مقالات سياسية

مفاوضات سد النهضة في ظل الإتحاد الأفريقي

منذ إحتلال مصر لمثلث حلايب وشلاتين عام 1995م دون أن يطلق جيش الكيزان الكاكي طلقة واحدة على جنود الإحتلال ؛ ولو على سبيل تَحِلّةَ القسم….  منذ ذلك اليوم المخزي؛ لم يعد الأمر مفهوماً لدى كثير من خلق الله البشر . وحتى ظن البعض أن حلايب وشلاتين وفرس قد باعها الكيزان للمصريين مثلما باعوا كثير من مساحات أرض البلاد.

هذه الأيام نشهد مبيعات من نوع آخر . أبرزها بيع مصالح السودان التنموية المرتجاة من كهرباء سد النهضة إلى مصر دون مقابل للسودان الدولة والشعب والاجيال القادمة.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد . ولكن لاحظ الجميع إستنفاراً للجيش السوداني وحماسة منقطعة النصير ، للحرب ضد  الدولة الأثيوبية وعلى غير العادة بسبب تغوّل عصابات الشفتة الأهلية الأثيوبية . على العكس مما هو عليه الحال من صمت مُطبق تجاه إحتلال الجيش المصري لأراضي سودانية في الشمال والشمال الشرقي ، وضمها رسميا لأراضيها وما صاحب ذلك حتى يومنا هذا من إستفزاز إعلامي . ومنه على سبيل المثال إقحام مهرج مصري إسمه رامز جلال وصراخه بوميا طوال شهر رمضان (على طريقة خدوهم بالصوت لا يغلبونكم) من خلال برنامج يعرض على العديد من الفضائيات العربية قائلاً: “من الأسكندرية إلى حلايب وشلاتين” وبما يؤكد أن الذي على رأسه بطحة بيحسس عليها …. ودون أن تكلف الخارجية السودانية نفسها حتى مجرد الإحتجاج الرسمي وتقديم شكوى لمجلس الجامعة المصرية .. أقصد الجامعة العربية.

تسرّع السودان هو الآخر بتغيير موقفه (لوجه الله) من سد النهضة لمصلحة مصر . أثار الكثير من الشبهات والتساؤلات . خاصة وأن السودان بهذا الموقف قد غيّر موقفه 180 درجة . وجاء ذلك التغيير أيضاً بوضوح على لسان وزير الري الذي كان قد صرح سابقاً من خلال مؤتمر صحفي موثق على اليوتيوب ووسائط المعلوماتية أكّد فيه أن سد النهضة سيقلل من مشكلة الإطماء في السدود السودانية على نهر النيل الأزرق . وأن تأثيره السلبي سيقتصر على تقليل مساحات زراعة الجروف. وهي زراعة موسمية تبدأ بعد إنحسار المياه على  ضفتي النهر وتقتصر على اللوبيا وبعض الخضروات والبطيخ.

ثم وفجأة خرج علينا نفس الوزير مؤخراً بقصة أن سد الروصيرص سيتعرض للخطر بسبب أن مؤخرة بحيرة هذا السد قريبة أكثر مما يجب من جسد سد النهضة. بل وتكاد تلتصق به.

والأطرف من كل ذلك أن وزير الري وبعد أن صرّح بأن هذا الجانب الفني المتعلق بمؤخرة بحيرة سد الروصيرص قد تم التوافق عليه مع أثيوبيا . إذا به وبعد سويعات يحتج على أثيوبيا بأنها ترفض التوقيع على إتفاق قانوني بهذا الشأن مع السودان ومصر ….

