مقالات سياسية

روزنامة الاسبوع … أَصْحَى يَا بريشْ!

كمال الجزولي

الإثنين

لم أقع على نقد أكثر قسوة مِمَّا فعل حمزة الملك طمبل بشعر الشَّيخ أحمد المرضي، حيث كان الشَّيخ قد قال في مدح «هداية بك» ناظر الكليَّة:

«برَزَتْ بِوَجْهٍ كَالصَّباحِ المُسْفِرِ/ وتَمايَلَتْ مَيْلَ القَضيبِ الأَخْضَرِ/ وتَلفَّتَتْ عن جِيدِ ظَبْي أَغْيَدٍ/ورَنَتْ بِنَاظِرَةِ المَهَاةِ الجُّؤْذَرِ/ لَمْياءُ تَفْعَلُ بالقُلوبِ لَحاظُها/ فِعْلَ السُّلافِ البابِليِّ السُّكَّرِ/ ولقد تلظَّتْ (أكبُدي) وتَصَدَّعَتْ/ وتَوَقَّدَتْ من وَرْدِ خَدٍّ أَحْمَرِ/ تَسْطُو من الطَّرَفِ المَريضِ بِأَبْيَضٍ/ وتَصُولُ من لَدُنِ القَوَامِ بأَسْمَرِ/ كَلَفِي بِطَلْعَتِهَا القَسِيمَةِ فِي الوَرَى/ كَلَفَ العُلا بِهِدايَةِ الشَّهْمِ السَّري».
وبعد أن أورد طمبل هذه الأبيات، انبرى للشَّيخ يجلده بقوله:

ــ «وهكذا، جرياً وراء التَّقليد، صدَّر الشَّاعر مدحته بخمسة أبيات في الغزل لا داعي لها لأنها ليست من الموضوع، وحذفها أدلُّ على الصِّدق من وجودها، لأنها تحصيل غير حاصل»!

ــ وقال: «ثمَّ كان الأنسب وضع كلمة (مهجتي) بدلاً من كلمة (أكبدي) لأن الشَّاعر إنسان كأيِّ إنسان له كبد واحدة لا أكثر ولا أقل»!

ــ وقال: «كان يحسن أن يقول، في الشَّطرة الثَّانية من البيت السَّادس، ما يفيد كَلَفَ هدايةٍ بالعُلا، لا كلف العُلا بهدايةٍ، لأن النَّاس هم الذين يسعون ويجاهدون في سبيل العُلا، لا العُلا هي التي تسعى إلى النَّاس وتخطب ودَّهم»!

بعدها أورد طمبل البيت القائل: «إنَّ المَعارِفَ قد تَجَلَّتْ وانْجَلَتْ/ لمَّا طَلَعْتَ لها بِوَجْهٍ مُقْمِرِ»، وعلق عليه قائلاً:

ــ «كان يحسن أن يقول (بفكرٍ نيِّرِ) بدلاً من (بِوَجْهٍ مُقْمِرِ)، وهذا يستلزمه (وضع الشَّئ في موضعه)، لأن المعارف إنَّما يجليها ذو (الفكر النَّيِّر) لا ذو (الوَجْهِ المُقْمِرِ) الذي يُحتمل أن يكون غبيَّاً بليداً لا يفيد المعارف بشئ»!

ثمَّ أورد طمبل البيت القائل: «شَرَّفْتَها فَتَراقَصَتْ أَعْطافُها/ فَكَأَنَّها سَمِعَتْ غِنَاء المزْهَرِ»، وأشبعه سخرية بقوله:

ــ «مع أن هذا البيت فارغ، فإنه يؤدِّي إلى معنى سخيف لم يحسب حسابه الشَّاعر، لأن مصلحة المعارف إدارة حكوميَّة لا أعطاف لها يصحُّ أن نفرض أنَّها تراقصت لمَّا شرَّفها الممدوح! ولو ذهبنا مع الشَّاعر إلى حيث ذهب، وفرضنا أن (المعارف) بأفنديَّتها، ومشايخها، ومكاتبها، وفصولها، وبكلِّ ما حوته، حتَّى المحابر والأقلام، قد تراقصت عند تشريف (هدايةٍ) لها، لكان في منظر تراقصها ما يدعونا إلى السُّخرية والضَّحك، لا إلى الإجلال والاحترام، وهو ما كان يرمي إليه الشَّاعر طبعاً»!

