مقالات سياسية

من الانصاف إلغاء شهادة الأساس وجعل التعليم الثانوي حقاً لكل طفل/ة دون شروط!!

د. سعاد مصطفى الحاج موسى

الى السيد رئيس الوزراء: الدكتور عبد الله حمدوك، الموقر

بالأمس السبت 12 يوليو 2020 شاهد الكثيرون منا فيديو لتلاميذ وتلميذات مرحلة الأساس في قري دارفور (وادي باري، دوراشا، حجر تاما، مندي) وهم متجهين الي الجلوس لامتحانات شهادة الأساس في مركز وحدة قندرني في عمق ريف غرب دارفور حيث المنطقة محفوفة بالمخاطر ويكثر المسلحين أفراداً ومليشيات.  منظراً اقشعرت منه العدالة التي لا يزال ينادي بها ثوار السودان الذين يطمحون لعهد جديد تنهار فيه مرابط العنصرية والجهوية والظلم وتودع مذبلة التاريخ.  الاعتصامات التي انتظمت دارفور نادت بالأمن والسلامة وتحصنت بالسلمية سلاحاً ضد همجية الرعاع ولكن داخل تلك المطالبات تقبع مطالب المواطنة المتساوية ودونها ستنهار كل المطالب.

وفي حين اقتربت مواعيد امتحانات مرحلة الأساس لم نسمع بياناً ولا حديثاً ولا توضيحاً لمسؤول اتحادي أو ولائي عما تم من اعداد وإجراءات فيما يخص أوراق الامتحانات والمدرسين والمراكز والطلاب الممتحنين وترحيلهم وسكناهم وسلامتهم.. الخ. وهذه تضيف ضلعاً آخر الي مثلث غربة مبادئ الثورة ورئيس وزرائها الذي دخل درب بحثه عن التكنوقراط الموية ليجد نفسه يحزم امتعة حكمه ويبدأ البحث من جديد عمن يظن أنه القوي الأمين. امتحانات مرحلة الأساس هي عرف تقليدي لوزارة التربية وتشكل التجربة الاولي للأطفال الجالسين للالتقاء بأولي محطات مسيرة تعليمهم وتحدياته المستقبلية، واختبار قدراتهم وتطلعاتهم. تجربة ستوثق لذاكرتهم التاريخية تجاربهم عن الوطن والمواطنة وسيأتي يوماً سيستنطقون فيه الأًسس التي بنت عليها الدولة تطبيق ذات سلم التقييم في قبولهم للمرحلة الثانوية مع من لا تجمعهم بهم صلة تكافؤ في الإمكانات المدرسية من حيث المادة والمعلم ولا الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية ليجد معظمهم نفسه في قارعة الطرق موصومون بتوصيف ما يسمي ب “الفاقد التربوي” وليس “الفاقد التعليمي” فيتجه الي الزراعة التقليدية من يتجه ويهاجر الي دول الغرب من يهاجر، ومن ثقُلت عليه موازين الغبن يتجه مرغماً الي رفع السلاح في وجه من يظن أنه الظالم والسبب في حرمانه وتضييق أبواب الحياة عليه!

حري بالقول انه لا يوجد في دول العالم المتحضر ما يطلق عليه “الفاقد التربوي” – العبارة البائسة التي ابتدعتها الدولة لمداراة فشلها في تحقيق المواطنة المتساوية تعلقها على رقاب أطفال لا يزالوا يكابدون مهمة التفريق بين الواجب والمستحيل. فثقافة صناعة الفاقد التربوي ووصمته هي التي أنتجت مشاكل الوطن وعثراته وكوارث حروباته. وفي خضم طموحاتنا الثورية نبتئس ونغتم حين لا نري معاييراً واضحة ولا خطوات جادة لردم تلك الهوة التي خلقت الجهل، وقنّنت التجهيل وكرسّت الفوارق الطبقية بين من أغتني بأموال الدولة وتحت رعايتها ومن أفقرتهم الدولة بعانية وإصرار. فالتعليم هو رأس رمح النجاح والوعي والاسهام في بناء المجتمعات وقيادة الدولة ولذلك وقف الحكام المركزيين حياله في عموم الهامش وأقاموا بدلا عنه معاول الجهل وكل ما من شأنه اقعاد حركة المجتمع التنموية وانطلاقته، وفازت الإنقاذ ببطولة الدوري الممتاز في الإفلاس الاخلاقي وإعادة انتاج العنصرية والاستعلاء والعنجهية فكان لابد أن تجد نفسها قاعدةً وهي ملومةً محسورا.

