مقالات سياسية

تعقيب على الأستاذ بدرالدين يوسف السيمت (2)

خالد الحاج عبدالمحمود

بسم الله الرحمن الرحيم
“يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”

الموت:
يقول الأستاذ بدرالدين: (اما الجمهوريون فقد اختاروا ترك الاستاذ على حبل المشنقة وتنازلوا عنه لا عن جبن وانما نتيجة توهمهم وايمانهم بالخرافة وعدم فهمهم للفكرة الجمهورية والادلة على ذلك كثيرة ادناها زعمهم ان الاستاذ محمود لا يموت ابدا وما زال كثيرون منهم يعتقدون بعودة الاستاذ الى الحياة. وقد ظهرت هذه الخرافة جلية في انهم لم يتنازلوا عن الاستاذ محمود عندما حكم عليه وعلى بعضهم بالاعدام في المحكمة الابتدائية وامام محكمة الاستئناف ورفضوا الاستتابة كما رفضها الاستاذ ولكن الجمهوريين عدلوا عن هذا الموقف المشرف عندما طلبت منهم الاستتابة بعد موت الاستاذ فقبلوها بعد ان تاكدوا من موت الاستاذ حسيا..).. كل هذا الحديث يدل على ربكة شديدة في فهم موضوع الموت.. ويدل على اتهامات باطلة، وعلى الكثير من التناقضات الحادة.

من الأفضل أن نُذكر هنا برأي الأستاذ المبدئي في موضوع الموت.. يقول الأستاذ: (الموت الحسي ليس، في حقيقته، كما نظنه نحن الآن، وإنما هو ميلاد في حيز غير الحيز الذي نألفه نحن، مثله، في ذلك، مثل ميلاد الطفل في عالمنا هذا، فإنه قد جاء من حيز عاش فيه مدة، وألفه، واطمأن إليه، ولم يخطر بباله حيز غيره، ولو خير لكره الخروج عنه إلى عالمنا هذا كما يكره أحدنا أن يموت الآن.. نحن أيضاً عندما نموت سنجد أنفسنا في عالم خير من عالمنا هذا.. الموت بمعنى الفناء ليس هناك.. فبالموت يغير الحي قشرته فقط. يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحاً من الزمن ــــــ وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها ــــــ فالإنسان لا يموت، وإنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية.. وتبرير الإسلام للموت أنه سير إلى الله ــــــ سير من البعد إلى القرب ــــــ وهذا لجميع الناس.. ” يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا، فَمُلَاقِيهِ” ومن ملاقاة الله الموت، لأن به رفع الحجاب ” لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ”..).. هذا من حيث المبدأ، وبالنسبة لجميع الناس.. والنقاط الأساسية التي تهمنا هي:

الموت ليس فناء، وليس صيرورة للعدم
الموت انتقال من حياة الى حياة اخرى.. اشبه بحياة الطفل عندما يُنقل من بطن امه، الى الحياة الدنيا.
بالموت الحسي يغير الانسان قشرته فقط.