ـ ثمَّ استطرد طمبل قائلاً: «وهاكم نتيجة أعجب من هذه، وهي أن (المعارف) التي تراقصت لتشريف (هدايةٍ) لها، إنَّما فعلت ذلك كأنَّها سمعت غناء المزهر! ومعنى هذا أن تشريف الممدوح يساوي غناء المزهر تتراقص لكليهما أعطاف (المعارف)! هذه نتيجة سيعجب لها الشَّيخ أحمد المرضي ومَن يقرأها، لكنَّها، على أيِّ حال، نتيجة تُلازِم مَن يكون همُّه المبنى لا المعنى»!

ــ وأخيراً ختم طمبل نقده المرير قائلاً: «فيا أيُّها النَّاس تفكَّروا في كلِّ شئ، فإن تفكُّر ساعة خيرٌ من عبادة سنة»!

الثُّلاثاء

كشف فريق بحثي إنجليزي بجامعة إيست أنجليا عن علاقة طرديَّة بين النَّقص الحاد في فيتامين/ دي وبين النِّسبة المرتفعة للوفيَّات بالكورونا في عشرين بلداً أوربيَّاً! والسَّبب هو التزام معظم النَّاس بيوتهم، خلال الجائحة، دون التَّعرُّض لأشعَّة الشَّمس، مِمَّا حدا بهيئة الخدمات الصِّحيَّة الوطنيَّة في المملكة المتحدة لنصح العامَّة بتناول 10 ميكروغرامات من هذا الفيتامين يوميَّاً. وكانت دراسات سابقة قد أوضحت، أيضاً، أنه يخفض من احتمالات الإصابة بأمراض الجِّهاز التَّنفُّسي، كالأنفلونزا والسُّل، لكن الفريق البحثي لم يؤكِّد أو ينف ما إن كان تناوله يساعد في التَّعافي من الفيروس، ومع ذلك فإن الطلب عليه يزداد بشدَّة! ولحسن حظِّنا في السُّودان فإن شمس بلادنا تنتج فيتامين/دي بوفرة، خصوصاً خلال فترتي الصَّباح وقبل الغروب، فلا نحتاج لاستيراده بالعملة الصَّعبة! فقط علينا أن نُشبِع أجسادنا من شمس الفترتين، فامتصاص بشرتنا الدَّاكنة للأشعة يحتاج إلى وقت أطول مِمَّا تحتاجه بشرة الخواجات!

الأربعاء

كثيراً ما يقع الخلط بشأن «الدِّيموقراطيَّة»، حيث لكلِّ طبقة حزبها، ولكلِّ حزب أيديولوجيَّته، ولكلِّ أيديولوجيَّة مفهومها الخاص عن هذا المصطلح. مع ذلك فإن التَّوافق قد وقع بعد استقلالنا، بل وغالباً ما ظلَّ يقع عقب كلِّ انتفاضة وكلِّ تغيير، في بلادنا بالذَّات، على «الدِّيموقراطيَّة الليبراليَّة» التي هي، بوجه عام، مصطلح مركَّب يشتمل على مفهومين نشئا، في الأصل، بانفصال.

