مقالات سياسية

مصيبة الإخوان المسلمين فرع السودان

م/ التجاني محمد صالح

جاءت مسيرات 30 يونيو تماماً كما كان مخطّطاً لها من قبل لجان المقاومة لتضيف بعداً جديداً لمسيرة الثورة التي عمل أعداؤها على وقف تقدّمها لتكتفي فقط ببعض المكاسب الشكليّة. لقد أظهرت تلك المسيرات أنّ الثورة تمتلك من القوة الكامنة القدر الكافي الذي يمكنها من بلوغ غاياتها في تحقيق الحريّة، السلام و العدالة.

لقد عمل أتباع العهد المباد كل ما في وسعهم لإجهاض الثورة الوليدة و ذلك بحياكة المؤامرات و خلق حالة من عدم الإستقرار و بث الإشاعات و محاولات تشتيت جهود الثوار و حكومتهم المؤقّتة بإختلاق معارك جانبيّة و إختلاق ندرة في المواد الضروريّة و زيادة الأسعار. و لكن الثورة بوصفها ثورة وعي في المقام الأول تنبّهت لكلّ ذلك و جاءت المسيرة لتؤكّد أن الثوار يقفون بثبات خلف مؤسّساتهم و حكومتهم المدنيّة و هم ماضوم في طريق إكمال ما تبقى من مؤسّسات حسب ما نصتّ عليه الوثيقة الدستوريّة.

إنه لمن العقل و الحكمة أن يتوقف أعداء الشعب أعداء الثورة عن المحاولات الرامية لإحداث الفوضى و خلق عدم الإستقرار بهدف إفشال الثورة ليعودوا من جديد. فهل سيتوقّف أعضاء جماعة الإخوان المسلمون فرع السودان عن محاولات الفتك أكثر بأهل السودان؟

قد نكون متفائلين حدّ الإفراط إن أعتقدنا رجوع أفراد هذه الجماعة إلى جادة الصواب للإصطفاف مع عامّة الشعب و ذلك لإستحالة ترك ما كانوا يعتقدون صوابه الذي يشبه في كثير من جوانبه المجهود الكبير الذي يتطلبه نبذ الكفر و الدخول في دين جديد كما حدث في زمن الجاهلية. الأمر يحتاج إلى شجاعة خاصّة لا تتوفر لأفراد هذه الجماعة بحكم التربية التي فرضت الإتّباع الأعمى للأمير كما يقولون “كالميت بين يدي مغسله”. تلك التربية التي تصل حدّ إعتقاد الفرد منهم بأنهم وحدهم خير أمّة أخرجت للناس و ما سوى ذلك كفرة و جهلة في أفضل الأحوال.

فالأخ المسلم فرع السودان مثلاً لا يؤمن بالدولة الوطنيّة بحدودها التي يؤمن بها عامّة السودانيين. و العلاقة بين الأخ المسلم فرع السودان و بقية المواطنين من غير الجماعة علاقة إنتفاع مؤقتة فرضتها الضرورة. و في أحسن الأحوال هي علاقة أقلّ شأناً بما لا يقاس من علاقته بالأخ المسلم في دولة الفلبين مثلاً. ففرع الجماعة هذا أفراده لا يغضبون كما يغضب السودانييون مثلاً على مصر في إحتلالها للأراضي السودانيّة. لأنّه في عقيدتهم أن أرض الإسلام هي الأرض و لا يهم و ليس مطلوباً بل مرفوض عندهم التوجّهات الوطنية لأي شعب لأنه في معتقدهم من أعمال الجاهلية. إنهم مختلفون جدّاً عن عامّة المواطنين. لا يحزنهم ما يحزن السودانيين و لا يفرحهم ما يفرح السودانيين. التوبة تعني لهم ترك كلّ ما كانوا يؤمنون به و يعتقدون بصحته و قاتلوا من أجله و البدء من الصفر. هذا لعمري عمل لا يقدر عليه إلّا أولوا العزم من أمثال عمر بن الخطاب حين ترك الجاهلية تركاً جازماً قاطعاً و بدء حياة جديدة.

تربية الأخ المسلم لا تؤهّله لترك كل ماضيه الذي بنى عليه كلّ آماله و طموحاته و تصوّراته للحياة في الدار الآخرة مع إخوانه ليبدأ مع مجتمع جديد. فالأخ المسلم تمّ تكوينه على أنّه هو المسلم الحقيقي الوحيد الحائز على الحقّ الإلهي دون البشر الآخرين من غير جماعته في كونه الأوّل و الأقدر و الأكثر علماً و الإمام المناط به ربط قيم السماء بالأرض الذي يجب أن يقتدي به الناس. تلك تربية لا تؤهّل صاحبها لأن يقبل مشاركة سائر المواطنين العاديين العيش المشترك وفق الحقوق المتساوية و المواطنة الكاملة.

سيعيش أفراد هذه الجماعة حالة من التمزق الوجداني قد تؤدّي بهم للعنف نسبة لعدم القدرة على المواءمة بين ماض أثبتت الوقائع مجافاته للحقائق البديهية و بين حاضر يتطلب بالضرورة نبذ الماضي كليّة و البدء بالدخول في علاقات جديدة مع المجتمع الجديد.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..