هنالك ربكة يحدثها التعبير باللغة، فعبارة (الانسان لا يموت)، ليس المقصود منها نفي الموت، وإنما المقصود نفي الموت بمعنى الفناء.. يعني أن الانسان يموت، ولكن موته عبارة عن انتقال الى حياة اخرى.. فالحياة بالنسبة للانسان ليست صورة واحدة ثابتة.. حياة الذات الالهية وحدها هي المطلقة، اما حياة الانسان فهي مستويات متدرجة التسامي تطلب الحياة المطلقة.. الوجود كله حي، لأنه مظهر للحي، لكننا في اصطلاحاتنا لا نسمي المادة غير العضوية (حية)، لأن حياتها كامنة فيها ولم تبرز بعد.. فالحياة بالمعنى الاصطلاحي عندنا، هي حياة الأحياء فوق المادة غير العضوية التي نعتبرها ميتة.. والحياة في أي مستوى من مستوياتها ، متطورة تطلب الحياة المطلقة، عند الذات المطلقة.. في هذا التطور كل مرحلة من مراحل القرب هي اكمل من حيث الحياة من المرحلة السابقة عليها.. ولن يأتي يوم، تصير فيه حياة المحدود مطلقة، وإنما السير في هذا المضمار سرمدي.. فالانسان يموت، ولكن نفس هذا الموت هو حياة تختلف عن الحياة السابقة في الدرجة.. من اجل ذلك إذا قلنا أن الانسان الكامل لا يموت مثلا، فهذا لا يعني انه يعيش الحياة المطلقة.. وانما معناه ان الموت الحسي بالنسبة له هو اتصال بين حياته السابقة، وحياته بعد الموت، دون ان تكون هنالك غفلة حدثت عنده بسبب الموت.. والاختلاف بين الانسان الكامل والانسان العادي، هو ان الانسان الكامل يجتاز تجربة الموت دون غفلة، ودون ان يترك خلفه قشرة، لأنه ملأ جسده كله حياة .. والموت الحسي بالمعنى المعروف عندنا، هو مرة واحدة لا تتكرر.. في يوم القيامة يذبح الموت، كما هو التعبير.. أما الموت المعنوي فهو موجود دائما، وإن كان يدق دائما ايضاً.. فهذا هو الاختلاف بين حياة الذات المطلقة ومقام الاسم _ الانسان الكامل.

هذا هو فهم الجمهوريين للموت، ولا يوجد فيه أي شيء مما زعمت فقولك ان الجمهوريين قد تركوا الاستاذ، ليس نتيجة جبن (وانما نتيجة توهمهم وايمانهم بالخرافة وعدم فهمهم للفكرة الجمهورية والادلة على ذلك كثيرة ادناها زعمهم ان الاستاذ محمود لا يموت ابدا).. هذا محض كذب، وسوء تخريج منك، لم تورد عليه أي دليل وانما قررته فقط من عندك.. فكون الأستاذ لا يموت هو زعمك انت الآن، وليس عندما كنت جمهوريا، وسنورد نص قولك في ذلك.. أما إذا كنت تشير الى رفض واحد من الاخوان لموت الاستاذ، فهذا امر طبيعي.. وامر موقف سيدنا عمر من موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بعد حدوثه، امر معروف.. وهو لشدة الصدمة عنده نسي الآية: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ” الى أن ذكره بها سيدنا ابوبكر، فرجع سيدنا عمر عن موقفه.. فلا يمكن ان يقال أن الأصحاب كانوا يؤمنون بأن النبي الكريم لا يموت.. فالأمر محسوم عندهم بالقرآن.. كذلك الاخوان الجمهوريين الامر عندهم محسوم بالقرآن، وبأقوال الأستاذ محمود.. فأي جمهوري يعرف قول الله تعالى: ” إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ”.
والأستاذ محمود كتب وصيته منذ منتصف اربعينات القرن الماضي، وقد ذُكر هذا في الفيلم الوثائقي الذي تتحدث عنه.. والوصية موجودة الآن بخط الأستاذ.. وقد سبق لي أن تعرضت للقضية في صحيفة التيار، ومما ذكرته: ان الاستاذ منذ ايام الخلوة كان ينتظر أن يُعدم!! وقد ذكر هذا للبعض، منهم العم مختار علي الشيخ.. فبعد صدور الحكم قال عم مختار ان هذا الحكم سينفذ!! فهاجمه البعض.. فقال لهم: هذا ليس قولي انا، وإنما قول الأستاذ نفسه.. ففي احدى زياراتي له في الخلوة، قال لي سيأتي يوم اقتل فيه، وفي ذلك اليوم من لم يكن معنا فقد الكثير.. قال له عم مختار: عليك الله يا استاذ بحق العلاقة التي بيننا، لا تنساني في ذلك اليوم!! وقد اتفق لي انا شخصيا، أن سمعت هذا الأمر من الاستاذ محمود نفسه.. وكان ذلك في بدايات سبعينات القرن الماضي.. كنا معه نحن بعض الاخوان والاخوات، في حجرته.. فجاء ضمن الحديث قوله أنه سيأتي يوم يقتل فيه.. حاولت ان افسر القول بصورة معنوية.. فقال لي: لا القتل الحسي.. وكان الأستاذ كثيرا ما يسأل الاخوان والاخوات: هل منكم من رآني في المنام أني مُت ودفنت؟! وعندما اعتدى احد المهووسيين على الاستاذ، وضربه بعصا على رأسه، وكان الأستاذ يحاضر، علق الأستاذ بقوله: الزول دا استعجل، وقت الضربة لسة ما جا!!

