أخبار السودان

السودان? علامَ الحوار علاما ؟

طارق الشيخ

أشهر قليلة بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في السودان عام 1989 على الحكم الحزبي التعددي، تفتقت عبقرية الانقلابيين عن فكرة الحوار الوطني. وجرت دعوة عامة لشخصيات سياسية ووطنية وفنية عديدة للمشاركة في “الحوار الوطني”. كان غالب المدعوين، وخصوصاً من الشخصيات السياسية والوطنية يضربون أخماسا في أسداس، تغمرهم الدهشة حول الفكرة التي يريدها الانقلابيون، وقد تكشفت طبيعة انتماء هؤلاء للإخوان المسلمين. يومها، أمضى المتحاورون زماناً، وانتهى الأمر بحرب جهادية غير مسبوقة في جنوب السودان. في هذه الأيام، والبلاد تعصف بها أمواج الأزمة السياسية والاقتصادية، خرج النظام الشمولي بفكرة تعيد السيرة الأولى للحوار الوطني تمايزاً، وكأن هناك حواراً آخر غير وطني. الثابت في الحالتين أن السودان وقف على شفا الأزمة العاصفة، وأيما أزمة.

ي 1989، كانت دعوة الحوار لتمرير بلع الانقلاب المفضوح، وتسويقه إنقاذاً، كما خرج الاسم يوم ميلاده. الآن، وبعد أكثر من ربع قرن، جرّب السودان حكماً كارثياً، في تجربةٍ تصلح لأن تكون درسا للاعتبار، ومنهجا لمعنى كلمة كارثة الحكم في سياقها العملي. ومن دون أن يقصد حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، وهو التسمية المخادعة الأخرى في تسلسل تسميات الإخوان المسلمين البراغماتية، التقت الشخصيات نفسها، المبادرة في المرة الأولى، مع تغيرات طفيفة في تسمية الشخصيات الوطنية، ودخول الفن المعبر الحقيقي عن أزمة الحكم والثقافة والأخلاق في السودان، ممثلاً في مطربة يرقص على إيقاع أغنياتها أهل الحكم حماسة. بمعنى أن الحكم يعود، بجناحيه، ليصوغ فسيفساء الحاكمين أنفسهم، بعد طول فراق، ويجلس الشيخ حسن الترابي مستمعاً لخطاب الرئيس عمر البشير، مع اختلاف وحيد أن الترابي لم يعد الرئيس المخفي، كما في المرة الأولى لما كانت الديمقراطية مصادرة بأمر الانقلابيين. وهذه المرة، أصبحت مصادرة الحريات والديمقراطية أمراً واقعاً، وأشواقاً مرتجاة من القوى المعارضة.

كانت في السودان وقتها حرب واحدة في جنوب السودان، واليوم هناك ثلاث حروب فيما تبقى من السودان في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. كانت وقتها حركة شعبية واحدة، واليوم مع “الحوار الوطني” الثاني حركات شعبية وحركات تحرير. ومن داخل قاعة المؤتمر، تقول رئيسة إحدى هذه الحركات المسلحة، لم يسمع باسمها غالبية أهل السودان إلا لما اعتلت المنبر، لتقول لرئيس السودان إنها قادمة من “الأراضي المحررة”، وإنها ستعود من حيث أتت، لو لم يلب الحوار الوطني طموحاتها. القاعة نفسها، مع تغيير في الديكور، ومع تحسن كثير في صحة المتحاورين وتقدمهم في السن. كان الحوار وقتها يخص من هم داخل القاعات، ولأغراضٍ لا يعرف الناس خارج القاعة هدفاً واحداً له، فلم يستشرهم أحد من الانقلابيين، ولا هم معنيون بمخرجات الحوار المبهم، على الرغم مما تردد أن في الأمر إنقاذ للسودان. اليوم، يجري الحوار بين الشخصيات الرئيسة نفسها، مع ديكور ممل من ثمار جهد الحزب الحاكم بتفتيت الأحزاب المعارضة إلى أحزاب تسميها الصحافة الحكومية نفسها “أحزاب الفكة”. ظلت خارطة المعارضة الحزبية، في غالبها، على حالها خارج القاعة، “الأمة” و”الشيوعي” وأحزاب أخرى وحركات مسلحة كثيرة، أفرزها سوء إدارة الحكم. خارج القاعة، لم يعد السودان على حاله، ذهب جنوبه، وما تبقى يواجه خطر التفتت. الأزمات تحاصر الشعب والفساد يسد الأفق، مئات الآلاف فقدوا منازلهم شرقاً وغرباً وفي الجنوب الجديد. مئات آلاف يقفون على هامش الوطن، فزعاً وخوفاً من حكومة تطير طائراتها على وقع توجيهات رسمية من كبار المسؤولين “اقتل، امسح”، لا مكان للأسرى. صورة الفقر مفجعة، والفساد الذي يتجاوز كثيراً الشعارات البيروتية، تقابلها صورة الثراء الفاحش والقصور التي شيدها من ادعى يوماً الطهر والزهد والتعفف، ورفع راية أن الإسلام هو الحل تبدو الأكثر تعبيراً عن حجم الأزمة في الفكر وفي الفعل.