ذكرت بأنه لا يوجد في دول العالم الأول ما يسمي بفاقد تربوي فلكل طفل/ة حق علي الدولة في الانتقال للمرحلة الثانوية دون حواجز أو شروط ما لم يدان بارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون، ثم لمن أراد/ت بعدها الالتحاق بالجامعة أو بمعاهد التدريب المهني أو الانخراط في اختيارات شخصية اخري. فما تُجري من امتحانات هي اختبارات تقييم قياسية، أي لقياس مستوي التحصيل التعليمي للأطفال في الفصلين الثاني والسادس بهدف أساسه هو محاسبة المدارس على تحصيل تلاميذهم وما أحرزوه من تقدم في بعض المواد وليست كلها. وإذا فشل التلميذ لا يُعاقب وانما تُنقل النتائج إلى المدرسة الثانوية للطفل ليتلقى العون والمساعدة اللازمة لتحسين أدائه ومستواه، ولتقليل التوترات بين الطلاب بسبب المفارقات في مستويات الأداء الأكاديمي، وليس لغرض العقاب والطرد الي الشارع كما يفعل نظامنا ليكون عرضة لمافيا المخدرات ورفقاء السوء والتشرد بسبب ما ألحقته به الدولة من إساءة نفسية وجرح سينطبع على بقية مستقبله.

امتحانات مرحلة الأساس التي تعقد في السودان ما هي الاّ وسيلة منهجية للدولة تعاقب بها أطفالاً في عمر الرابعة والخامسة عشرة أعواما بحرمانهم من دخول الثانوي بحجة عدم النجاح، والدولة لا تُسائِل نفسها عن سبب عدم نجاح هذا الطفل ولا تراجع تقصيرها نحوه، ولا تبحث ولا تحلل ولا تراجع الآثار السالبة التي ستحدث لهم ولأسرهم والمجتمع من حولهم جرّاء حرمانهم من مواصلة الدراسة في بواكير حياتهم وفي مستهل مرحلة مراهقتهم بحجة عدم النجاح، أي الآثار النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تقع على ضحايا هذه السياسات المنفصلة اجتماعيا، وعلى المجتمع والدولة معاً.

ما شاهدناه بالأمس في ذلك الفيديو يعطينا رسالة سالبة عن المسؤولين وعن الجرائم التي أُرتكبت في حق أبناء وبنات الريف منذ الاستقلال، خاصة في دارفور – إقليم يعاني من انتشار السلاح وحرب المواتر، والترصد للفتيات والأطفال تحت كل شجرة وخلف كل جبيل وتلة رمل ووادي. في مثل هذه الأجواء لا يتجرأ أهل المدن بالخروج من بيوتهم لأي سبب، ولكن نجد الأطفال في الريف يتحركون حاملين علي رؤوسهم شنط حديدية ضاربة في القدم وبالكاد تجدها في الأسواق هذه الأيام، وهم ينتعلون أحذية قابلة لاختراق الأشواك والمسامير التي قذفتها الإنقاذ بطائرات الانتنوف وانتثرت علي امتداد أراضي القري وأوديتها، يقطعون الأميال مشياً علي الأقدام يخوضون الرمال والأوحال، ويغوصون في وعورة الغابات والجبال وتقبع لهم الثعابين والعقارب وحيوانات الخلاء الوحشية، تعترضهم أمطار الخريف ومن فوقهم سماء ترعد وتبرق وأودية تزبد، وليس في معيتهم عسكري بوليس ولا جيش لحراستهم. يحملون زادهم (زوادتهم) من كسرة عَسَلَة ناشفة وخميس طويرة ودقيق وأدوات للملاح للطبيخ، فليس هنالك مطاعم للبيرجر وسندوتشات الشاورمة والفول بالجبنة والأسود ومشروبات البيبسي والعصائر الباردة، وعليهم الطباخة بأنفسهم عقب كل امتحان. لا توجد داخليات مهيئة ويفترشون الأرض وما يحملون من فرش البلاستيك، ويستخدمون الفوانيس الصغيرة للإضاءة ولا يغطيهم الا ملابسهم وبعض من ثياب قديمة مهترئة. يتحملون العناء مدفوعين برغبة طاغية في التعليم كما نراهم يغنون وينشدون تلك الأناشيد الوطنية تتبعهم دعوات الكبار لهم بالنجاح وتغمرهم الغبطة والأمل في مستقبل أفضل.

