الثورة في السودان لم تنتصر بعد لكنها بالتأكيد لم تهزم

محمد الأقرع
يستعد السودانيون للخروج مجدداً في تظاهرات مليونية الثلاثاء المقبل، عقب دعوة أطلقتها منظمة “أسر شهداء الثورة” بالإضافة إلى بعض الكيانات السياسية والمطلبية. وسيتم الاحتفاء بذكرى الثورة التي رجحت كفة المدنيين على العسكر الذين قاموا بفض الاعتصام، كما أنها مهدت الطريق للاتفاق على الوثيقة الدستورية وشكل الحكومة الانتقالية بتظاهرة مليونية في عموم البلاد الثلاثاء.
وتتراوح مطالب المتظاهرين بين دعم الحكومة لتحقيق مطالب الثورة، ودعوات تصحيح المسار، وبرزت أصوات خافتة ينتمي بعضها للنظام القديم أعلنت المشاركة في المليونية تحت شعار إسقاط الحكومة الحالية.
منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر، قالت في تعميم صحافي إن دعوة التظاهر ليست لإسقاط الحكومة المدنية بل لتقويمها ودعمها حتى تسير في الاتجاه الصحيح الذي تتطلع إليه الجماهير لتنال غاياتها في تحقيق أهداف الثورة كاملة. مشيرة إلى أنها اتفقت في هذا الصدد مع لجان المقاومة وهي إحدى الكيانات المهمة في الثورة السودانية.
وأعلن عباس فرح رئيس المنظمة، أن مواكب 30 حزيران/يونيو ستحدد لها مسارات تكون بعيدة عن القيادة العامة للقوات المسلحة والقصر الجمهوري ومجلس الوزراء، حتى لا يتم استغلالها من الدخلاء وأصحاب الغرض، على حد وصفه.
وقال: “من المسلم به إن الثورة في السودان لم تنتصر بعد، لكنها بالتأكيد لم تهزم، لأن الهزيمة تبدأ حين نقبلها ونقرر التوقف عن المقاومة”.
وأردف “في الوقت الذي يظن البعض أنها في عداد الموتى تنتفض فيها الحياة، وفي حمأة القيظ تعاود الكر من جديد وتحمل مشعل المد الثوري الذي لا يخبو مهما عصفت به الريح”.
والجمعة تسلمت الحكومة السودانية مذكرتين الأولى من أسر الشهداء متعلقة بتحقيق العدالة وعدم المساومة بدماء الشهداء، والثانية من لجان المقاومة تلخصت في سبع نقاط أساسية، أولها إنجاز السلام الشامل عبر بحث جذور الأزمة وبمشاركة كافة حركات الكفاح المسلحة وتمثيل النازحين واللاجئين وأصحاب المصلحة، وفي ذات النقطة دعت اللجان لتولي مجلس الوزراء إدارة عملية السلام وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية ووقف اختطاف مجلس السيادة لهذا الملف البالغ الأهمية.
وطالبت المذكرة بتحقيق العدالة والإصلاح الشامل والعاجل للأجهزة العدلية والقضائية للوصول لدولة القانون، ولفتت لضرورة تكوين مفوضية إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية ومجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة وذلك لتنال تلك الأجهزة استقلاليتها وقدرتها على المحاسبة. وأيضا إعلان كافة نتائج لجان التحقيق، كانت من المطالب التي أعلنت عنها لجان المقاومة. بالإضافة لمطلب استكمال هياكل السلطة المتمثل في إقالة الولاة العسكريين وتعيين ولاة مدنيين فضلاً عن تشكيل المجلس التشريعي وإنشاء المفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.
وأكدت أغلبية قوى الثورة المشاركة في مواكب الثلاثين من حزيران/يونيو الاتفاق على ضرورة إعادة هيكلة وإصلاح الأجهزة الأمنية، كما أنها ترفع في صدر دعواتها الرئيسية مطالبة عاجلة لإقالة مدير الشرطة ووزير الداخلية بالإضافة للحل الفوري لكافة الميليشيات غير النظامية. إضافة إلى أن وقف التدهور الاقتصادي ووضع رؤى وأسس تنموية كانت أيضا من مطالب المحتجين الذين دعوا في مذكرتهم بإعادة هيكلة تحالف قوى الحرية والتغيير من خلال توسيع قاعدة المشاركة ووضع لوائح جديدة لتنظيم العمل وأيضا تكوين النقابات.