ولهذا كله، لا أعتقد أن لدى المتحاورين في الحوار الوطني أية مبرّرات لكي يحلم إنسان عاقل في الشعب السوداني بأن لديهم حل لمشكلاته. ففي بطونهم وذقونهم وفي شيبهم وسنواتهم العجاف أس البلاء وأسباب الواقع الذي بلغه السودان وشعبه. أفضل ما يمكن فعله، ومباشرة وبغير مداورة، أن يحلوا عن كاهل الوطن والشعب. أفضل ما يمكن تقديمه للشعب إعلان الفشل التام، والتخلي عن الحكم، فمن مارس الفشل أكثر من ربع قرن لا يمكن أن يقنع عاقلاً بأنه، وبعد أن تقدم في العمر كثيراً، وأنهكته العلل، سيحالفه النجاح. ومهما استمر الحوار شهراً أو ثلاثة أشهر، وفق المعلن، فهو محتوم بالفشل، لأن للشعب كتاباً مفتوحاً سنوات، لم يقرأ فيها نجاحات مسجلة سوى في البؤس والموت وتشظي الحلم في بلد يسع الجميع.

أخلص إلى القول إن الحوار الإيجابي يقتضي جلوساً متكافئاً بين الحكم ومعارضيه السياسيين، بمن فيهم القوى المسلحة، على أن يفضي إلى صيغة جديدة لحكم السودان، متفق عليها سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وأن يترجل الحكم الحالي، لأن الواقع يقول إن أزمة السودان في حكومته وحزبه الحاكم والحاكمين. بمعنى آخر، يحتّم الظرف السياسي نظام حكم جديداً، يقول وداعاً للشمولية، ومرحبا ببناء السودان على أسس ديمقراطية جديدة، تستجيب لروح العصر، وفي هذا فليتحاور المتحاورون .

المصدر – العربي الجديد
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ليت البشير ( الحاكم بأمره ) يقرأ مقالك و يعقله .. بعد أن غواه الشيطان و أبالسة الانس المنتفعين ببقائه و صوروا له بأنه مبعوث العناية الالهية مع تفصيل القوانين لصناعة طاغوت العصر .. و في النهاية فالحل بيده للخروج من مهزلة الحوار و انقاذ ما بقي من السودان الفضل .

  2. الاسم المناسب والجديد للانقاذ هو السونامى ارجو الترويج لهذا الاسم عبر الكتاب واصحاب الاعمدة

  3. اتفق مع كل حرف خطه مقالك الرائع!!!!
    ناس الحركة الاسلاموية عطلوا بانقلابهم المسلح الحوار والسلام تحت اشراف حكومة الوحدة الوطنية فكيف يديرون حوارا وقد فشلوا طيلة اكثر من 26 سنة فى ان يحافظوا على وطن وشعب موحد متفق على كيف يحكم بلده اى مستقر سياسيا ودستوريا انهم الفشل يمشى على قدمين اثنين!!!!

