهر امامها، ينظر الي ساعته وهو يردد: ما هذا لقد تاخرت كثيرا ولقد انتصف النهار. جري الارنب والقت أليس بازهارها وجرت خلفه. دخل الارنب جحرا فدخلت خلفه وهنا تبدا رحلتها في بلاد العجائب. فوجدت القرود التي تتحدث بفصاحة والببغاوات التي تبكي والفئران التي تقدم لها النصح والجنود الذين يطيرون. وبين جولة واخري فقد كبر حجم أليس وصغر حسب سعة الجحر.

لقد ظل شعبنا يثور علي الظلم والجهل والتخلف ويدفع ثمنا غاليا وتضحيات جسام وهو يمني نفسه بتغيير يضعه في المكان الذي يليق به وبتضحياته. ولقد ظل يصاب بخيبة الامل في ساسته واحزابه ومثقفيه حتي كفر بالاحزاب وهو الذي يعشق الديمقراطية، يتغني بها ويموت شبابه من اجلها.

وتماما كما استيقظت أليس من حلمها ومن رحلتها في بلاد العجائب عندما تبعت الارنب ودخلت جحره، يستيقظ شعبنا في كل مرة وقد سآت اوضاعه الاقتصادية وامتلأت ذاكرته بانواع جديدة من الساسة الذين تصنعهم الاحداث السياسة لتواجدهم في المكان المناسب وفي الوقت المناسب او غير المناسب ولا يصنعون الاحداث ، ومن الخبراء الذين لا يدركون انهم لا يدركون ويظنون ان شهادة هذه الجامعة او تلك هي تأكيد للمقدرة علي حل معضلات البلاد منفردين، ومن الاستراتيجيين الذين يصدقون ان خارطة الطريق هي الطريق حتي ابدعنا وتفوقنا علي العالم في توصيف الخبراء من سياسيين واقتصاديين امميين فخرجنا بوصفة خبير وطني ولا ادري ان كانت الوطنية هي توصيف لخبرتهم ام لمجال تخصصهم.

انها رحلة مرهقة تصيب المرء بالاحباط وتكاد تلقيه بين فكي اليأس فيكفر بالساسة وبالسياسة وبالتغيير ويركن الي الاحكام التي لا تفسر ولا تقدم ولا تؤخر من شاكلة نحن شعب غير محظوظ. او بالقاء اللوم علي الشعب السوداني قاطبة وكأن تفسير فشلنا امر مغروس في جيناتنا وفي حمضنا النووي وهو ما يفسر اختلافنا عن الشعوب الاخري وعدم مقدرتنا علي جني ثمار التضحيات التي يقدمها شعبنا في كل مرة نثور علي الظلم وننجح في ازالة رموزه وليس اسبابه.

وفي لحظات اليأس يردد البعض ان بلادنا لن تتغير حتي يموت هذا الجيل او ذاك وهذا الامام او ذاك او حتي ينقرض هذا الحزب او ذاك. ويصل الامر ببعضنا اقتراح ضخ عناصر اخري في شعبنا عن طريق التزاوج حتي يتحول الي شعب اخر يقوم بحل اسباب مشاكله ويحصد ثمار ثوراته ويخلق الوطن الذي يليق به. وهي وصفات رغم قسوتها الظاهرة ولا عمليتها لا تختلف كثيرا عن وصفات من نطلق عليهم خبراء او علماء دين او قادة عسكريين ملهمين (بفتح الهاء) وملهمين (بكسرها).

فمتي نخرج من جحر عالم أليس وعجائبه؟

ومتي تعود أليس لالتقاط ازهار ياسمينها التي القتها علي الارض ، وهي تطارد الارنب المهندم في جحره العجيب، قبل ذبولها وتصنع منها العقد الذي كانت تحلم به . متي يفيق محمد احمد من التجول في عالم أليس والاستماع الي حكم الفئران ونصائح القرود ويبني الوطن الذي يحلم به ويليق بتضحياته. هذا ما ساحاول الاجابة عليه في الحلقة القادمة.

أحمد الفكي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..