صراع الخُلطاء

قبل نحو أسبوع من الآن، كانت الغراء صحيفة الأهرام اليوم أجرت حواراً مع الأستاذ أمين بناني نيو بوصفه رئيساً لآخر كيان تنظيمي وحزبي برز إلى الساحة، هو تحالف القوى الإسلامية والوطنية، وبرئاسته لهذا التحالف يكون الأستاذ أمين قد تنقل بين ثلاث محطات سياسية، حيث نشأ أولاً وتربى في كنف الاتجاه الإسلامي وكان من قياداته الطلابية المشهورة بجامعة الخرطوم، ومن شهرته عهدذاك أن الطالبات نظمن فيه أرجوزة يقلن فيها «أمين بناني عليك الله قوم اترشح تاني عليك الله»، وبعضهن حرّفنها إلى «قوم أرقص تاني»، توّج أمين مسيرته الطويلة مع هذا التنظيم بأن صار وزيراً في إحدى التشكيلات الوزارية ما بعد انقلاب الجبهة الإسلامية، بعدها بقليل وبعد أن بدأ أمين يبدي بعض الملاحظات الجريئة، تضايقت منها عشيرته واعتبرت أنه يقذف عليها الحجارة من خارج الأسوار فقذفته هو إلى خارج الأسوار، حيث التقى في قارعة الطريق برفيق دربه في التنظيم والاستوزار الشهيد مكي علي بلايل الذي نال هو الآخر نصيبه من القذف خارج الأسوار لذات السبب، فترافقا معاً وانضم إليهما في الطريق الدكتور لام أكول ليؤسس ثلاثتهم حزب العدالة الذي جعلوا على رئاسته المرحوم الفريق توفيق أبوكدوك، لم يلبث أمين في هذه المحطة طويلاً إذا سرعان ما غادرها إلى جهة غير معلومة، كما غادرها لام أكول ما بعد نيفاشا لينشيء حزب الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي، بينما بقى مكي في الحزب كالسيف وحده وتسنم رئاسته حتى لحظة استشهاده في حادث طائرة تلودي المشؤوم، ثم هاهو أخيراً بعد فترة بيات وكمون يظهر أمين رئيساً لهذا التحالف الجديد…
في إجابته عن سؤال في الحوار المشار إليه دار حول الفساد والإصلاح، وقفت ملياً ومتأملاً في عبارة «صراع خُلطاء» التي لخص بها أمين خلاصة ما يجري داخل النظام والتنظيم والحزب وما يدور في هذه الأوساط من لغط حول الفساد والإصلاح، فقد عدَّ أمين كل ما يجري في هذا الصدد وهماً كبيراً حقيقته الوحيدة أنه «صراع خُلطاء» لا يُرجى منه صلاحاً ولا إصلاحاً، «خُلطاء» يا إلهي هذا توصيف غير مسبوق ومصطلح غير مطروق في الأدب السياسي، فمنذ أن سكَّ الترابي مصطلحي التوالي والاجماع السكوتي وقبلهما سندكالية الصادق المهدي، إقفرت الساحة السياسية وخلت لغتها أياً كان الرأي فيها من مثل هذه الاجتراحات والمسكوكات والاصطلاحات وشاعت لغة «لحس الكوع» وشذاذ الآفاق و«مرمي الله» و«أولاد الإيه مش عارف» وغيرها من مثل هذه الفظاظات اللغوية…
«صراع الخُلطاء» عبارة تنطوي على فائدة عظيمة وحكم وأحكام وعبر ودروس وعظات للتدبر وأخذ العبرة، وقد ورد ذكر الخُلطاء في القرآن الكريم في الآية «وإن كثيراً من الخُلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم»، والآية تحكي قصة سيدنا داؤود عليه السلام مع الأخوين اللذين اختصما عنده، أحدهما يملك تسعاً وتسعين نعجة والآخر واحدة فقط، وأراد الأول أن يضمها إليه، فاستعجل سيدنا داؤود وحكم لصالح صاحب النعجة الواحدة دون أن يسمع الطرف الآخر، ولكنه في النهاية استدرك واستغفر، والدرس المستفاد هنا ان من ولى أمراً في الناس وأصبح حكماً بينهم وحاكماً عليهم، عليه أن يكون حاكماً على الجميع بلا فرز أو تمييز، وأن يكون الناس عنده جميعاً متساوون في الحقوق والمطالب، وأن لا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر بأن يكون عادلاً عدل عمر الذي قال فيه من أدهشه منظره وهو مستغرق في النوم تحت شجرة «أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها»…
الصحافة

تعليق واحد

  1. ومين فيهم عنده نعجة واحدة ! كلهم عندهم مما يساوي ثمن النعاج ملياردات لا مليارات كما صححها اخونا شوقي بدري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..