
تباينت مواقف المسؤولين في الحكومة الانتقالية حول تسليم المخلوع الى المحكمة الجنائية الدولية, وذلك من خلال تصريحاتهم عبر الفضائيات السودانية.
- عضو مجلس السيادة الاستاذ محمد حسن التعايشي, صرح بتسليم المخلوع الى المحكمة الجنائية الدولية, وقد اثار هذا التصريح ردود افعال واسعة, حيث انه نال الرضاء التام من قبل ضحايا جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية, الا ان هذا التصريح لم ينال رضا الحكومة الانتقالية, حيث انه عقب هذا التصريح ورد تصريح اخر من قبل الناطق الرسمي للحكومة ووزير اعلامها الاستاذ فيصل محمد صالح, نافيا تصريح التعايشي عندما ذكر بان القرار بالتسليم لم يتخذ بعد وهناك عدة خيارات حول هذا الموضوع, الا انه لم يحدد هذه الخيارات, وهذا يقودنا الى السؤال حول كيفية صنع القرار , واتخاذ القرار داخل الحكومة الانتقالية؟
- رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك, في الحوار الذى اجراه معه مدير التلفزيون الاستاذ نعمان, ذكر ان فكرة العدالة يجب ان تحقق الى حد الرضا الكامل, وان هذا الامر يمكن تحقيقه في لاهاي, او من خلال المحاكمة بالسودان, او عن طريق العدالة الانتقالية, او من خلال قضايا الحقيقة والمصالحة, وانه لن يهدا لنا بال حتى يشعر الضحايا بالرضا.
بالرغم من ان د. حمدوك وضع خيارات الا ان الخيار الافضل والذى يمكن تحقيقه هو الخيار الاول وهو تحقيقه في لاهاي, وسبق وان كتبت مقال سابق بعنوان لا مناص من محاكمة المخلوع في لاهاي, وقد بينا الاسباب التي لا يمكن ان تتم المحاكمة بالسودان, ولأيمكن الاستفادة من نص المادة(17-1) من نظام روما الأساسي الذى يجعل الاختصاص الوطني له الاولوية وذلك لسبب عدم قدرة القضاء الوطني او فشله في معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب, ويقصد بعدم القدرة والفشل هنا القصور في القانون السوداني الواجب التطبيق. اما الخيار الثالث وهو العدالة الانتقالية لا يمكن ايضا تحقيقه وذلك لان العدالة الانتقالية تحتاج الى اشياء كثيره لابد من توفرها اولا منها اصلاح المؤسسات وتشمل مؤسسات الدولة القمعية مثل القوات المسلحة والشرطة والمحاكم, وتفكيكها , وهذا يحتاج الى وقت وهذا مالم تفعله الحكومة الانتقالية, اضف الى ذلك ان مدة الفترة الانتقالية المنصوص عليها في المادة السادسة من الوثيقة الدستورية, لم تمكنها من انجاز هذه المهمة. اما شعور الضحايا بالرضا فيبدو ان رضا الضحايا هو تسليم المخلوع الى المحكمة الجنائية الدولية, ويتضح ذلك من شعور الضحايا بالرضا التام من تصريح التعايشي بالتسليم.
*النائب العام, مولانا تاج السر الحبر, وفى الحوار الذى اجراه معه الصحفي الاستاذ شوقي عبد العزيز وعند سؤاله عن تسليم المخلوع كانت افادته ان هناك اشكاليات قانونية فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق, والجانب الاخر ان المادة(3) من قانون الاجراءات الجنائية لعام 1991 تمنع تسليم سوداني خارج السودان, واننا نسمع راي المجموعة في جوبا.
