مقالات وآراء

الزراعة السودانية ومشاكلها ومناهج العلوم الزراعية بالكليات (5)

ب/ نبيل حامد حسن بشير

بسم الله الرحمن الرحيم

قدمنا في الحلقة الرابعة فذلكة تاريخية مبسطة وسريعة عن التعليم الزراعي في السودان  منذ عهد الاستعمار حتى يومنا هذا. في الحلقة هذه سنناقش  الأسلوب التعليمي الحالي والمناهج الحالية و المناهج المقترحة  لتواكب المستجدات و الاحتياجات المحلية والاقليمية والعالمية.

التعليم الجامعي في المسارات العلمية كما نعرف جميعا  يعتمد على الأستاذ والمكتبة والمعامل والورش والكوادر المساعدة، خاصة الفنية ومساعدي التدريس والمعيدين، اضافة الي البيئة المناسبة لكل هذه الكوادر التي تحفزهم علي العطاء المتميز، خاصة الخدمات من مكاتب وقاعات محاضرات ومعامل مجهزة تليق بهم، و كافتيريات وحمامات وسبل مواصلات مناسبة للطلاب والطالبات وشبكة انترنيت قوية واستمرارية الكهرباء، وفي  الكثير من الجامعات ، خاصة التي بها طلاب من خارج المدينة، السكن الطلابي المناسب والمأمون الذي يليق بكرامة الانسان من حيث العدد لكل غرفة والخدمات بحيث لا يزيد عدد  الطلاب والطالبات  بالغرفة المجهزة تجهيزا حضاريا عن أثنين مع توفر امكانيات الأنشطة الطالبية.

الوضع الراهن في ما يخص كليات العلوم الزراعية (دون استثناءات) لا يرقى لما نعرفه وعايشناه بجامعات لها سمعتها ومكانتها عالميا واقليميا بما في ذلك دول الجزار العربي والافريقي، ولا بما نتمناه للتعليم الجامعي من كل النواحي. 

متطلبات الزراعة السودانية الحالية تحتاج الى خريج ملم بكل التقانات والتقنيات الحديثة،   قادر على أن يستفيد من المعلومات والتقانات في حل المشاكل و القدرة على الابداع والابتكار.  ولا أري أن الخريج الاكاديمي الحالي (اضافة الي عدم توفر الحريج الفني)،  قادر على تقديمها بسبب  اسلوب التعليم ومحتويات المناهج.  كما أن احتياجات المزارع الحالي  تختلف بدرجة كبيرة عن احتياجات المزارع القديم الذي  هو في الأصل تحول من (راع) للمواشي الى (مزارع) لا يعرف  عن الزراعة الكثير، خاصة المروية منها ، وكان يعتمد اعتمادا كاملا على (المفتش الزراعي) مع محاولات جادة من (المرشد) الزراعي في الفترة ما بعد سبعينات القرن الماضي.

المناهج الحالية  تعتمد على (التلقين والحشو)  وتعتبر الطالب قطعة من (الاسفنج) تمتص المعلومات التي تقدم في المنهج،  ويترك تقدير مقدراتهم وكفاءتهم للاختبارات  التحريرية وأحيانا المعملية ، ونادرا جدا الشفهية،  والنتيجة غالبا ما يتفوق الطالب الأكثر قدرة على (الحفظ) دزن فم أو هضم للمعلومة والغرض من تقديمها له. حتى وضع الامتحانات  يتم بطريقة تختبر مقدرة الكالب على الحفظ. وكثير من الأساتذة يلجأ لاسلوب التملية (الاملاء) لمحتويات مادته ولا يترك للطالب مساحة الرجوع للمكتبات والمراجع وامهات الكتب، بل أن أغلب الطلاب  لا يستطيعون تسمية مرجع علمي واحد أو دورية علمية  في مجال المادة التي درست له. بل أكثر من ذلكن  فان الطلاب عادة ما يظهرون نوع من التضجر ان  قام المحاضر بكتابة المراجع أو طلب منهم الذهاب للمكتبة لتكملة نواقص المنهج  كانه طلب منهم الذهاب الي الجحيم.  والانكأ من ذلك أن قام المحاضر بكتابة مصطلحات بالانجليزية أو اللاتينية!!

العلوم الزراعية ألان، والزراعة بصفة عامة،  تتطلب تفهما  مناسبا في عدة (علوم أساسية ) لا تغطي بشكل كاف  من خلال التعليم العام، وهي مواد الكيمياء بكل فروعها (غير عضوية وعضوية وفيزيائية  وتحليلية وأحيائية) والفيزياء والرياضيات بفروعها والجيولوجيا والعلوم الحيوان والأحياء والوراثة والاقتصاد والبيئة بل والاعلام أيضا. 