بالمقابل أكد عضو المجلس السيادي الانتقالي محمد الفكي سليمان الذي تسلم المذكرتين، رد الحكومة عملياً على المطالب المقدمة لهم من خلال جداول زمنية محددة، معتبرا ان المواكب التي تمت الدعوة لها هي لتأكيد قوة ثورة كانون الأول/ديسمبر وعزيمة الشارع السوداني على فرض إرادته وتذكير الحكومة بأهداف الثورة.
الفكي قال إن التظاهر ضد الحكومة أصبح أمرا متاحا وهو حق انتزعه الثوار عندما أسقطوا النظام البائد، داعياً لضرورة الالتزام بالإجراءات الصحية وتأمين المواكب.
خلاف بين قوى الثورة
مسألة الخروج والتظاهر في ظل جائحة كورونا كانت مسار خلاف بين قوى الثورة لدرجة أن بعضهم أعلن عدم المشاركة مثل لجنة الأطباء المركزية التي أكدت في بيان لها رفضها للمشاركة في التظاهرات، وقالت رغم أنها تدعم المطالب المرفوعة من قبل قوى الثورة إلا أنها تجد نفسها أمام مأزق أخلاقي ومهني كبير، لأن الظرف الصحي يضع الجميع أمام مسؤوليات جمة والالتزام واجب. وأكد البيان أن جائحة كرونا ليست خرافة وإنما واقع سقطت أمامه أعتى النظم الصحية.
وفي السياق الصحي انضم حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي لقائمة رافضي الخروج وطالب بإلغاء المليونية والدفع بالحلول العملية لضمان سلامة المواطنين من الإصابة بفيروس كورونا وأيضا لتفويت فرصة إرباك المشهد من قبل الدولة العميقة.
التظاهرات كذريعة
وتتخوف بعض القوى السياسية الرافضة من إعادة تطبيق سيناريو حركة التمرد المصرية واتخاذ التظاهرات ذريعة من قبل العسكر للاستيلاء على السلطة بالانقلاب، إلا أن بعض المراقبين يستبعدون حدوث ذلك.
ولعل أحد الأسباب التي يستند عليها الذين يؤيدون فرضية الانقلاب أن هناك قوى تنتمي للنظام البائد أكدت مشاركتها، ما ينذر بحدوث اشتباكات بين الثوار وفلول النظام المقبور يمهد لصعود العسكر للسلطة تفادياً للفوضى والإرهاب المحتمل.
ويذكر أن حزب المؤتمر الوطني المخلوع من سدة الحكم تراجع عن المشاركة في المليونية تجنباً لحدوث أي اشتباكات بينهم وبين الثوار، إلا أن المتابعين يرصدون تحركات قيادات تتبع للعهد القديم تعمل في الحشد لموكب يدعو لإسقاط الحكومة الانتقالية.
وفي الاتجاه نفسه أعلن حزب المؤتمر الشعبي المشارك في النظام البائد تأييده لمليونية حزيران/يونيو رغم انه قطع بعدم تأييده لأي انقلاب عسكري داعياً الحكومة الحالية لتقديم استقالتها بحجة الفشل وعدم إنجاز مهام ومطالب الثورة.
ويقول صديق أبو فواز القيادي في تحالف قوى الاجماع الوطني إن اغتيال أهداف ثورة ديسمبر المجيدة بواسطة وضع العسكر ركبته على عنقها ومنعها من التنفس لما يقارب العام، لا يقل كارثية وإجراما عن اغتيال جورج فلويد. مبيناً أن السودانيين ليسوا استثناء ولا أكثر حرصا على القوانين من الشعب الأمريكي، والظروف الاستثنائية تتطلب تدابير استثنائية.
وقال أبو فواز لـ”القدس العربي”: إن “كورونا لن تمنع جماهير الشعب الحية من الخروج للشارع، وأن السلطات الأمنية قد سمحت طوال فترة الطوارئ الصحية وحظر التجوال لسدنة النظام المخلوع، تنظيم المظاهرات وفتحت لهم الطرق حتى وصلوا مشارف القيادة العامة، وكما سمحت لقادتهم بمخاطبة الرأي العام على الميديا وأجهزة الإعلام، وتركتهم يبثون سمومهم واستفزازاتهم للثورة والثوار والإساءة لحكومة الثورة نفسها”. وأضاف “نحن الأولى بالشوارع التي لا تخون”.
