مقالات سياسية

السلام الخيار الصعب (1)

د. السموءل محمد عثمان

توسعت رقعة الحرب في السودان ، نتيجة لسياسات المؤتمر الوطني ، فانتقل النزاع الذي كان محصوراً في منطقة جنوب السودان إلى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ثم منطقة شرق السودان ، وانفصل جنوب السودان ليصبح من بعد دولة جنوب السودان ، ثم أدت  من بعد سياسة المؤتمر الوطني من عدم الجلوس في المفاوضات إلا مع من يحمل السلاح ، وثقافة المقايضة وتوزيع المناصب على قادة تلك الحركات  لاستنساخ الحركات المسلحة ،فتعددت الحركات مادام أن الحكومة لا تجلس إلا مع من يحمل السلاح.

دخل هولاء القادة للقصر الجمهوري، ونالوا الحقائب الوزارية ودخل أعضائهم للبرلمان ولكن ظلت مشاكل ولاياتهم ومناطقهم دون حل ، فلا تنمية ولا خدمات ولاتعليم ولا صحة ، ليستمر مواطن تلك المناطق  في حصاد البؤس والفقر والعطالة والمرض ورجعت بعض تلك الحركات مرة أُخرى للغابة نسبة للسلام الهش ، الذي اعتمد على توزيع المناصب والميزانيات دون وجه حق ، حتى الأمن لم يعم بسبب بعض المناوشات بين هذه الحركات والحكومة ، وبين قادة هذه الحركات وبعض قادتهم في الميدان ، وأصبح لبعض الحركات صور أخرى ملونة وفصائل جديدة.

صار  السودان دولة النزاعات والصراعات ، مما جعل بعض المنظمات الإقليمية والدولية والعربية تلعب دور الوساطة  من أجل إحلال السلام في السودان بالإضافة لجهود بعض الدول الأفريقية والعربية وبعض دول العالم.

التجربة السودانية تقول أن الشعب السوداني ليس بحاجة لسلام المقايضة وتوزيع المناصب ، الذي لن يفيد البلاد ، فقد كان  اهتمام جل مفاوضات السلام المقايضة والمناصب لقادة هذه الحركات دون الإهتمام بمشاكل اللاجئين والنازحين والمشردين ومشاكل الأعمار وإعادة الأعمار ،  وقضايا التنمية في تلك المناطق ، بل أهم الضروريات التي تتمثل في عدم توفر المياه الصالحة للشرب في بعض المناطق.

نعم كانت الحرب خصماً على التعليم والصحة، وتعطل الإنتاج في كثير من المناطق لتبلغ ميزانيات التعليم أضعف الميزانيات في الدول التي من حولنا، حتى وصف السودان بأنه لايسير كغيره من دول المنطقة  في درب تحقيق أهداف الألفية وتدهورت الخدمات الصحية وعانت المستشفيات ، وتوقفت كثير من الخدمات  وبدلاً من أن يصبح السودان كما رشح من قبل سلة غذاء العالم نسبة لما يمتلكه من مقومات وإمكانات زراعية من أراضي وتوفر المياه من الأمطار و الأنهار ،  وما يزخر به من ثروة حيوانية كبيرة ، إلا أنه عجز عن إطعام نفسه ، ليظل المواطن الضعيف ينتظر الاغاثات والمنح من الدول الأخرى.

رغم هذا إلا أن السلام  سيكون خياراً صعباً لأن ماتأتي به مفاوضات الترضيات هذه  لن يحل مشاكل التنمية غير المتوازية وأعمار المناطق التي تأثرت بالحرب  ومشاكل الاجئين والنازحين في معسكرات النزوح وعدم توفر التعليم والصحة ، كما أن عدم الجلوس إلا  لمن يحمل السلاح ،سيبعد الكثيرين من طاولة المفاوضات، أيضاً هذه المفاوضات ستكون كالقنابل المؤقوتة التي يمكن أن تنفجر  في كل لحظة بمجرد فقدان هذه المناصب أو عدم الإصغاء لهم في مطالبتهم المتكررة بالمناصب والوظائف لمن هم معهم ، ثم أن المحاصصات في الحقائب الوزارية والوظائف القيادية ستضر بالبلاد والعباد كثيراً.

لكن مفاوضات السلام التي يكون همها التنمية والأعمار والمشاريع الإنتاجية ستشهد مجهودان الجميع ، وتعمل على إرضاء مجموعات كبيرة من السكان ، وتعمل على توفير فرص العمل للشباب وتساعد في تنمية المرأة .فالثابت هو مخاطبة جذور المشكلة.

كانت هناك الكثير من دراسات إحلال السلام التي جدولت أعمالها بين التحديات والفرص ، والعمل على أن تصبح تحديات السلام فرص للسلام ، لكن عندما يجلس الناس لمفاوضات السلام لايعملون بتلك التوصيات والدراسات ، وتنحصر المفاوضات في توزيع المناصب ، ولم يكن يوماً الاختلاف في جلسات تلك المفاوضات حول السياسات أو الخطط ، بقدر ماكان الاختلاف في عدد المقاعد والحقائب الوزارية ، وتولي الحقائب الوزارية المهمة.

الجامعات  السودانية بها  مجموعة من كليات دراسات  السلام  ، وهي تمثل  مراكز استشارية  لبناء السلام  وفض النزاعات في ربوع الوطن الحبيب ، وعلى رأس هذه المراكز باحثين واستشاريين في لجان الحكماء ولجان السلام في القارة ،  ونظمت  هذه المراكز مجموعة من  المؤتمرات تحت رعاية  صناديق عالمية وإقليمية اشتملت على أوراق عمل وجدت الثناء في إعدادها وخرجت بكثير من التوصيات المهمة.

د. السموءل محمد عثمان
[email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..