ومن اساسيات العلوم الزراعية  علوم المحاصيل والبساتين (الخضر والفاكهة) والانتاج الحيواني والهندسة الزراعية  وعلوم التربة  والماء،  وقاية النباتات/ المحاصيل بفروعها (حشرات، أمراض، حشائش، أفات فقارية، مبيدات، تطبيق المبيدات) والارشاد الزراعي والاقتصاد الزراعي والصناعات الغذائية  وعلوم الأغذية. بالطبع لا يستطيع أي شخص زراعي أن يكون ملما بكل هذه العلوم بمعني أن يكون Jack of all trades. فلابد بد من يركز في مجال واحد من هذه المجالات، لكن  عليه أن يكون لديه خلفية في كل منها بحيث تكون هنالك لغة مشتركة بين كل الزراعيين يتفاهمون بها ويوصلونها للمزارع (المنتج). 

لكننا نهدف الى أن يكون لنا (خريج متخصص) في مجال محدد subject matter specialist. النطرة الأخرى التي نود أن نلفت النظر اليها هي أننا حاليا لسنا في حوجه لمفهوم  (مفتش زراعي)، بل يجب أن نخرج  (مرشد واداري) زراعي متخصص ان كان  ذلك بغرض الوظيفة الحكومية أو الشركات أو  عمل الخاص به، كما أن هنالك عدة أسباب أخرى  منها  أن هذا المزارع هو من يقوم بدفع  راتب هذا الموظف الزراعي، وأن الفكرة القديمة التي زرعها المستعمر واستمرت حتى  2005م  فكرة مرفوضة حيث كانت  تقول للمفتش (ما ترفع كراعك من رقبة المزارع !!!!). الآن هذا المزارع واع ويعرف حقوقه ويدفع الأجر والضرائب ..الخ، وهو  العمود الفقري للتنمية ويعرف حقوقه وواجباته.

النقطة الثالثة والمهمة جدا تتعلق بسنوات الدراسة.  ما هي أسباب اعتماد خمس سنوات للحصول على درجة البكالوريوس (شرف)؟  وهل المهم هو  (الزمن) أم ما يتلقاه الخريج من مطلوبات التخرج (الساعات المعتمدة؟  السؤال موجه الة ديوان شؤون الخدمة / العاملين ، علما بأن  نفس الدرجة في كل الدول العربية 4 سنوات والهند وباكستان 3 سنوات. ما هي أهمية ضياع عام كامل (فصلين دراسيتين)   للشرف، في حين أن خريج  السنوات الأربع أو الثلاث أعلاه يمكنه الالتحاق مباشرة للحصول على الماجستير في أي دولة  بما في ذلك الولايات المتحدة.  فلننظر اليها من ناحية اقتصادية، ومن ناحية اضاعة عام على الطالب يمكن أن يستغله في الانتاج، ومن ناحية تخفيف الأعباء على أسرته، وبالنسبة للجامعة توفير 20% من القاعات والداخليات والكهرباء واستهلاك الخدمات ..الخ.

أما عن لغة الدراسة، فلا نمانع من استخدام اللغة العربية، رغما عن أنها ليست لغة الأم لكل السودانيين، لكن لماذا نقوم  بقتل اللغات الأخري، خاصة الانجليزية، لغة المراجع العلمية؟

لماذا لا نوفر كل الامكانيات المطلوبة لهذه الكليات معمليا  وحقليا ، اضافة للورش؟

لماذا نركز على التعليم الأكاديمي ونتجاهل الفني؟ وأيهما أجدى؟

أخيرا لماذا لا نفكر في (الجامعة الزراعية) بدلا عن كليات زراعية، خاصة في المناطق التي توجد بها كليات ومحطات بحثية؟

في الحلقة السادسة سنناقش  كل ما جاء أعلاه بالتفصيل أن كان في العمر بقية. أللهم نسألك اللطف (أمين).

ب/ نبيل حامد حسن بشير
[email protected]
جامعة الجزيرة
6/7/2020م

تعليق واحد

  1. نتوقع نظام التعليم المنتج بمعني و في كل المراحل يتم بها اكتساب مهارات و معرفة تطبيقية ملازمة للحقل مباشرة.
    بمعني لكل دارس انتاجه الخاص و ربطه بالانتاج و لا تتنتهي العملية التعليمية و الا ان يجد نفسه جزء من العملية الانتاجية الاقتصادية للدولة.
    النظام التعليمي النظري و المنفصل عن الانتاج مكلف و لا يناسبنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..