ترقب وحذر وانقسام
ترقب وحذر، وانقسام بين قوى الثورة، وضبابية النتائج والتوقعات، هكذا هو المشهد بالضبط في السودان هذه الأيام عقب الدعوات التي أطلقتها لجان المقاومة وبعض القوى السياسية والمطلبية للخروج والانضمام للمواكب المليونية.
وتعود حالة الارتباك هذه لعدة أسباب منها التشكيك في الغاية النهائية للمواكب فالذين أعلنوا عنها يقولون إنها جاءت لتقويم الحكومة والضغط عليها لإكمال أهداف الثورة لكن في الوقت نفسه لا يخفي بعضهم خشية استغلالها من قبل فلول النظام المقبور الذين يتهمونهم باحتمالية التخريب المتعمد، كذلك فمن يتبنون الدعوة أنفسهم رشحت أنباء تشير حتى اللحظة لوجود انقسام بينهم في الوجهة النهائية للمواكب، مثلاً كثير من تنسيقيات لجان المقاومة بالعاصمة أعلنت عن مواكب غير مركزية تنتهي بنقاط محددة في مدنها الثلاث “الخرطوم، بحري أم درمان” بينما يرى آخرون أن المواكب من المفترض تكون مركزية أمام القصر الجمهوري ومجلس الوزراء وتتواصل باعتصام حتى تحقق المطالب .
التخوف من الإصابة بفيروس كورونا وخطورة التجمعات في تسهيل عملية العدوى هو الآخر أفرز أجواء من الحذر والانقسام، حيث رفضت بعض القوى المشاركة انطلاقا من عدم الإضرار بالصحة العامة ودعت لتقديم المطالب عبر آليات أخرى غير الحشود والتظاهرات.
ويشار إلى أن الدعوة للخروج في مواكب الثلاثاء المقبل تأتي في وضع بالغ التعقيد، حيث عادت مجدداً صفوف المواطنين الطويلة أمام المخابز ومحطات الوقود، في حين تشهد عملية المد الكهربائي رداءة في التوصيل وحدوث قطوعات كثيرة ولساعات طويلة مما خلق حالة من السخط على الحكومة الانتقالية.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات الترويجية بينما شهدت بالفعل بعض أحياء العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى مواكب دعائية لمليونية الثلاثاء، ردد فيها المتظاهرون شعارات تؤكد مواصلة الثورة وتطالب بتحقيق أهدافها كاملة بدون تسويات أو مساومات.
أعداء الأمس شركاء اليوم
ويمثل يوم الثلاثين من حزيران/يونيو ذكرى خاصة في مسيرة الثورة السودانية، فقبل عام من الآن عاش شباب الثورة أجواء مشابهة في الترقب والحذر، لأن وقتها كان المجلس العسكري قد انقلب على الثورة وقام بفض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة واعتصامات الولايات الأخرى، الأمر الذي خلف حالة من الغضب جراء الانتهاكات الوحشية التي صاحبت عملية الفض وأدت إلى سقوط أعداد مقدرة من القتلى والجرحى، غير أنه تسبب في وجود قائمة طويلة من المفقودين الذين لا يعلم أحد حتى الآن مصيرهم.
وكانت الأجواء قبل عام مشحونة بالغضب الذي هزم الخوف وكل آليات العنف التي نشرتها الأجهزة الأمنية آنذاك على الشوارع واستمر لأيام لخمد كل التظاهرات، لكن جاءت الثلاثون من يونيو وأعادت ترجيح الكفة لصالح المدنيين على حساب العسكر بعد احتشاد الملايين في شوارع البلاد للتنديد للمجزرة ورفض لحكم المجلس العسكري.
وتأتي الذكرى وثمة اختلافات كبيرة طرأت على المشهد، فأعداء الأمس “المجلس العسكري” هم شركاء في السلطة اليوم، رغم أن كل الشعارات المناوئة والمطالبة بالاقتصاص منهم كانت حاضرة في مواكب قوى الثورة المختلفة.
ويرفع بعض الذي يقودون الحراك المقبل مطالب تنادي بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإقالة مدير الشرطة والولاة العسكريين، ويرفع البعض الآخر شعارات إبعاد قيادات المجلس العسكري السابق من العمل في المهام التنفيذية والاكتفاء بشكل التشريف الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، كما يطالبون باستعجال نتائج التحقيق في فض الاعتصام، وبعض الذين يقودون التحرك رفعوا شعارات معادية حتى للقوى السياسية التي بزعمهم أصبحت تتودد للعسكر لتحقيق مكاسب حزبية وذاتية.