«الدِّيموقراطيَّة» مفهوم أقدم من النَّاحـية التَّاريخـيَّة. فهـى، كلفـظ، تعـود إلى الأصـل اليوناني Demos بمعـنى «شعب»، وKratos بمعنى «حكم أوسلطة». أمَّا كدلالة اصطلاحيَّة فتنصبُّ على شكل الحكم الذي يتَّسم بتوسيع دائرةالحريَّات، والحقوق، والمشاركة، والمساواة أمام القانون، والذي ظلَّ يمثل تطلعاً دائمابالنِّسبة للمجتمعات الانسانيَّة، على امتداد تاريخها السِّياسي، واختلاف محدِّداتهاالزمكانيَّة، والعرقيَّة، والمعتقديَّة، واللغويَّة، والثَّقافيَّة، وغيرها، منذ أقدم التَّشكيلاتالاقتصاديَّةالاجتماعيَّة، عند الأسبرطيِّين، والبيزنطيِّين، وبخاصة عند الإغريقالذين يعود المفهوم، بالجِّذر الغالب لاستخداماته، إلى تلخيصاتهم الفلسفيَّة (سقراطـ أفلاطون ـ أرسطو)، من جهة، وتطبيقاتهم الأثينيَّة من جهة أخرى. وقد شهدتالعصور القديمة تلك الأشكال الملموسة للدِّيموقراطيَّة التي كان مضمونها يتوقَّفعلى طابع نظامها الاجتماعي، عبوديَّاً كان أو اقطاعيَّاً.

أمَّا «الليبراليَّة» فتنحدر، لغة، من اللفظ اللاتيني Liberalis بمعنى «حُر»؛ ويعود مفهومها بجذره الفلسفي إلى مذاهب جون لوك، والتَّنويريِّين الفرنسيِّينبخاصة. وقد تبلور في أوربَّا القرنين السَّابع عشر والثَّامن عشر، كبرنامجأيديولوجي للبُرجوازيَّة الصَّاعدة من رماد الإقطاع، وكتعبير ثوري عن حاجتهاالملحَّة، اقتصاديَّا وسياسيَّا، لتحطيم كلِّ الحواجز القائمة على طريقها فى طبيعة،وقوانين، وميكانيزمات النِّظام الإقطاعى المدعوم من الإكليروس الكنسي، والذي لميعد يناسب، آنذاك، مقتضيات حركة رؤوس الأموال والسِّلع، من حيث السُّرعةواليسر، إلى جانب أنه أضحى يكبِّل حريَّة اختيار المهن، والانتقال السَّلس للأيديالعاملة المطلوبة بإلحاح من أجل تطوُّر الصِّناعة، حيث كانت القوانين السَّائدة تجبرالفلاحين الأقنان وأبناءهم على البقاء في خدمة «أسيادهم» كأنصاف عبيد. وبماأنه كان لا بُدَّ لتلك الضَّرورات، فى مستوى البنية التَّحتيَّةللمجتمعinfrastructure، من تحويلات كبرى تناسبها في مستوى البنيةالفوقيَّة superstructure، فقد قام المفكرون «الليبراليُّون»، في ما بين نشؤحركة الاصلاح الدِّيني اللوثـري في أوربَّا، خلال القرنين 15 ـ 16، الطَّـور الأوَّل مـنعصـر «الحـداثة»، وبين اندلاع الثَّـورة الفرنسيَّة عام 1789م، بتدمير الأسسالنَّظريَّة للنِّظام القديم الذى كانت «النَّبالة» فيه هي عنوان «الامتياز»، كما كانت«الحقوق» هى المعادل الموضوعي لـ «حيازة الأرض»، وبشَّروا، نظريَّاً، بمجتمعجديد يشكِّل مصدر الثَّروة فيه «رأس المال» القائم على «الملكيَّة الخاصَّة»،و«حريَّة السُّوق» المستندة إلى «حريَّة المنافسة»، وجرى تصوير فرص «الرِّبح» فيه، وخيارات «المنفعة»، على أنَّها متاحة أمام «الجَّميع»، بحيث تمثِّل جهود «الفرد» الاقتصادبَّة «المستقلة»، وفق مبدأ «دعه يعمل، دعه يمُر»، شرعيَّة«التَّمايز»، تماماً كما يمثِّل «التَّعاقد الطليق» الأساس القانوني لتنظيم العلاقاتالاجتماعيَّة. زبدة الأمر أن الليبراليَّة الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة تخلقت في رحم النِّظامالرَّأسمالي، مستندة إلى حريَّة السُّوق، وحقوق الطبقة البُرجوازيَّة الصَّاعدة.