  4. لقد اراد الشيخ الجليل ان يرضي غروره ويبني تجربة تخلد اسمه كما قال القذافي ( انه ليس برئيس بل قائد ثورة مثل ماو تسي تونج.). لكنه اخطا عندما استعان بالتجربة الايرانية الفاشلة التي اقعدت بلد من المفروض ان يشار له بالبنان بقوة موهلاته الاقتصادية من ثروات طبيعية وبشرية وتاريخ وموقع.. واصبح الشعب الايراني رغم ارتفاع نسبة التعليم فيه من اكثر الشعوب فقرا… واراد ان يكون الفقيه الذي تحت يده كل شي..
    ليته استعان بالتجربة الصينية ذات الحزب الواحد والتي تشق طريقها بقوة نحو القمة العالمية بالاقتصاد واتاحة الحرية الاقتصادية للشعب لكي ينمو ومحاولة البعد عن الحروب التي لا قيمة لها غير دمار البشرية .. ليته استعان بها .. واخذ الديمقراطية وتركنا نعيش باحترام بين انفسنا وشعوب العالم بخيرات بلدنا الاقتصادية واخلاقنا السمحة وعلماونا الاجلا الذين يشهد لهم العالم كله..
    ليته استعان بتجربة بعض الدول الافريقية التي كانت تعيش في مجاعات متوالية واصبحت من النمور الافريقية الاقتصادية ..
    ليته اخذ الديمقراطية وثبت قيمة التسامح والاخلاق والبعد عن الفساد والرشوة والمحسوبية.
    لكن للاسف اخذ منا كل منا نملك ولازال يطمح ان يورث افكاره المدمرة حتى هو تحت التراب..

  5. وأن يترجل الحكم الحالي

    بعد محاسبته ورد الحقوق لأهلها والاقتصاص من المجرمين ومعاقبتهم بالقانون وتسليم مجرمي الحروب للاهاي …. وتعهدهم بعدم زعزعة الامن والاستقرار كعادة الاخوان المتاسلمين في مصر وتونس وغيرها …