وخرجت الدعوة الأولى للتظاهرات المليونية من منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، وهو تجمع مطلبي لأسر الشهداء الذين فاضت أرواحهم في الحراك الثوري السوداني منذ ديسمبر من العام الماضي وصولاً للوضع الراهن، وظلت المنظمة طيلة الفترات الماضية تدعو لتحقيق العدالة والقصاص من قتلة الشهداء، كذلك تحقيق أهداف الثورة التي مات من أجلها أبناؤهم.
سطوة الشارع
ولاء عوض عضو لجان المقاومة بمنطقة جبرة جنوب الخرطوم ترى أن عظمة 30 حزيران/يونيو العام الماضي كانت بنهوض الشعب السوداني واسترداد كرامته بعد ظن العسكر أن ممارسة العنف في فض اعتصام القيادة ثم ترهيب المواطنين والثوار داخل أحيائهم سيوقف عملية النضال، فجاء الرد وأظهر الشارع أن لا شيء يرهبه أو يوقفه وكان مشهد آخر من مشاهد بطولة الثورة السودانية.
وتشير إلى أن مواكب الثلاثاء المقبل تحمل نفس المعاني بإرجاع قوة الشارع إلى ما كانت عليه لتحقيق أهداف الثورة المجيدة ودعم الحكومة الانتقالية لتحقيق المطالب المؤجلة.
بالنسبة لولاء فالمطالب التي ستخرج من أجلها مجدداً واضحة ويمكن تلخيصها في وقف التراخي في إنجاز وحسم القضايا الأساسية المتعلقة بالقصاص وتقديم رموز النظام البائد لمحاكمات فورية، كذلك محاكمة كل من استغل رتبته العسكرية لحماية الفاسدين، وتعجيل ملف السلام والعمل على إيجاد حلول لتخفيف عبء المعيشة على المواطنين، كذلك الاسراع تشكيل المجلس التشريعي وقبل كل ذلك فرض سيطرة الشارع مرة أخرى.
وفي السياق قال زميلها في لجان المقاومة محمد حيدر التوم إنه أبدى تخوفه من وقوع أحداث عنف مشيرا إلى أن الاعتصام أمام القصر ومجلس الوزراء قد يتسبب في وقوع صدامات أولها مع الشرطة، ثم فلول النظام المقبور، وعاد محمد وأكد هناك لجانا أمنية ستعمل بالتنسيق مع كافة لجان المقاومة لحماية المواكب، والحفاظ على سلميتها.
تعبئة في مواقع التواصل
في مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث ناشطون عن حشد فلول النظام السابق لمناصريه في منطقة وسط الخرطوم من الآن، بينما يذهب آخرون بعيداً في التحليل مع ظهور بعض الدبابات والمدرعات العسكرية التي جابت قبل أيام شوارع العاصمة ويقولون إنها احتياطات أمنية لشيء محتمل.
وثمة اختلاف أيضا في مشهد المواكب القادمة عن تلك التي كانت قبل عام، حيث تتسيد الساحة الآن لجان المقاومة من خلال تبني الدعوات وتحريك الشارع، في حين يلاحظ الجميع خفوت القوى السياسية الأخرى في تحالف الحرية والتغيير ويعزي مراقبون ذلك لجهة أن تحالف الحرية والتغيير أصبح يعاني من انقسامات حادة في تنظيمه، فقد جمد حزب الأمة صاحب القاعدة الشعبية الكبيرة نشاطاته في جميع هياكل التحالف الحاكم، وأيضا يعاني تجمع المهنيين وهو جسم كان له دور في قيادة الثورة، من انقسام حاد بعد خروج بعض الأجسام المؤثرة منه مثل تحالف المحامين الديمقراطيين ولجنة الأطباء المركزية وغيرهم وإعلان كيان آخر بنفس المسمى، ولعل ذلك قلل من كفاءة القوى السياسية للثورة، لتلتقط القفاز لجان المقاومة ومنظمة أسر الشهداء لتحريك الشارع وتتسيد المشهد.