اما زعمك الذي جاء في عبارتك (وما زال الكثيرون منهم يعتقدون بعودة الاستاذ للحياة) فهو قول يدل على جهالة وعدم موضوعية.. وانت لم تورد عليه أي دليل.. فعندنا من يعود هو الحقيقة المحمدية، هو الانسان الكامل، وهو الذات المحمدية.. الذي نقوله هذا ليس خرافة، وإنما هو يمثل قمة المعرفة في الدين.. واليه يشير قول الله تعالى : ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ”.. فالإنسان في احسن تقويم هو الحقيقة المحمدية، وهو في الملكوت، وينتظر له أن يتنزل الى عالم الملك.. وقد حقق المعصوم مقام الخليفة هذا بالنزع، ونزل به الى البرزخ.. وهو صلى الله عليه وسلم سيعود محققا مقام الوسيلة في هذه الأرض، فيكون هو المسيح المحمدي.. في ذلك يقول الله تعالى: “إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ”.. معاد يعني عودة الى الحياة في الارض، وهذا يكون في اليوم الآخر، في الساعة الصغرى، حين يكون المعصوم اول من يبعث.. فإذا كانت مواعينك لا تستطيع استيعاب هذا العلم، فمن الخير لك ان تتركه، وتترك اتهاماتك العدوانية الباطلة للجمهوريين، وتنشغل بنفسك التي سفهتها طويلاً.

ما يقوله الأستاذ بدرالدين ينطبق عليه هو شخصيا، ويريد ان يسقطه على الجمهوريين!! فهو قد قال: “لأن الاسـتاذ من حيث هو ولى، قد اختصـه الله برحمـته، فانه لا يولد، ولا يمـرض، ولا يفــقر، ولا يجهـل، ولا ينسى، ولا يموت موتا حسيا”.. من كتاب (وذكرهم بأيام الله)، ص 89 .. هذه هي الخرافة، والمبالغة في الكذب واللامعقولية.. فجميع ما قلته في هذا النص هو شديد البطلان.. وهو محض نفاق.. فلا أحد من البشر، لا اولياء ولا انبياء يمكن أن يحدث له ما زعمت، وحقيقة انت لأمر في نفسك، قلت هذا القول الشاذ.. وانت في مواضع اخرى تقول عكسه تماما، فمثلاً من اقوالك من كتابك (وذكرهم بأيام الله)، قلت: (وسيجد القراء الكرام، اضافة الى تلك الوقائع، بعض المقالات التى وقعت أحداثها بعد التحاق الاستاذ الجليل بالرفيق الأعلى، وانتقاله الى دار البقاء، وموته موتا حسيا، ساعة تنفيذ حكم الاعدام..).. (ص 9 ) .. والكتاب المشار إليه صدرت طبعته الأولى في 2009م .. ورد النصان المتناقضان في كتاب واحد!! وأرجو ملاحظة التناقض هذه، فهي سمة اساسية في اقوال الأستاذ بدرالدين، وخصوصا فيما يسميه تأويل.. نحن لنا الى موضوع التناقض هذا عودة.