على أن الاقتران بين «الدِّيموقراطيَّة» و«الليبراليَّة» لم يقع، تاريخيَّاً، ضربة لازب،بل العكس هو الصَّحيح، حيث أن «الليبراليَّة» قاومت «الدِّيموقراطيَّة» ردحاً طويلاًمن الزمن، قبل أن تعود لاستيعابها بالتَّدريج. فحقُّ «التَّصويت»، مثلاً، ظل قاصراًعلى الطبقات الرَّأسماليَّة حتى الثُّلث الأوَّل من القرن التاسع عشر. ولم تتمكنالطبقة الوسطى الإنجليزيَّة من التَّمتُّع به إلا فى إثر «الإصلاح الانتخابي» عام1832م. أمَّا العمَّال فلم يُعترف لهم بهذا الحق إلا فى نهاية القرن التَّاسع عشر،وأمَّا النِّساء فقد كان عليهن الانتظار للحصول عليه حتَّى نهاية الرُّبع الأوَّل منالقرن العشرين (1920م فى إنجلترا ـ 1928م فى أمريكا).

وإذن فإن الأسس المعرفيَّة لـ «الليبراليَّة» انطرحت، تاريخيَّاً، من زاوية التَّطوُّرالاقتصادي للمجتمعات البشريَّة، باستقلال عن الركائز الخاصة بـ «الدِّيموقراطيَّة» في ما يتصل بـ «الحقوق والحريَّات» التي انطرحت معرفيَّاً، إزاء سلطة الدَّولة، قبل«الليبراليَّة» بكثير. فـ «الليبراليَّة» ولدت إقتصاديَّاً، أوَّلاً، ثم «تمقرطت»، لاحقاً، متخذة طابعها السِّياسي من بوَّابة اضطرار البُرجوازيَّة لتوسيع دائرة «الحقوق والحريَّات» التي لطالما دافعت عنها في مرحلة نهوضها الثَّوري، لتشمل كلَّالمواطنين، باعتبار أن هذه «الدِّيموقراطيَّة» تعني تعظيم «المساواة» في فرصالحياة على كلِّ الأصعدة السِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، و«تحرير» القوىالكامنة لدى الانسان في سبيل تحقيق ذاته. من هنا نتج التَّداخل بين المفهومين،ربَّما لكون سيرورة «الليبراليَّة» قد اقترنت، أكثر من غيرها، بـ «الدِّيموقراطيَّة».لكننا لا نرى أهميَّة، في السِّياق، للجَّدل حول ما إنْ كان مضمون «الدِّيموقراطيَّة»،بدلالة «الليبراليَّة السِّياسيَّة»، يتمثَّل في «المساواة» أم في «الحقوق والحريَّات»،اللهم إلا من وجهة النَّظر المدرسيَّة المحضة. ما يهمنا، تحديداً، هو أن هذه«الدِّيموقراطيَّة» التي ظلت، على الدَّوام، بمثابة السِّلاح الذي تنافح به جماهير الكادحين لانتزاع «حقوقها» السِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، وتتطلع، عنطريقه، لإعادة صياغة العالم الأفضل، والوجود المغاير، قد استحقَّت، دائماً، عداءالطَّبقات المتميِّزة التى يرتبط لديها الإقرار بهذه «الحقوق» للجَّماهير بتهديدامتيازاتها، أو تغيير الأساس الاقتصادي السِّياسي للمجتمع الذى يوفر لها تلكالامتيازات.

