مقالات وآراء2

“حاصصوهم لأن لهم الحق”

علي العبيد

دار كثير من اللغط و أريق الكثير من الحبر في الآونة الأخيرة من كتاب كثر، يقدحون في المحاصصة التي تجري لإقتسام الكراسي سواء كان في مجلس الوزراء، المجلس السيادي أو الولاة. الكل يقدح في الفكرة و يعتبرها نوعاً من الأنانية و الشره في الإستحواذ على جزء من كيكة السلطة. 

والناظر من زاوية أخرى لذلك الأمر الذي يعتبره بعض الكتاب و الصحفيين ردةً عن مبادئ الثورة ( الدكتور الباقر العفيف، مقاله بصحيفة الراكوبة بتاريخ 13 يوليو الجاري، الأستاذ حيدر خير الله الذي يصفها بالملعونة، نفس العدد من جريدة الراكوبة و غيرهم)، يصيبه نوع من الإستغراب أن يصدر مثل هذا الكلام من أشخاص معروفين بمواكبتهم للعمل السياسي منذ فترة طويلة، وكان المتوقع منهم أن يخلعوا ذلك الجلباب الذي يمقتونه و يسمونه المحاصصة، و يتأملوا قليلاً قبل أن يأخذهم تيار الإسم الذي لا يحبذانه ليكتبا برويّة عن مساوئ تلك المحاصصة.

و الغريب في أمر الكاتبين المرموقين (الباقر و حيدر)،أنهما لم يبسطا مساوئ المحاصصة  للقارئ و لم يوضحا عوارها، فقط بنيا كلامهما على كرههما  المبدئي لكلمة محاصصة و أسبغا عليها كل صفات السوء وشيطناها دون منطق.

إن المرء ليستغرب و هو يرى ذلك الموقف من العديد من الكتاب و الصحفيين الذين ينسجون على نفس المنوال، و لنسأل أنفسنا ما هو العيب في هذه المحاصصة؟ و إن كانت الكلمة تثير حساسية مفرطة لدى البعض فلنسمها (المشاركة الحزبية) في كراسي السلطة. ما هو العيب في ذلك؟

من المعروف أن كل من ناضل نضالاً سلمياً و كل من حمل السلاح و ساهم في إسقاط النظام البائد يحمل مشروعاً يريد تنفيذه من أجل رفعة و رخاء هذه البلاد، أعتقد أننا نتفق على هذه المسألة، و إن لم يكن ذلك كذلك فما هو المسوّغ الذي جعل هؤلاء المناضلين يعانون السجون و اللجوء و الإحتراب و يقدموا آلاف الضحايا من أجل أهدافهم المتمثلة في إسقاط النظام و تحرير من يمثلونهم من ربقة الإستعباد التي كانوا يصطلون بنيرانها، و إنصاف من يمثلونهم من الظلم و التهجير و الإضطهاد الذي حاق بهم؟

مما لا يمكن إنكاره أن حركات الكفاح المسلح الدارفورية كان هدفها الأساس هو إنصاف أهلهم في دارفور، و الحال ينسحب على مناضلي المنطقتين،  عبد الواحد محمد نور يحمل هم قبائل أهل الجبل، عبد العزيز الحلو يحمل هم النوبة، مالك عقّار يحمل هموم الأنقسنا و قبائل المنطقة الأخرى و كذلك جبريل أبراهيم و مناوي وغيرهم، كلهم يحملون في الأساس قضايا (مناطِقية) تخص أهلهم.