والسؤال الذي يثور هنا هو كيف يتوقع وينتظر وزير الري السوداني أن توقع أثيوبيا إتفاقاً (قانونياً) بشأن مؤخرة بحيرة سد الروصيرص مع السودان وطرف آخر هو مصر؟

ما دخل مصر هنا بمؤخرة بحيرة سد الروصيرص؟

المسألة غير منطقية ولا تعدو أن تكون محاولة لوضع العقدة في المنشار لتعقيد المفاوضات لمصلحة مصر . وذلك بالإصر السوداني على عدم توقيع إتفاقيات ثناية مع اثيوبيا في مواضيع وأمور تخص السودان وأثيوبيا فقط . ولا علاقة لها بمصر.

 مواطأة الخارجية السودانية للحكومة المصرية في ذهابها للجامعة العربية عديمة الاختصاص والآليات لمصلحة مصر . أدّى كما كان متوقعاً وبالضرورة الى تدخل الاتحاد الافريقي بآلياته الفاعلة واختصاصه داخل القارة السمراء .

هناك دول أفريقية يهمها الاستفادة من كهرباء سد النهضة (جيبوتي والصومال ودولة جنوب السودان وكينيا ويوغندا وتنزانيا ورواندا وزامبيا ..الخ. وحتى أرتيريا) . ومن ثم فإن حاجتها إلى كهرباء هذا السد للتنمية كان يجب أن تأخذها وزيرة الخارجية في الإعتبار قبل أن تذهب مع مصر هكذا عمياني لتشكو أثيوبيا لجامعة الدول العربية . وأثيوبيا ليست ع واً في جامعة الدول العربية. فضلا عن أن هذه الجامعة يجري التصويت فيها بالمجاملة وغير الموضوعية . كما أنها لاتمتلك آليات إصدار قرارات قابلة للتنفيذ القانوني.

كذلك فإنه وبعد توقيع دول المنبع على إتفاقية عنتيبي وبدء تشغيل سد النهضة لم تعد مياه النيل ملكاً لمصر والسودان كما كان عليه الحال في الماضي السحيق. وهو ما يجعل  من تمسك مصر بإتفاقية عام 1959م مع السودان محض مغالطة وغير ذات حجة.

ومن المتوقع أن تدفع أثيوبيا خلال المفاوضات القادمة التي أمر بها الإتحاد الأفريقي .. من المتوقع أن تدفع أثيوبيا بورقة إتفاقية عنتيبي لتعزيز موقفها بشأن ما تظن مصر أنها حقوق تاريخية في مياه النيل.

تغيرت الأوضاع إذن وأصبحت هناك اليوم أكثر من دولة أفريقية تسعة لإستفادة من هذه المياه وسد النهضة معاً. وهو ما يجب أخذه في الإعتبار.

وقد لاحظنا كيف إعترضت كل من الصومال وجيبوتي على قرار الجامعة العربية . وكيف دخلت كينيا على الخط بقوة لمصلحة سد النهضة. والسبب ليس على طريقة “أثيوبيا يا أخت بلادي يا شقيقة” ولكنه رغبة من هذه الدول للإستفادة من كهرباء سد النهضة لتنمية بلادها وبوصف سد النهضة يمثل بالنسبة لها طوق النجاة الذي يخرجها من صفوف التسوّل والإستجداء . وطلب المعونات والمِنَح والتعرض للسخرية والتهميش الدولي والأقليمي.

 وأكثر ما نخشاه الآن أن يفقد السودان فرصة كسب قصب السبق في الاستفادة من كهرباء سد النهضة. وليته إستغل البواكير  منذ زمن وضرب على الحديد وهو ساخن ؛ فأبرم في عز الأزمة إتفاقيات ثنائية مفصلة لجهة إستفادته من كهرباء هذا السد. 

ولكن السودان لا يتوب ابدا من عواقب متابعته (العويرة) لمصر ضد مصالحه وضد ارادة الافارقة . رغم انه لولا الاتحاد الافريقي لما نجحت ثورة ديسمبر. ولكان السودان قد دخل برعاية مصر في حرب اهلية شبيهة بحروب العرب في لبنان وسوريا وليبيا.