  6. طمنونا يا جماعة
    دا صاح واللا دي تلفيقات من الاسلامويون الجدد

    انفجرت الأوضاع في الجبهة الثورية بطريقة دراماتيكية، واشتعلت حرب البيانات بين مكوناتها بسبب الخلاف حول رئاسة الجبهة الثورية، ففيما أعلن نائب رئيس الجبهة والناطق الرسمي باسمها التوم هجو أن المجلس القيادي للجبهة اختار رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم رئيساً للجبهة بديلاً لمالك عقار وقام بشكره، سارع الناطق الرسمي باسم قطاع الشمال مبارك أردول إلى تكذيب البيان ببيان، ووصفه بالبيان الملفق، ودمغ أردول البيان بأنه محاولة لاختطاف قرار الجبهة الثورية على طريقة الذين اختطفوا السودان لمدة «26» عاماً طبقاً لتعبيره، نافياً تماماً انتقال الرئاسة لجبريل، ونافياً وجود أي قرار بإقالة مالك عقار أو عزله، وبالمقابل دخلت القوى المعارضة في الداخل على الخط، وأعلنت عن مساعٍ تقودها لتجاوز ومعالجة الصراع الدائر بين قيادات الجبهة الثورية حالياً على رئاسة الجبهة، وسارع بدوره حزب الأمة القومي لتوصيف الخلاف بأنه ظاهرة صحية. شكر وإقالة: وقال مسؤول الإعلام بالجبهة الثورية التوم هجو في بيانه إن الجبهة تسجل صوت شكر وتقدير لمالك عقار لقيادته الجبهة الثورية منذ تأسيسها، وأشار إلى أن مسيرتها ماضية ــ حسب ما قال ــ لتحقيق أهدافها المعلنة لتحقيق المواطنة المتساوية والحرية والديمقراطية والعدالة والعيش الكريم. التنظير المدروس: وبالمقابل كشفت قوى نداء السودان عن توصيات ورشة تطوير خريطة طريق مشروع السياسات البديلة، ونبهت إلى أنها انتقلت بالمعارضة من التنظير المدروس إلى العمل الملموس لتحقيق تطلعات الشعب، ونوهت بأن الورشة حددت متطلبات وتحديات الفترة الانتقالية لتجنيب البلاد انتكاسات الربيع العربي، ووضعت حلولاً عملية لقضايا الحرب والسلام والاقتصاد والقضايا العالقة مع دولة الجنوب والعلاقات الخارجية، وأكدت أن السياسات البديلة وصفة شافية وكافية لأزمات البلاد، وأقرت قوى نداء السودان بإخفاقها في وقت سابق في إنزال برامجها لكافة المناطق في البلاد وتوقعت تشويه الحزب الحاكم للسياسات البديلة. عجلة: وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ في مؤتمر صحفي لقوى نداء السودان بدار الحزب الشيوعي بالخرطوم أمس: «الطرفان المتنازعان في الجبهة الثورية قادران على تجاوز الخلافات، وربما حصلت بعض العجلة في إعلان بعض المواقف بينهما»، وأضاف قائلاً: «الورشة أجابت بشكل عميق عن سؤال البديل الديمقراطي للنظام الحاكم الآن»، فيما اعتبر نائب رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر خلافات الجبهة الثورية الدائرة حالياً تعبيراً عن التداول السلمي للسلطة. شبح التفكك: وكشف مصدر مطلع لـ «إس. إم. سي» أن اجتماع هيئة قادة الجبهة الثورية طفح بالخلافات، بعد أن تمسكت حركات دارفور العدل والمساواة «جبريل إبراهيم» وتحرير السودان «مناوي» وتحرير السودان «عبد الواحد» بضرورة حسم مسألة أيلولة رئاسة الجبهة إلى أحدهم حسب النظام الأساسي واتفاق مسبق بين الطرفين، إلا أن قطاع الشمال رفض ذلك بشدة ويمارس المماطلة والتسويف في هذه الأمر، حيث تأجلت مناقشة هذا الأمر عدة مرات. وكان قطاع الشمال قد أصدر بياناً في الخامس عشر من أكتوبر الجاري كشف فيه مناقشة قياداته بالعاصمة التنزانية دار السلام ما سماها «قضايا السلام الشامل والوضع النهائي للمنطقتين» وهو ما أشعل فتيل الخلافات بين الطرفين، حيث ترى الحركات الدارفورية أن بيان القطاع يؤكد تخليه عن الحل الشامل الذي يمثل رؤية مكونات الجبهة الثورية كافة وانخراطه في تسوية سياسية مع الحكومة على أساس حل قضية المنطقتين فقط. صراعات المصالح: وصف التيار العام بحزب الأمة القومي الصراعات بين مكونات الجبهة الثورية بأنها صراعات حول المواقع وليس المبادئ، معتبراً أن تلك الصراعات فوتت عليها فرصة اللقاء مع الحكومة في ظل الحراك السياسي الداخلي. وقال رئيس التيار دكتور آدم موسى مادبو لـ «إس. إم. سي» إن الصراعات التى تشتعل حالياً بين فصائل الجبهة الثورية بعيدة عن المبادئ التي تنادي بها هذه الفصائل تحت غطاء الثورية. وقال إن ما يجري داخل الجبهة الثورية يفقدها أي تعاطف أو سند من الشعب السوداني، مشيراً إلى أنها لم تستفد من قرارات الحكومة التي أصدرتها أخيراً لتهيئة المناخ لمشاركة الجميع في الحوار الوطني. وطالب مادبو رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بطرح أفكاره بالداخل وألا يتخذ أي قرار لوحده باسم الحزب.

  7. (أخلص الى القول ان الحوار الايجابى يقتضى جلوسا متكافئا بين الحكم ومعارضيه السياسيين بمن فيهم القوى المسلحة) بالضبط كما قال الشاعر أبو القاسم الشابى لا عدل الا ان تعادلت القوى وتصادم الارهاب بالارهاب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..