
بلا انحناء
السياسة بحورها متعددة، وألوانها غريبة، وأمواجها متلاطة، وقيعانها عميقة بعمق مشكل الوطن، وأحيانا أي السياسة ظلامات بعضها فوق بعض لذا في عالم الساسة لابد من أن نميز الخبيث من الطيب. فموكب 30 يونيو ليس فزاعة لايخافة الحكومة الانتقالية أو إسقاطها كما يروج فلول النظام البائد. موكب 30 يوينو هو المناداة لاستكمال حلقات الثورة السودانية ولفت انتباه الحكومة الانتقالية لتصحيح المسار حتى لا تقع في ظلامات بحور الفشل الدامسة الظلام فيتجرع الشعب مرارة الخذلان، ويشعر بوخزات الألم.موكب 30 يونيو دعوة من الثوار لحكومة الثورة للقيام بمهامها بالتركيز على أمهات القضايا للثورة وفي مقدمتها إنجاز السلام العادل والشامل شمولاً يخاطب جذور الحرب في مناطقها الثلاثة وسلام يحتضن الضحايا كي تسكن الأفئدة المرعوبة من دوي المدافع وأصوات البنادق،. وبدونه أي السلام لن تشرق الشمس التي تمنح البلاد الضوء المفقود بعتمة الحروب. تحقيق العدالة الانتقالية والجنائية للقتلى وضحايا الحروب والنزاعات والانتهاكات طيلة فترة عهد الإنقاذ وما قبلها وما بعد الحادي عشر من أبريل 2019م ليس مطلباً بعيد أو صعب المنال إذا توفرت الإراداة السياسية والأخلاقية لحكومة الثورة التي جاءت محمولة على أكتاف الثوار،وهم شباب وكنداكات صدقوا ما عاهدوا الوطن عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
جريمة فض اعتصام وكل المجاز التي إرتكبت في مناطق الحروب والسلم ،جرائم تنكأ جراح الوطن وتهز وجدان الشعب كلما فرضت الأسئلة العميقة نفسهاعلى المشهد السياسي ( من أمر بارتكاب كل الجرائم، ولماذا، ومن المنفذ) والاجابة على الأسئلة الجديدة والقديمة قطعاً تكمن في نتائج لجان التحقيق التي تم إنشائها لتقصي وقائع الإنتهاكات التي أُرتكبت طيلة فترة حكم الإنقاذ وخلال ثورة ديسمبر المجيدة وحتى الآن. لا شك أن نتائج لجنة التحقيق في مجزرة فض إعتصام القيادة العامة واعتصامات الولايات تطفئ بعض من لهب الحريق المشتعل في القلوب بإنفاذ العدالة لأسر الشهداء والمفقودين والجرحى وضحايا الانتهاكات وكل الشعب لذا احتلت المرتبة الثالثة في في مذكرة الثوار التصحيحية.
موكب 30 يونيو سيشكل علامة فارغة في مسار الحكومة الثورة المدنية التي ليس لها خيار إلا الاستجابة لمطالب الثوار ومن الصعوبة بمكان تتجاهل مطلب اكمال هياكل الدولة من أجل أن تتنفس الولايات الصعداء ويتذوق مواطنيها حلاوة التغيير باختيار الولاة المدنيين من النساء والرجال لأنهم يدركون برنامج الثورة ويطبقون على أرض الواقع وليست ولاة عسكريين من الحرس القديم للنظام البائد كما هو الحال الآن.
المذكرة المطلبية للثوار شكلت قاسماً مشتركاً في دالة الوجدان السوداني لمخاطبتها لكل مطالب الثورة ونفذت إلى أعماق الواقع المأزوم بالقضايا المؤجلة وصورت المشهد السياسي بشكل دقيق وعبرت بكل مصداقية وصدقية عن ما يتطلع إليه الشعب ويتمنى رؤيته على أرض الواقع بعد مرور عام وأشهر من إسقاط النظام. ليس مقبولاً أن يظل الشعب في حالة ترقب وإنتظار لتكوين المجلس التشريعي الانتقالي الذي يعبر عن ملامح الديمقراطية بطرح قضاياالشعب وهمومه والقيام بمهمته وهي تبني القوانيين ومناقشتها واصدارها، ومعلوم أن إعادة بناء الدولة ييتطلب إصلاح ما أفسده دهر الإنقاذ يقوانيين تؤسس للعدالة والحرية والسلام والديمقراطية، وهذا الاصلاح يتطلب أيضاً التخلص من الدولة العميقة التي مازالت قابضة على مؤسسات الدولية والكشف عن هؤلاء وابعادهم واجب وطني لايقاف تخريب الوطن يحميته من مؤامرات فلول النظام البائد حتى تعود الدولة القومية المختطفة لأكثر من 30عاما للشعب السوداني.
مطلب إعادة هيكلة وإصلاح الأجهزة النظامية بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها مع إعادة صياغة عقيدتها القتالية وصلاحياتها، وتحريرها من تمكين النظام البائد لا شك في أنه يخرج البلد من محنته الكبيرة بعد التسيس الذي شوه صورة الأجهزة النظامية وصارت تشكل صمام أمان للأنظمة وليست طوق النجاة للشعب إذا ما طلامت أمواج واللا سلم في بحار السياسة المتعددة الأجندة.
شهوة السلطة والجاه والمال والطغيان لدى قيادات النظام البائد رمى السودان في حفرة الإنهيار الاقتصادي ودفع الشعب السوداني الفاتورة حروب وفقر ومرض والمطلوب من حكومة الثورة البحث عن حلول لوقف التدهور الاقتصادي ووضع الرؤى والأسس التنموية قطعاً المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة إذا تلمس حكومتنا الانتقالية مواطن القوة في مواردنا نظرت إلى الجزء الممتلأ من الكوب الجزء الممتلأ فيها أرض وماء وموارد بشرية، وثروة حيوانية ومعدنية.
الثوار يدركون أهمية الحتضنة السياسية للثورة فلا غرابة بمطالبتهم بإعادة هيكلة تحالف قوى الحرية والتغيير والعمل على توسيع قاعدة المشاركة عبر قيام مؤتمر تنظيمي شامل يجمع جميع التنظيمات المدنية والسياسية المنضوية تحت لواء التحالف ووضع اللوائح التي تنظم كيفية إدارة الخلافات واتخاذ القرارات.
إحياء الإرث النقابي وتطويره عبر عمل المؤتمرات القاعدية وإجازة قانون للنقابات يكون متوافق عليه حتى تؤدي النقابات دورها الطليعي في خدمة مصالح وقضايا المهنيين وأخذ حقوقهم والدفاع عن التحول الديمقراطي وأهداف الثورة.
المطالب التي وردت في مذكرة الثوار بلا شك تعبر عن روح الثورة وجوهرها ، مطالب تعطي الأمل في وطن مشرق ب (الحرية و السلام والعدالة) وهذه المبادئ تكفي لتضميد جراحات الوطن القديمة المتجددة، وكسب رهان نجاح الفترة الانتقالية إذا تعاملت حكومة الثورة مع هذا المطالب بحماس يتناسب مع حماس الثوار وحرصهم على الثورة حتى تحقق مطالبها.
الواقع في البلاد يفرض على الجميع التعامل بمسؤولية تتوافق مع قيمة التغيير وطموحات الشعب في العيش في وطن حر ديمقراطي ينعم بالخير والسلام.
فاطمة غزالي
[email protected]