الفكر:

إن موقف الأستاذ بدرالدين من الفكر، هو موقف كاف جدا لتقويم كل ما يصدر عنه.. فهو ضد الفكر وضد العقل بصورة غريبة.. وبالطبع موضوع التناقض دائما قائم.. فهو يعتبر العقل شيطان!! اسمعه يقول: (ما الذي جعلنا نشعر أن خلق الله قد تغير، اسمع إذا: “وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا”.. وقد تمكن شيطان العقل من فعل ذلك بخطوات ماكرات، حتى اصابنا الصمم الروحي..)!! صالون الجمهوريين.. العقل هو الذي به تميز الانسان عن جميع خلق الله.. هو الذي به كرم الله الانسان وميزه على كثير مما خلق.. والعقل هو الروح الالهي المنفوخ في الانسان.. يقول تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”.. فالعقل هو روح الله المنفوخ في الانسان، فليس من الأدب أن يقال عنه أنه شيطان (شيطان العقل).. والله عنده العقل كريم في كل الحالات، عرف الله أو لم يعرفه.. فهو الوسيلة الأساسية لمعرفة الله، ولا وسيلة غيره.. وبالطبع الشيطان لا يعرف الله.. والعقل يقع في مستويات عديدة تمثلها النفوس السبع.. فلكل نفس عقلها.. فما هو السر في وصف بدرالدين للعقل بأنه شيطان؟ وما هي دلالة هذا الوصف.. علينا ان نتذكر ما اوردناه من قول استاذ بدرالدين عندما تحث عن كريشنا مورتي.. فهو قد زعم أن بدايته تكون من نقطة تتجاوز الأديان، وتتجاوز الزمان والمكان.. لاحظ ان هذه هي البداية!! وبالطبع تجاوز الأديان، وتجاوز الزمان والمكان، يعني بالضرورة تجاوز العقل – الشيطان.. في التفكير السليم العقل هو الوسيلة الأساسية لمحاربة الشيطان، في الداخل والخارج، فإذا اصبح هو نفسه شيطان، كما يزعم بدرالدين، فلا مجال لمحاربة الشيطان.. الأستاذ بدرالدين عندما يصف العقل بأنه شيطان، يريد أن لا نحكم على ما يقول بعقولنا.. اسمعه يقول: (مهما يكن من امر فإن التحرر من سلطان العقل، يفضى الى الإتفاق بين البشر، وسيكون ذلك تلقائيا..).. صالون الجمهوريين.. الأمر البديهي أن البشر يتفقون ويختلفون من خلال عقولهم، ومن المستحيل ان يتفقوا اذا تخلصوا من سلطان عقولهم.. العكس هو الصحيح، علينا ان نقوي عقولنا بالصورة التي تجعلها ترى الحقيقة قريب من قريب.. يقول الأستاذ بدرالدين: (بهذا النضج الوجداني والفكري تنتفي الحاجة للدعوة، وإقامة البرهان والحجج لان إقامة الأدلة ليس امراً عسيراً بالنسبة للعارف. سبب ذلك ان البراهين مسائل عقلية وكلما كثرت افكار وعلوم المنظر استطاع ان يقنع من هم دونه . ليس هذا مطلوبا. والمطلوب ان ترى انت الحقيقة لا ان يقنعك بها شخص آخر..).. إذا هو يرى أن اقامة الأدلة ليس أمرا مطلوبا!! وهذا خلاف ما عليه جميع البشر.. فلا يمكن أن يكون هنالك حوار بين البشر – والحوار مطلوب – إلا عن طريق الاستدلال وتقديم الاسباب المقنعة، وهذا هو المطلوب على عكس ما يزعم بدرالدين.. هو يقول المطلوب (ان ترى انت الحقيقة لا ان يقنعك بها شخص آخر)!!