هؤلاء المناضلون يحملون برامج و رؤى لإنزال العدالة الإجتماعية على الأرض، أهلهم لن يسامحونهم إن لم يشعروا بأن أبناءهم و قادتهم قد جلبوا لهم حقوقهم و رفعوا عنهم مظالهم، و إلا فسيحاسبون حساباً عسيراُ، و يطرحون عليهم سؤالاً لا فكاك لهم من الإجابة عليه: لماذا كنا نحارب، لماذا كنا نسير خلفكم و نقاتل معكم؟

الآن إذا نطرنا للآلية التي بموجبها يحقق هؤلاء المناضلون أهدافهم نجد أنها تتمثل في (المشاركة الحزبية) التي يسميها البعض (المحاصصة)، في المواقع القيادية التي لها صلاحية إتخاذ القرار، أن يكونوا مؤثرين و نافذين لينصفوا من قاتلوا بإسمهم، دون مشاركة في مواقع السلطة لن يحقق أهل الحركات المسلحة أهدافهم، دون ذلك لن يحقق المؤتمر السوداني ما عاهد عليه قواعده، وينطبق الكلام على حزب الأمة و الاتحادي و الشيوعيين و البعثيين و بقية الواجهات السياسية.

و ليحدثني أحدكم، ما الضير إن رأينا ياسر عرمان أو عمر الدقير أو مريم الصادق وزراء؟ ما الضير إذا ضممنا مالك عقّار أو مناوي أو عبد الواحد أو جبريل إبراهيم لمجلس السيادة، ما الضير إن جعلنا كل والي من أبناء المنطقة، أبناء الغرب يصيرون ولاة على دارفور و كردفان، أيناء الشرق يكونون و لاة على كسلا و البحر الأحمر، أحد أبناء الجزيرة يكون والياُ على الجزيرة و هكذا في كل بقاع السودان. أهل الولاية سيقتنعون بإبنهم الوالي أكثر من الغريب.

سؤال أخير للذين ينتقدون المحاصصة: هل هنالك مناضل أشرف من جون قرنق؟، ألم تحدث معه محاصصة بعد توقيع إتفاقية نيفاشا وصار نائباً أولاً للرئيس، و أخذ بعض الوزارات؟ ألم يحدث ذلك مع (سالفا كير) بعد الرحيل المر للقائد جون قرنق؟ ألم يحدث ذلك قبلاً مع أبيل ألير و جوزيف لاقو؟ ما الذي يمنع ذلك الآن؟

و ختاماً هلموا لمحاصصة عادلة، و هؤلاء (المحاصِصين) فيهم كفاءات و رجالات دولة على أعلى المستويات، حاصصوهم  و (فكّونا) يرحمنا و يرحمكم الله، لأنهم لن يرضوا بغير ذلك و معهم ألف حق.

علي العبيد
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. كلامك دا، يعني أن الهَمْ، هو جهوي/مناطقي/قبلي/طائفي/حزبي، ولا أحد يحمل هَمْ الوطن !!!!!

    هل تعلم، أن هنالك 85 حركة/فصيل مُسلحة/مُسلح، فقط في إقليم دارفور ؟؟؟!!!! زد علي ذلك، فإن عدد الأحزاب السياسية، يفوق المائة حزب !!!!!!!!!!!!

    فأين هي الوطنية، من كل هذه المعمعة، إن كان كل فصيل/حزب، عليه مناصرة وفرض أجندة قاعدته !!!! دا معناه، أن كل فريق حيشوت علي جهة، ولعمري، لهو وصفة متخلفة، للفشل الماحق !!!!!

    علاوة علي ذلك، لماذا أضاعت مفاوضات جوبا مدة 9 شهور، لتصل، فقط، إلي توزيع المناصب، علي أن تُرحل القضايا القومية، إلي المؤتمر الدستوري !!!!!!!

    لا يُمكن الحديث عن إتفاق سلام، دون إنضمام الحلو وعبد الواحد إلي الركب !!

  2. كلمات مفتاحية -هى بمثابة- كلمات سر ايحائية يجب الانتباه لها:
    – محاصصة
    – اقصاء
    – قحاتة
    – حالمون
    – النائم العام
    – الاحزاب هى سبب نكبة السودان
    – غشونا بالشعارات
    – كفاءات مستقلة بلا ميول حزبية أو خلفيات أيديولوجية
    – نفوذ الأحزاب في الفترة الإنتقالية
    يا استاذ على العبيد بقت علينا قصة السٌّرة بت المعيلق، صاحبة الحكمة البليغة:
    لو اتكلمنا السٌّرة مجنونة … وأكان سكتنا الحصاحيصا غرقانه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..