مع ذلك ، وفى الظروف التى تلازم فيها صعود المركانتليَّة، ومفاهيمها حول المدنيَّةوالتَّمدُّن، مع عمليَّات التَّهميش الثَّوري المتسارع للاقتصاد الطبيعي الرِّيفي، ولأجلالاستمرار فى تيسير «حريَّة» انتقال الأيدي العاملة من اقتصاديَّات الرِّيف إلىمجال الصِّناعات النَّاشئة في المدن، وتبرير القضاء على سطوة التَّوأم السِّيامي فيالتَّاريخ القروسطي الأوربِّى: الإقطاع والكنيسة، فقد كان منطقيَّا تماماً أن ترتفعأيضاً منظومة المطالب التى وسمت «الليبراليَّة»، في عصر «الحداثة» بميسمالثَّورة ذات الأهداف البرجوازيَّة الشَّاملة في التَّغيير الاقتصادي ـ السياسي ــ الاجتماعي، وهي المطالب التي دخلت التَّاريخ، منذ ذلك الحين، بما أصبح يعرفبشبكة حريَّات «التَّفكير، والضمير، والتنظيم، والتعبير، والتنقل .. الخ»، فضلاً عن إلغاء نظام الحكم بالوراثة، واعتماد نظام جديد يقوم على الانتخاب الحرِّ للحكَّام،وما إلى ذلك.

هكذا، وبرغم «التَّناقض المظهري» بين المصالح «الليبراليَّة» الاقتصاديَّة للطَّبقاتالبُرجوازيَّة، وبين المصالح «الدِّيموقراطيَّة» السِّياسيَّة لجَّماهير الكادحين، ونسبة لاستحالة تحقيق الأولى بدون إيلاء الاعتبار الكافى للثَّانية، ارتقت «الليبراليَّة» منمستوى «الحريَّات والحقوق الاقتصاديَّة» إلى مستوى «الحريَّات والحقوق السِّياسيَّة».

الخميس

قضت محكمة فرنسية، في 29 يونيو المنصرم، بسجن فرانسوا فيون، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، 5 سنوات، وتغريمه 375ألف يورو، وحرمانه من الممارسة السِّياسيَّة لمدَّة 10 سنوات، كما قضت بسجن زوجته بينيلوب 3 سنوات مع وقف التَّنفيذ، وتغريمها 375 ألف يورو، وحرمانها من الممارسة السِّياسيَّة لمدَّة سنتين. التُّهمة التي وُجِّهت إليهما هي تعيين فرانسوا زوجته بينيلوب في وظيفة وهميَّة، و«تمكينها»، بذلك، من الاستيلاء على مليون يورو من المال العام! .. أصحى يا بريش!

الجُّمعة

مقاربة التَّوظيف السُّلطويلـ الدِّين، ضمن أجندة الإسلام السِّياسي في السُّودان والمنطقة، تقتضي مدخلاً أكثر عمقاً حول ظاهرة الدَّولة، وضعيَّاً وإسلاميَّاً. فمن النَّاحية الوضعيَّة، وفي ما يتَّصل بكونها جهازاً وظيفيَّاًيمثِّل ضرورة المُلكبالمصطلح الخلدوني، أو جهاز القمع الطبقيحسب ماركس، أو احتكار العنف الجَّسدي المشروعوفق ماكس فيبر، أخذت تتراجع، مع التَّقدُّم العلمي، الأفكار الأسطوريَّة عنها كآلة محايدة. ومنذ وقوع الانقسام التَّاريخيحول وسائل الإنتاج، تلاشى التَّقدير العفوي لملكات مَن يجمعون بين الامتيازالشَّخصي والسُّلطة المعنويَّة، كالشِّيوخ والفرسان، بما يؤهِّلهم لتسيير المجتمع.تلك كانت اللحظة التَّاريخيَّة التي احتاجت فيها السُّلطةلأن تتأسَّس، حسب جورج بوردو، على قيمة أخرى غير الامتياز الشَّخصي، فلم يتبقَّ “.. سوى حلَّينممكنين لتفسير قدرات الحاكم: فإما تأليهه لخلق التَّوازن بين سلطته وخصائصهالشَّخصيَّة، وإما وضع السُّلطة نفسها في مكانها الصَّحيح خارج شخصـيَّته“. هكذا أصبح التَّفريق مقبولاً بين السُّلطةومن يمثِّلونها. فلئن كان المتخصِّصونيعقلونها في إطار النَّظريَّة القانونيَّة لـ الدَّولة، فإن لدى غير المتخصِّصين شكوكهم حولها، إذ لا يوجد، وفق تعبير طريف لبوردو، مَن يستطيع التَّأكيد على أنه رآها بأمعينه، ولا من يجزم بأنها غير موجودة! وهذا ما يدعم تصوُّرها كعقلنة للتَّفسيرالسِّحري، فحيث لم نعُد نثِّق بالخرافات، نطلب من بناء عقـلاني ما كان ينتظـرهالنَّاس قديمـاً من الميثيولوجـيا!