من المستحيل أن يكون هنالك علم بلا تعلم حتى في الأمور البسيطة.. فنحن في الدين لا نستطيع ان نعمل في التقوى، إلا إذا علمنا اسس العمل الذي به تكون التقوى.. يقول المعصوم: (إنما أنا قاسم والله يعطي، ومن يرد به الله خيرا يفقهه في الدين).. (إنما أنا قاسم) يعني أنا اعطي الشريعة، والله يعطي الحقيقة عن طريق العمل في الشريعة، وهذه هي التقوى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).. التقوى علم وعمل بمقتضى العلم.. العلم الذي يكون عليه العمل، يعلمنا اياه المعصوم.. ولا مجال للعلم دون هذا المنهج – منهج التقوى.. فلا علم من دون معلم.. ومن المستحيل ان يكون المعلم منذ البداية، بالصورة الشرعية، هو الله.. لو كان الأمر كذلك ما احتجنا للرسل.. قوله ان المطلوب أن ترى الحقيقة لا أن يقنعك بها شخص آخر، هو محاولة غير عاقلة، لتجاوز العقل!! من المستحيل أن نرى الحقيقة دون شريعة، وباطل الأستاذ بدرالدين كله، وبصورة اساسية يقوم على تعطيل الشريعة، وتعطيل العقل، والزعم بأنه يمكن الوصول الى الحقيقة من دونهما، وهذا مستحيل، ولكنه على كل حال هو مركزية دعوة، الأستاذ بدرالدين.. ونحن لنا الى هذا الأمر عودة، فهو الموضوع الأساسي فيما يتعلق بأقوال بدرالدين.. ولكننا هنا نريد أن نحصر انفسنا في العقل..

يقول الأستاذ بدرالدين: (الإدراك هو الطريق الوسط .. الإسلام هو الطريق الوسط، هنا لا ثنائية .. أنت تقبل الشىء القائم كما هو .. انت تتقبل إرادة الله ، هذا هو الصراط المستقيم. البعد الآخر يتجاوز كلاً من الخير والشر، ولهذا هو الطريق الوسط..).. كل هذا عبارة عن عبارات فارغة من المعنى، مجرد كلمات مرصوصة.. (الادراك هو الطريق الوسط).. صالون الجمهوريين.. الادراك انما يكون بالعقل، والعقل عند بدرالدين هو شيطان.. ولا معنى لقول أن الادراك هو الطريق الوسط، لأن الادراك مستويات جد متفاوتة.. عبارة (الإدراك هو الطريق الوسط.. الاسلام هو الطريق الوسط، هنا لا ثنائية)، عبارة خاطئة في اصلها.. فالادراك يقوم على الثنائية، ومن المستحيل أن يتم من دونها.. والاسلام يقوم على الثنائية، ففي القرآن يقول تعالى: ” اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ”، فالقرآن كله مثاني على عكس ما يزعم بدرالدين.. والحديث عن تجاوز الخير والشر هو محض عبارات انشائية لا قيمة لها فهي لا توضح كيف يمكن تجاوز الخير والشر معاً.. فتجاوز الشر هو المطلوب، للوصول الى الخير، اما تجاوز الخير فهو غير مطلوب كما انه مستحيل.. المطلوب هو التسامي في الخير.