ويبدو أن الانقسام في تحالف الحرية والتغيير جعلها تتسابق للالتفاف حول لجان المقاومة والالتزام بالمسارات التي تضعها أو كما فعل الحزب الشيوعي السوداني، الذي أكد في بيان إن النجاح في استكمال مهام الثورة رهين بوحدة قواها الحية داخل وخارج قوى الحرية والتغيير وفي الالتزام بتنفيذ إعلان ميثاق الحرية والتغيير والمواثيق الأخرى المتفق حولها وعلى رأسها البديل الديمقراطي والمجسدة في شعار الثورة الجامع “حرية سلام وعدالة”. وقال إن الوحدة المستندة على برنامج إنجاز مهام الفترة الانتقالية هي العامل الحاسم في هزيمة قوى الثورة المضادة، وتجعل كل خلافات قوى الثورة من الممكن حلها، داعياً عضويته بالمشاركة الثلاثاء المقبل والالتزام بالمسارات الموضوعة من قبل لجان المقاومة، وفي نفس الاتجاه ذهبت أحزاب أخرى.
وحول هذه النقطة قال القيادي بقوى الحرية والتغيير مجدي عبد القيوم إن ذاك وضع طبيعي، فالقوام الأكبر من لجان المقاومة يتشكل من المجموعات غير المنتمية وهذه الشريحة تتعاطى السياسة بلا مرجعية نظرية أو تنظيم يحدد لها الخط السياسي الذي يتعامل مع أهداف الثورة. فهي ترى فقط أنه ينبغي أن يتم استكمال أهداف الثورة هكذا، في حين أن الأحزاب كمؤسسات لها مرجعية وأسس تنظيمية تتفهم موازين القوى والتعقيدات السياسية والظروف الموضوعية والتقاطع الاستراتيجي الدولي والإقليمي وأثره في تشكيل المشهد، وهذا الفرق الجوهري في ظل سيادة المناخ الثوري الذي شكلته الثورة.
وقطع مجدي في حديثه لـ”القدس العربي” بالصعود من وتيرة فعل لجان المقاومة وبالتالي علو صوتها، وأشار إلى أن ما يجعل اللجان أكثر قدرة على تمرير خطها هو أن المجموعات الشبابية المنظمة أو المنتمية تدعمها لأسباب موضوعية متصلة بالتجربة والمخزون المعرفي وسيطرة الذهنية الجمعية التي يشكلها الواقع الافتراضي، قائلاً أن ذلك محدد أساسي للفعل وأن السودان ليس استثناء من ظاهرة الشعبوية التي شكلتها الميديا، واستدل بأن البحث عن إجابة للسؤال الذي يطرح نفسه، من الذى أطلق الدعوة لـ 30 حزيران/يونيو؟ يؤكد صحة فرضية سيطرة ذهنية الميديا أو الواقع الافتراضي.
ويرى مجدي أن الفرق بين مواكب العام الماضي في ذات التوقيت والمواكب الآن، أن العام الماضي كانت جذوة الثورة لم تزل متقدة ويمكن أن نقول بوضوح أنها كانت مرحلة الثورة أما 30 يونيو الحالية فتأتي في مرحلة الدولة وهو فرق جوهري.
أما فيما يتعلق بانقسام قوى الثورة تجاه المشاركة ورفضها واحتمالية تشكيل اصطفاف سياسي جديد قال مجدي: “السبب الموضوعي الوحيد هو الحالة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، أما الاختلافات الأخرى فمتصلة قطعا باختلاف المواقف تبعا لاختلاف الرؤى. وفي تقديري أن هذه المرحلة من عمر قوى الثورة لم تدخل بعد مرحلة الاصطفاف، فلا زال جنين المشهد الجديد يتخلق ولم تتضح ملامحه بعد حتى تحدث عملية فرز وإعادة اصطفاف، والشرط الموضوعي لحدوث اصطفاف هو تباين الرؤى وهذا لم يحدث حتى الآن بذلك الشكل السافر”.
واستبعد عبد القيوم احتمالية حدوث عنف أو استغلال من قبل فلول النظام البائد، كذلك وجود وجه شبه بين المليونية الحالية وما حدث في مصر أيام حركة التمرد، وقال إن من يتحدثون بهذا أما أن لهم مآرب ينطلقون منها لإرباك المشهد لتمرير مواقف حزبية محددة، أو أنهم لا يعلمون كيف تمضي الأمور في عالم اليوم. فليست هناك إمكانية لاستخدام العنف ولا المؤسسة الرسمية التي ينتمي إليها الفلول بهذا الغباء السياسي” ووصف الأمر بأنه سيناريو في مخيلة بعض المتوهمين. وأضاف بأنه لا يوجد وجه شبه في المشهدين المصري ذاك والسوداني إلا حالة كونها ثورة مع اختلاف جوهري في المحددات والأهداف والتقاطعات الدولية والإقليمية وأثرها في صناعة الأحداث.
القدس العربي