كان على الحكومة الانتقالية ان تدرك ان سد النهضة قد جرى إستثمار 7 مليارات دولارات في تشييده من أجل تشغيله وليس التسوّل به. والخضوع لإرادة هذه الدولة الإقليمية محدودة الإمكانات أو تلك.

 وكان على وزيرة الخارجية ووزير الري ادراك ان سد النهضة لا يهم اثيوبيا وحدها . وانما اكثر من دولة افريقية أخرى في شرق ووسط افريقيا. سواء في الإيغاد (IGAD) أو الإيك (EAC). وهذه الدول في مجموعها 10 دول بالإضافة إلأى دول أخرى مجاورة لهذه المجموعة. ولايحتاج الأمر إلى التنويه بمدى ثقلها في الإتحاد لأفريقي.

وحيث تظل أهداف الإيغاد التي ينضوي السودان ضم عضويتها كالتالي:

 

  • الأمن الغذائي وحماية البيئة.
  • الحفاظ على الأمن والسلام وتقرير حقوق الإنسان
  • التعاون والتكامل الإقتصادي.

 

ومن ثم فلا يمكن تخيّل تحقيق هذه الدول لهذه الأهداف مجتمعة دون تكريس إتفاق عنتيبي عما قريب . أو دون قطف ثمار كهرباء سد النهضة الأثيوبي الماثلة.

وكان على وزيرة الخارجية السودانية أن تضع في حسبانها واقع أن هاتين المنظمتان إقليميتان . وهو ما يجعل منهما ذواتا آلية وشرعية أفريقية ودولية أقوى فاعلية سياسية من الجامعة العربية .. بل أقوى منها بمراحل فلكية… 

ولكن يبدو أن تعلق وزيرة الخارجية بطرف جلباب مصر ، جعلها تظن أن مصر تصنع المعجزات . وأن الجامعة العربية تعلو ولا يُعلى عليها.  

على أية حال فإنه من الأفضل للسودان ووفقاً للحقائق الثابتة على الأرض لجهة مصالحه . ومدى فاعلية الإتحاد الأفريقي ومنظمات أفريقيا الإقليمية. وإرتباطه الغير قابل للإنفصام مع أفريقيا . فإنه ينبغي على السودان العمل وفق الخطة التالية:-

إبتكار أكثر من مسار في المفاوضات القادمة بشأن سد النهضة مع أثيوبيا .نأخذ في الإعتبار تحديد النقاط التي يرغب السودان في إيجاد توافقات ثنائية فيها مع أثيوبيا.

 

  • المسار الأول يشمل التفاوض والتوقيع مع أثيوبيا منفرداً على قواعد قانونية ؛ تضمن عدم تعريض سد الروصيرص إلى الخطر.

 

وضمان حصة السودان من كهرباء سد النهضة. وكيفية المحاسبة المالية بين الطرفين.

إبرام إتفاق موثق بشأن تخزين حصص السودان الفائضة من مياه النيل الأزرق في بحيرة سد النهضة . وكيفية التصرف فيها لمصلحة السودان ؛ سواء بمقايضتها بنسبة من الكهرباء أو خط السكك الحديدية تحت المقرر تشييده ليصل أثيوبيا ببورتسودان .. أو سحب ما يشاء منها متى شاء ، دون أن يؤثر ذلك على قدرة السد في التوليد.

 

  • المسار الثاني ترك مسألة “ملء” السد للتفاهم الثنائي في مسار مختلف بين أثيوبيا ومصر . وذلك بوصف أن السودان وبإقرار وزير الري غير معني بمسألة الملء.

 

 

  • المسار الثالث يتعلق بالتشغيل وهو ما يجب أن تشارك الدول الثلاثة السودان وأثيوبيا ومصر في التفاوض عليه للوصول إلى توافق وسط يرضي كافة الأطراف.

 

مصعب المشرّف
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ببساطة المطلوب فك الارتباط مع مصر و التحرر من التصاقها المعرقل لنا في امر المياه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..