من خلال هذا التصريح يبدو واضحا ان النائب العام يرفض تسليم المخلوع الى المحكمة الجنائية الدولية, وذلك باستناده الى المادة(3) من قانون الاجراءات الجنائية1991 , والتي تنص الفقرة الثالثة منها( على الرغم من أي نص في أي قانون اخر لا يجوز لأى جهة حكومية في أي مستوى من مستويات الحكم او أي شخص يساعد او يقدم أي دعم لأى جهة لتسليم سوداني ليحاكم في الخارج لا تهامة لارتكاب أي جريمة تشكل مخالفة للقانون الدولي الإنساني بما في ذلك الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية وجرائم الحرب), فالنائب العام يعلم ان المادة(3) تم تعديلها في العام 2017من قبل النظام المخلوع وذلك لتكون حصانه لهم, حيث عرف عن النظام السابق انه كان يفصل القوانين على حسب مصلحته, فهذه المادة ادخلت على قانون الاجراءات الجنائية 1991 في التعديلات التي طراءة عليه في العام 2017 , وميثاق روما وقع في العام1998 , ودخا حيز التنفيذ في العام 2001 , والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية التي ارتكبها المخلوع كانت في العام2003 , الست هذه اشكاليه من ضمن الاشكاليات فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق, فلماذا لم يقوم النائب العام بالسعي الى تعديل المادة(3) من نظام الاجراءات الجنائية, ولماذا لم يشتمل التعديلات الأخيرة على تعديلات في قانون الاجراءات الجنائية؟ كل هذا يؤكد على اصرار النائب العام على عدم التسليم, بالإضافة الى ذلك ان اجابات النائب العام جاءت متناقضة فتارة يستند الى المادة (3) التي تمنع التسليم, ومرة اخرى يقول نسمع راي الجماعة في جوبا. فو افترضنا راي الجماعة في جوبا هو تسليم المخلوع للمحكمة الجنائية, ماذا يفعل النائب العام حينها هل سوف يستند الى المادة (3) ويرفض التسليم؟ ام يخاف نص المادة (3)؟
اما حديثة عن الاشكاليات القانونية فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق فنتفق معه تماما.
*وزير العدل, د. نصر الدين عبد الباري. في الحوار الذى اجراه معه الاستاذ نعمان عندما سؤل عن موقف وزارة العدل من تسليم المطلوبين الى المحكمة الجنائية الدولية, افاد بانه ينبغي ان تقرره الاجهزة المختلفة للحكومة الانتقالية وعلى راسها مجلس السيادة والوزراء.
فالقرار بشان التسليم الذى يتخذ من قل مجلس السيادة والوزراء هل يتخذ وفقا لصلاحياتهم بموجب المادة(24-3 ) من الوثيقة الدستورية باعتبارهم مجلس تشريعي؟ ام ماذا؟.
واشار وزير العدل في حديثة الى تعريف العدالة الانتقالية, واصراره على تحقيق العدالة من اجل الضحايا, وتحدث عن المادة (3) من نظام روما الاساسي والتي تتحدث عن مقر المحكمة, والتي نصها(1- يكون مقر المحكمة في لاهاي بهولندا,2- تعقد المحكمة مع الدولة المضيفة اتفاق مقر تعتمده جمعية الدول الاطراف ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها,3- للمحكمة ان تعقد جلساتها في مكان اخر عندما ترى ذلك مناسبا وذلك على النحو المنصوص علية في النظام الاساسي.), ومن خلال حديث وزير العدل عن المادة الثالثة من نظام روما, يبدو انه يحاول ان يقدم الحل للحكومة الانتقالية للخروج من هذه الازمة, وهو انعقاد المحاكمة في مكان اخر غير لاهاي والسودان, وهذا يتم بالاتفاق مع المحكمة, حيث افاد بان وزارته على اتصال دائم مع المحكمة الجنائية الدولية, واعتقد هذا الطريق الافضل لتحقيق العدالة للضحايا.
- اخيرا ومن خلال هذه التصريحات اتضح انه لا يمكن تسليم المخلوع الى محكمة الجنايات الدولية, والراجح ان يحاكم في دولة اخري وفقا لاتفاق بين الحكومة والمحكمة الجنائية الدولية. ونامل ان تتوصل الحكومة الانتقالية الى اتفاق مع المحكمة الجنائية الدولية بشان مقر المحكمة ومحاكمة المخلوع حتى تتحقق العدالة للضحايا.
السر العجمي
[email protected]