يقول الأستاذ بدرالدين: (لهذا الصنيع نتائج عملية وتطبيقية هائلة ، تتمثل فى جعل الخطوة الأولى، هى الخطوة الأخيرة، وبذلك يكسر حاجز الزمان، وتبدد عقابيل النفس، بضربة واحدة، منذ الوهلة الأولى!! كسر حاجز الزمان، هو الذى يؤدى الى بروز عقلية جديدة، حساسة ومرهفة تتحلى بالأمانة، وتتبرأ من الظلم، وتتسامى على منطق عقل المعاش المبرمج، وعلى حجج عقل المعاش المبرمجة، بمعنى آخر صار العارف، يدرك بعقل المعاد، وليس بعقل المعاش!! والدين لايفهم الا بعقل المعاد..).. صالون الجمهوريين.. الحديث عن عقل المعاش وعقل المعاد هو حديث الفكرة، ولكنه هنا مشوش، خالي من المعنى.. عقل المعاش وعقل المعاد في الفكرة هما عقل واحد.. فعقل المعاد هو نفس عقل المعاش، لكن بعد ان يتم تهذيبه وتربيته عن طريق المنهاج.. عقل المعاد هو عقل المعاش المؤدب المروض بادب القرآن، ادب شريعته، وأدب حقيقته.. وبالطبع الشريعة مستبعدة عند الأستاذ بدر الدين.. أما جعل الخطوة الأولى هي الخطوة الأخيرة، فهو قول لا معنى له، وهو لا يفيد أكثر من أنه ليس هناك خطوة في الشريعة تؤدي الى الحقيقة، وإنما هي خطوة واحدة في الحقيقة كما يزعم بدرالدين، وهذا سنورد عليه العديد من النصوص.. ولما كان العقل عنده بصورة عامة، هو شيطان، فخطوته هذه خطوة من الشيطان وليس من الرحمن، لأنه لا سير الى الرحمن إلا عن طريق الشريعة التي يبعدها الأستاذ بدرالدين ابتداءً.. وكسر حاجز الزمان الذي تتحدث عنه، وكد ما قلناه، فالعقل دائما يقع في اطار الزمان، ولا يخرج عنه، وهذا ينطبق على عقل المعاد كما ينطبق على عقل المعاش.. اما الزعم بتبديد عقابيل النفس من الضربة الأولى، فهو زعم باطل، فمن المستحيل تبديد عقابيل النفس إلا بالرياضة الطويلة، وفق المنهاج: منهاج الطريق بالذات، الذي يعتبره بدرالدين حجاب، ويتجاوزه، ويدعو الى تجاوزه منذ البداية.. وهو يقول في هذا الصدد عن الجمهوريين: (كيف عرفت أن الجمهوري لم يرى الروح؟ لأنه محجوب من الله بالحجاب النبوي وحجاب الأستاذ..).. صالون الجمهوريين.. وعند بدرالدين تقليد المعصوم عبارة عن حجاب منذ البداية.. وهذا عكس الواقع وعكس ما يدعو له الأستاذ محمود.. يقول الأستاذ محمود: ” أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد.. أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة”.. فبدرالدين كما أنه تجاوز الشريعة، ودعى الى تجاوزها، وتجاوز المنهاج ودعا الى تجاوزه، هو كذلك يدعو الى تجاوز اي مرشد.. اسمعه يقول: (علي كل فرد رشيد، ان يبحث عن حريته، وعن حياته بنفسه، دون حاجة لمرشد ، الا ما كان من تعاون علي البر والتقوي، بين الافراد الاحرار المستقلين..).. الصالون.. والدعوة الى عدم المرشد امر يتكرر عند بدرالدين، إلا أننا سنرى انه يدعي لنفسه وظيفة المعلم والمرشد.. سنورد النص في هذا الصدد لاحقا، لكنّا نقول هنا الى ماذا ترشد وأنت تزعم أن الأمر كله يتم في لحظة واحدة وبضربة واحدة؟!

يهمنا في هذه الجزئية من الكتابة، توكيد أن الأستاذ بدرالدين، يستبعد العقل ويعتبره شيطان، وان قال في بعض المواقع قولا يوهم بأنه يتحدث عن العقل، كما هو الحال في النص الذي نقلناه اعلاه والمتعلق بعقل المعاش وعقل المعاد.. علينا دائما ان نتذكر ان الهداية عند الاستاذ بدرالدين، هي بعد تخطي حاجز الزمان والمكان، والسير وفق دعوته لا يقوم على العقل، ولا على منهاج، ولا يحتاج الى مرشد، وانما الامر كله، كما يزعم، هو ضربة واحدة في لحظة واحدة!!

نحن نقف هنا ونجعل هذه الحلقة قاصرة على موضوع العقل والفكر، ويمكن ان نتعرض لها مرة اخرى في الحلقات التالية..
أنا لا اهتم كثيرا باتهامات الاستاذ بدرالدين للجمهوريين وقد اطلعت على معظم ردود الاخوان ال وهي وافية جدا فيما يتعلق بتصحيح الاتهامات حول الفكرة.. سوف ينصب اهتمامي على التعريف بابعاد دعوة الاستاذ بدر الدين – اذا صح انها دعوة – كما انني ساهتم بملابسات التي افضت الى ما صار اليه بدرالدين.

يتبع….

خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة في24/6/2020م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..