مقالات سياسية

إعتصام صامت ومليونيات صابرة

عبدالدين سلامه

لم يشفع للمغتربين السودانيين كمهم العددي الذي قدّرته معظم الإحصائيات مابين ثلث ونصف العدد الكلي لمجمل التعداد السكاني للبلد ، ولا ماقدموه ويقدمونه للوطن من حقوق أسرهم وأهلهم ومعارفهم عليهم ، ولا الخدمات الجليلة غير المعلنة التي يقدمونها للوطن ، ولا حتى نسبة الوطنية الطاغية التي تستوطن أعماقهم ، ولا إجبارهم طول العهود السابقة والحالية على دفع الضرائب والجبايات التي تفنن المسؤولون في تسمياتها ، ولا دعمهم غير المحدود لنجاح الثورة وحرصهم على إتمام مقاصدها ، ولا ضخّه الكوادر المؤهلة التي تدير الحكومة المدنية الحالية ،بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس جهاز شئون العاملين بالخارج ، فقد ظلّ الظلم واقعا عليهم ، ولازالوا يمثلون دجاجة تبيض الذهب رغم أن جائحة الكرونا ذهبت بالكثير المرتجى ، ورغم تقديرهم لكل المواقف والتزامهم الصمت تجاه قضاياهم.

مختلف الفئات السودانية المظلومة سارعت بمطالب انتزاع الحقوق بعد الثورة ، وتطرقت الفعاليات السياسية لكل الفئات، إلا المغتربين الذين لم تتغير نظرة المسؤولين لهم كبقرة حلوب وقوة احتياطية للدعم المادي والمعنوي والإعلامي وقت الحاجة .
المغترب من أشدّ المواطنين تعرّضا للظلم، فبجانب حرمانه من العيش في وطنه وبين أهله وأحبته ، وجد نفسه يتعرض لمظالم كثيرة ظلت مطالباته السلمية بحلها تراوح مكانها لأكثر من أربعة أو خمس عقود ، فالضريبة التي تم تجميلها بالمساهمة الوطنية ، ورسوم الخدمات الطويلة الواجبة الدفع بمافيها رسوم التلفزيون الذي لايشاهده ، والخدمات التي لايتلقى منها شيئا ، واجبة الدفع شاء أم أبى ، وقد تم ربطها في السابق بتجديد الجواز القديم الذي كان يتجدد في كل عامين ، ولاحقا بتأشيرة الخروج وتقديم مختلف الخدمات الضرورية في الداخل.

ويعاني المغتربون في تعليم أبنائهم ، فالنسب العالية التي يحرزونها بجهد جهيد ، يتم خصم قسط كبير منها للدرجة التي قد تجعل البعض يفضّل تعليم أولاده في جامعات دول أخرى حتى لايفقدوا  فرص دخول التخصص الذي يرغبونه، ولو وجدوا التخصص فإن دراستهم لاتتساوى مع دراسة بقية أندادهم، فدفع قيمة الدراسة بعملة غير العملة السودانية، وبرسوم أعلى من تلك التي يتمتع بها زملاؤهم الآخرون ، زائدا على النظرة التمييزية التي حصرتهم في مسمى (شهاده عربية)
متأخرات الضرائب أرغمت الكثيرين على العزوف عن العودة لبلادهم لملاقاة أهاليهم، فتأشيرة مغادرة البلاد مرهونة ببراءة الذمة من الضرائب، أما حصولهم على مميزات المواطنة من خطط سكنية وتأمين صحي، وغيرها فمحرم عليهم المطالبة بها.

سياراتهم الخاصة ومغتنياتهم الشخصية وأثاث بيوتهم، مرهونة بمعوقات لاحصر لها، وحديثهم عن حقوقهم قد يحيلهم لتصنيف الخيانة الوطنية عند الكثيرين الذين وصل بهم الأمر حدّ التشكيك في وطنيتهم ، وعلى المنابر المفتوحة دون حياء
وبحسرة كبيرة، ظلّ المغترب السوداني يلمس الحماية والرعاية والإهتمام الذي تقدمه البعثات الدبلوماسية لمواطنيها، ولكنه في معظم دول الإغتراب، يجد العلاقة بينه وبين بعثتة الدبلوماسية علاقة جفاء يصل حدّ العداوة أحيانا، وبعض البعثات الدبلوماسية كانت تتجسس على مغتربيها وتدفع سلطات البلد الذي يعيش فيه لمضايقته بدلا عن أن تقوم هي بواجبها في حمايته لو تعرّض لمضايقة، وفي مقابلة زميلتنا الإعلامية الدبلوماسية الخلوقة السفيرة أميرة عقارب التي افتتحت عودتها الدبلوماسية بلقاء مواطنيها في السفارة الأمريكية وتأكيدها بأن عهد المفهوم القديم للعلاقة بين المغترب ودبلوماسييه قد انتهى ، خير دليل على ذلك.

حتى العمل الاجتماعي للجاليات السودانية لم يسلم فيه المغترب من ظلم السلطات السودانية الحاكمة عبر مختلف الحقب ، فالتدخلات في انتخابات الأندية وزرع الشقاق بين أفرادها وتنصيب موالين لها ، ظلّ سببا رئيسا في تعويق النشاط الإجتماعي للمغترب ، ودافعا لعزوف معظم السودانيين عن الإنتماء لدورهم والمشاركة في أنشطتها
مظالم المغترب كثيرة وصعبة الحصر ، وبعد الثورة تعاظمت آمال المغتربين بتغيير الحال بعدما تولى زمام الأمر من خاضوا تجربة الإغتراب وخبروا دهاليزه ومعضلاته ومصاعبه ، وأدركوا مختلف طرق حلول مشاكله ، ولازال الأمل معقوداً.

المغتربون بنجاح الثورة توقعوا من حكامهم الجدد طرح أسهم مؤسسات عامة خاصة بالتنمية ، إضافة للمشاريع الإنتاجية الفردية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ، ولا زال أمام أصدقاءنا مسؤولو الحكومة المدنية فرصا لفعل ذلك ، فهو الطريق الآمن الذي لو سلكته الدولة  ، فلن تحتاج لمدّ يدها لمقرض أو مانح أو مستثمر ، وقد بلغت

عبدالدين سلامه
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..