لقد جرى التنظير كثيراً ليبدو هذا الجِّهاز فوق الجَّميع، ويرتقى وفق هايراركيَّةمدعومة بفصائل مسلحة لصون النِّظام العام. لكن التَّاريخ، كمختبر للأيديولوجيا،فضح، منذ أزمان، أن هذا النِّظام العام ليس سوى منظومة قواعد تؤبِّد سلطة الأقليَّة المستحوزة على الثَّروة، والتي تحمي الفصائل المسلحة صالحهاباعتبارهالصَّالح العامزوراً! وهكذا أضحت الدَّولة عذراً لكون مصالح مَن يتمتَّعون بحظوتها هـي التي تمـلي القـرارات التي تُنسـب إليها، أي أداة لتسلط أقليَّةتدَّعي تمثيل المجتمع كله، بينما هو منقسم، في الواقع، إلى طبقات تتدافع حولالسُّلطة والثَّروة، مثلما أضحت ستاراً لمشروع تسلطي، إذ من حيث صُوِّرت كعامل تطهير للسُّلطة من الضَّعف الإنساني، أضحت، هي نفسها، أداة تبرير له!

مهم، مع ذلك، تناول الدَّولة بوصفها ثانويَّة فى علاقتها بـ المجتمع، فليست هيالتي تحدِّده، وإنَّما هو الذي يحدَّدها بحراكاته. وفى تدقيقه لمفهوم نهاية الدَّولةيرى غرامشي أنها ليست منتهية بذاتها، إلا إذا جرى تصوُّرها كـ أداةيُشترط لنشوئها واختفائها نشوء واختفاء المجتمع، أو الدَّولة الموسَّعة، بشقَّيها المدنيوالسِّياسي.

هذا من حيث مقاربة الإشكاليَّة وضعيَّاً. أمَّا إسلاميَّاً فتلزمنا إضاءة فانوسين:  

أوَّلهما: معياريَّة الفاروق (رض) لوظيفة الدَّولـة الإسلامـيَّة، ومهمَّتها الأساسيَّة، حيث: “ولاَّنـا الله على الأمَّة لنسدَّ لهم جوعتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن أعجزنا ذلك اعتزلناهم“.

ثانيهما: تفنيد التَّأويل الذي ساقه الإسلامويُّون السِّياسيُّون، أو الخوارج الجُّدد، لمصطلح الحُكمالقرآني كي يطابق السُّلطة السِّـياسيَّة، متحجِّجين بالآيات الكريمات (44

‫3 تعليقات

  1. الاخ کمال یوم الثلاثاء خانتک معلوماتک العلمیة،فالجسم الاسود هو الاکفأ فی امتصاص الحرارة وتحمیههذه المادة السوداء من الاشعة فوق البنفسجیة التی تسبب السرطان_ لاتوجد عند البیض_لذلك یجب مراجعة المعلومات وعدم اللجٶ للاستسهال!

    1. كلام الجزولي سليم علميا، واصحاب البشرة السوداء يحتاجون وقتا اطول من البيض للحصول علي كمية كافية من فينامين ك.

  2. استاذ كمال كالعادة نقرأك للمتعة والمعرفة
    ودايما مستمتعين
    فقط ملاحظة على المقال لا اعتقد أن عدد القتلي في الأحداث المرتبطة باغتيال المغني الأثيوبي هاشالو هوديسا قد بلغ الرقم الوارد بالمقال بل هو أقل كثيراً عن ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..