بربكم أي تعليم هذا الذي نشاهده، وأي معاناة يختبرها أبناؤنا في سبيله؟ ومن سخرية القدر أيضاً هو أن هؤلاء الصغار النجباء لا يكلفون الدولة هَمَ توفير الرغيف أو الوقود أو مياه الشرب كما الحال الآن بالمدن، فهم يعتمدون على أنفسهم وعلى ما ينتجوه من أراضيهم، أي انهم ثقافياً أطفالٌ منتجين يقضون جل وقتهم في الزراعة والرعي منذ يفاعتهم وليسوا بمنشغلين بال Play Stations أو مشاهدة قنوات ال MBCs. هذا الواقع الجائر يفرض علينا جميعاً أن نهب لترميمه ورد الحق لهؤلاء الأطفال واسرهم وأولها الحفاظ على أرواحهم وحماية كرامتهم ورعايتهم الي أن يكملوا تعليمهم. ومن هنا اناشد باسمهم جميعاً أفراداً وجماعات، اناشد حكومة الثورة ورئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك شخصياً، اناشد كل الثوريين والوطنيين الشرفاء، اناشدهم واناشدكم باسم الثورة والسلام والعدالة، واطالب بالآتي:

أولاً: أن يكون التعليم الثانوي حقاً شرعياً للطفل ضمن حقوقه المنصوصة في اتفاقية حقوق الطفل، وواجب علي الدولة ويعني ذلك إلغاء شرط قبول التلاميذ للثانوي بالنجاح في امتحان الأساس ويتبع ذلك أن تشرع عاجلا في انشاء مدارس ثانوية في القري لاستيعاب كل تلاميذ وتلميذات مرحلة الأساس وأيضاً في المدن.

ثانياً: أن يكون الهدف من امتحان مرحلة الأساس فقط لتقييم أداء الطالب/ة في نهاية المرحلة للاستعانة به في المرحلة الثانوية المقبلة لتحسين مستواه التحصيلي وتقويته.

ثالثاً: أن تكون امتحانات شهادة الأساس في المدارس نفسها فلا يحتاج التلاميذ للسفر وقطع المسافات والمجازفة بأرواحهم وكرامتهم.

رابعاً: علي الدولة مراجعة الداخليات في المدن والريف والعمل على إعادة تأهيلها من حيث الحالة والسعة والخدمات، خاصة الغذاء والصحة صحة البيئة والأمن. وفي هذا يمكن توجيه ومناشدة المنظمات الدولية العاملة بالسودان للمساهمة، وأيضاً تخصيص مبالغ مقدره من صندوق السلام.

خامساً: توفير اختصاصيين اجتماعيين بالمدارس للتعامل مع إشكالات الصحة العقلية للتلاميذ والاشكالات الاجتماعية.
سادساً: تدريب معلمي مرحلة الأساس على التنمية الريفية وتوفير أقسام للتدريب الفني والزراعي والرعوي في مدارس الريف واستيعاب مقدرات الخلق والابتكار والإبداع للطلاب والطالبات وخلق أسواق وإقامة معارض لعرض وتسويق المنتجات وتمهيد الطرق الداخلية لربط الأرياف مع بعضها وبالمدن المحيطة.

سابعاً: إطلاق نفرة وطنية للمساهمة في ثورة للتعليم “في كل قرية مدرسة” ومناشدة الوطنيين للمساهمة الخيرية، فمن يرغب في صدقة جارية فالفرصة أمامه/ا يجزي بها في الدنيا والآخرة. حفظكم الله وحفظ الله السودان بأهله.

وستسود قيم الثورة: حرية – سلام – وعدالة

د. سعاد مصطفى الحاج موسى
[email protected]

تعليق واحد

  1. Gorgeously I am really grateful to Dr.د. سعاد مصطفى
    Your notion is genuinely appreciated and it mirrors a sense of constructive consciousness.I totally agree with your brilliant talented tip reflecting the amicable sense of feeling others suffering . Thank you for your fruitful and outstanding suggestion to who in charge in this staggering country

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..